بقلم: جايسون لي*

 

( صحيفة: الجاردين البريطانية- ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

 

يجب أن تتوقف الصادرات العسكرية إلى المملكة العربية السعودية إذا كنا جادين في إنهاء الحرب التي زالت تدور رحاها منذ أربع سنوات والتي أودت بحياة 85.000 طفل.

لقد وصلت إلى اليمن منذ 15 شهراً تقريبا ، تعد أزمة اليمن أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض. لقد عملت في مجال المساعدات منذ أكثر من عقد من الزمن ، وعملت في مناطق الطوارئ مثل أفغانستان وسيراليون وزيمبابوي وتيمور ليستي. لكني لم اعش مثل هذا الوضع.

لقد وصلت المعاناة في اليمن حدا يصعب فهمه. فقد قمت مؤخراً بزيارة مركز التغذية الذي تدعمه منظمة “أنقذوا الأطفال” بالقرب من مدينة الحديدة ، حيث التقيت بصبي يبلغ من العمر ثمانية أشهر يعالج من سوء التغذية الحاد. كان وجهه هزيلاً وضلوعه بارزة. كان يصارع الموت من أجل البقاء على قيد الحياة. وقد لقي شقيق الصبي ، البالغ من العمر 18 شهراً ، حتفه جراء حمى لم يسبق لها مثيل من قبل.

في حين كنت أعرف جيداً أن آلاف الأطفال كانوا يعانون من سوء التغذية والتقزم في جميع أنحاء البلاد ، لم أستطع إخفاء صدمتي عندما قابلت الصبي الذي كان وزنه 4 كيلوجرامات فقط ، أو ما يعادل نصف متوسط عمره تقريبا.

لقد تغلب علي حزن عميق وتوارد إلى ذاكرتي على الفور ابنة أخي البالغة من العمر 10 أشهر ، وهي أول حفيدة لوالدي. لقد كانت فرحة مطلقه لعائلتي : مليئة بالحياة ، نابضة بالحياة ، ممتلئة الخدين وفضوليه. لكن علاوة على ذلك ، انها كانت تتمتع بصحة جيدة خالية من الأمراض.

لم استطع المساعدة لكني أقارن بين الطفلين وأجواء الحياة التي ولدا فيها. على الرغم من تأثري على هذا الطفل الصغير ، فإن قصته وحالته ليست الوحيدة.

هنا في اليمن ، يموت طفل في كل 10 دقائق بسبب سوء التغذية والأمراض التي يمكن الوقاية منها ، وما يقدر بنحو 85.000 طفل يموتون منذ بداية الصراع على مدى حوالي أربع سنوات.

إلى أي مدى يمكن أن يتحمل أطفال اليمن؟

لقد شاهدت بأم عيني خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية الصعوبات التي يواجهها الأطفال – وهي نتيجة مباشرة لصراع غير ضروري ويمكن تجنبه وهو الصراع الذي عصف بالبلد الذي يعد بلدا منسيا إلى حد كبير ، والذي لا يتجاوز تعداد سكانه عدد سكان أستراليا.

لا أستطيع أن أتذكر أني قد شاهدت في حياتي مثل هذا البؤس والجوع. ولقد التقت في الوقت نفسه ، بأناس من أكرم الناس الذين يمكن تخيلهم ، والذين رحبوا بي في منازلهم على الرغم من عدم وجود ما يكفي من الطعام للبقاء على قيد الحياة ، لقد كان ما يتمتعون به من اللطف والمرونة ملهما.

لقد منحت الفرصة للتنقل في أجزاء كثيرة من اليمن ، انها بلد جميل تزخر بالجبال الوعرة والسهول الخصبة وتتمتع بتاريخ غني يعود إلى آلاف السنين.

كانت اليمن قبل الحرب وجهة لجذب السياح المغامرين. والآن هي واحدة من أخطر الأماكن على الأرض بالنسبة للأطفال.

وتتجاوز الإصابات الناجمة عن هذا الصراع الذي لا معنى له بكثير من الإصابات الجسدية التي يتعرض لها الأطفال أثناء القتال والضربات الجوية ، وظهور الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها مثل الكوليرا والدفتيريا ، التي تزداد سوءاً بسبب وقوع النظام الصحي تحت توتر غير اعتيادي.

لقد سلبت الطفولة من بين أيدي الأطفال اليمنيين ، وفقدوا الفرص التي تمكنهم من الالتحاق بركب العملية التعليمية. حيث يمثل هؤلاء الأطفال مستقبل هذا البلد – فسيكون منهم المدرسون والأطباء والمحاسبون في المستقبل – ولكن كيف يمكنهم تحقيق تطلعاتهم إذا لم يكونوا قادرين على القراءة والكتابة؟

وماذا عن الأسى والصدمة النفسية والعقلية للأطفال الذين شهدوا عنفاً شديداً وسفكا للدماء ؟ كيف سيتعافى الأطفال عندما تنتهي الحرب بشكل نهائي؟

من جانبها ، لقد كانت أستراليا مانحة سخية للمساعدات إلانسانية للأزمة لليمنيين وقد ساعد ما تقدمه من التمويل على البدء بالمهمة الهائلة المتمثلة في أعادة بناء نظام الرعاية الصحية حتى تتمكن النساء من إيصال أطفالهن إلى المرافق الصحية الملائمة والحصول على الرعاية الطبية الاساسية والأدوية.

كما استخدمت منظمة أنقذوا الأطفال الأموال المقدمة من التمويل الاسترالي لتنظيف المياه والغذاء لتزويد الأطفال والعائلات بها، وكذا للحد من انتشار مرض الكوليرا.

ومازال يساورني القلق من أن أستراليا ليس لديها الرغبة حتى الآن في الكشف عن تفاصيل صادراتها العسكرية لأطراف النزاع مثل السعودية ، التي اتُهمت بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ضد المدنيين ، بما ذلك الأطفال.

لقد ساعد التزويد بالأسلحة من بعض البلدان الغنية ، على تأجيج الحرب على مدى السنوات الأربع الماضية ، مما رفع مستوى الصراع إلى مستويات أكبر من الرعب بالنسبة للأطفال.

هذا ببساطة ليس جيداً ولا يكفي ، وأحث أستراليا على أن تضمن عدم تقويض تمويلها الإنساني بسبب إصدار تراخيص التصدير الدفاعية. يجب إعادة النظر في تلك التراخيص التي تمت الموافقة عليها بالفعل إلى المملكة السعودية وأطراف النزاع الأخرى.

لقد قامت دول أخرى بما فيها دول مثل بلجيكا والنرويج وألمانيا وهولندا بإيقاف أو تعليق تراخيص التصدير العسكرية للسعودية.

وعلى الرغم من حجم الدمار الذي لم أرى نظيرا له فإنني ما زلت متفائلاً.

في هذا الأسبوع فقط ، وصلت أول المساعدات الغذائية منذ ستة أشهر إلى منطقتي التحيتية والدريهمي في جنوب الحديدة – وتعتبر المنطقتين الخط الأمامي الرئيسي للصراع. وقد كان هذا ممكنا بسبب تهدئة القتال منذ بدء محادثات السلام في ديسمبر. وبينما لا يزال الوضع هشاً وغامضا إلا أنه في تحسن.

عندما أزور مجتمعات يقدم لها الدعم والمعونة من قبل الحكومة الأسترالية ، أحيي بتقدير لأن حكومتي ، وهي بلد يعتبر بعيد عن النزاعات ، ومثالي ، تقدم مساعدتها. إنه شيء يجب علينا جميعا أن نفخر به.

على الرغم من كونه مجرد تطور بسيط في الوقت الحالي ، الا أن محادثات السلام الأخيرة أدت إلى الشعور بالأمل بأن الصراع سينتهي قريبا مما يسمح للشعب اليمني بالبدء في إعادة أعمار بلدهم وبناء الإنسان اليمني من جديد. وستتبدل صرخات الأطفال إلى ضحك وابتسامة.

*    جيسون لي ، من مدينة سيدني ، هو نائب مدير منظمة  انقذوا الأطفال في اليمن.