السياسية:

اجتاحت الإمارات عاصفة رملية مصحوبة بأمطار غزيرة سبّبت فيضانات وأضراراً بشرية ومادية مع انخفاض في مستوى الرؤية ما جعل السلطات الإماراتية تطلق تحذيرات للسائقين بتجنّب القيادة إلا في الحالات الضرورية والطارئة.

هذه العواصف الترابية التي استمرت على مدى أيام عطلّت حركة الملاحة الجوية ليومين في مطار دبي الدولي، إذ تم إلغاء 44 رحلة جوية وتحويل 12 إلى المطارات الإماراتية المجاورة، غير أن الحركة الملاحية عادت إلى طبيعتها وبشكل اعتيادي صباح يوم الإثنين مع انحسار العاصفة بشكل جزئي.

وتناقل مغردون مشاهد تظهر كمية السيول وحجم الأضرار ومشاهد أخرى تظهر صعوبة القيادة في ظل انخفاض مستوى الرؤية.

هذه المشاهد لم تقتصر على الإمارات، بل شملت دولاً خليجية أخرى كالسعودية وسلطنة عمان والكويت وهي مشاهد باتت تتكرّر بكثرة في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج المعروفة بطقسها الحار في فصل الصيف.

محمد محمود مدير برنامج المناخ والماء في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أكّد، في مقابلة مع بي بي سي، أن ما رأيناه خلال أشهر الصيف القليلة الماضية في منطقة الخليج فيما يتعلق بزيادة نشاط العواصف الترابية والرعدية الشديدة التي أدت إلى فيضانات، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتغيّر المناخ.

وقال محمد محمود: “البيانات المناخية أشارت إلى أن تصاعد تغيّر وتيرة المناخ وزيادة الاحتباس الحراري، يؤدي إلى فترات جفاف أطول وعواصف ترابية بسبب جفاف الطبقة العليا للأرض، وبالتالي ينتقل الغبار عبر الرياح في جميع أنحاء المنطقة”.

وأضاف محمود: “عند هطول الأمطار ولو لفترات قليلة، فإنها تهطل بغزارة، وبسبب كمية المطر في تلك الفترة القصيرة تحدث الفيضانات”.

ويؤكد اختصاصيون في مجال تلوّث الهواء أن ذرات الغبار المتطايرة تتكوّن من معادن كالسيليكون والألمنيوم والتيتانيوم ومن أملاح متعددة كالصوديوم والكلوريد والبوتاسيوم إضافة إلى مواد كربونية عضوية وأخرى غير عضوية.

وفي هذا الصدد، شرح الدكتور منّاع الوادعي وهو أستاذ مساعد في علم الغلاف الجوي وتلوّث الهواء في جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في الدمام، أن هناك مصدرين رئيسيين لذرات الغبار المتطايرة: مصادر طبيعية كالصحاري وأملاح البحار أو المواد المتطايرة من النباتات وهناك مصادر من صنع الإنسان وهي الأخطر وتأتي من المصانع والسيارات وغيرها.

وأضاف الوادعي – في حديث إلى بي بي سي – أن بعض الدراسات اثبتت أن تأثير المصادر الطبيعية محدود على صحة الإنسان في حال العواصف الرملية لكنها قد تؤدي أحياناً كثيرة إلى أمراض الربو والأمراض الصدرية أو حتى إلى الوفاة في حال كانت العواصف الرملية كبيرة ومستمرة لأيام عدة.

وأضاف الوادعي: ” أما بالنسبة للمصادر التي مصدرها الإنسان فهي تحتوي على مواد كيميائية خطيرة تتراكم في جسم الإنسان ما يؤدي إلى أمراض القلب وأمراض الرئتين والأمراض السرطانية”.

ويشرح رئيس الجمعية الكويتية الفلكية عادل السعدون أسباب الظاهرة المناخية الأخيرة التي اجتاحت الإمارات وبلداناً خليجية أخرى في الأسابيع الماضية ويقول في لقاء مع بي بي سي : “حدث منخفض جوي عميق في الطبقات الجوية العليا واقترب من الأرض ولاسيما في مناطق جنوب الخليج العربي. هذا المنخفض بدأ في المحيط الهندي واتجه شمالاً إلى بحر العرب ومضيق هرمز وخليج عمان وبالتالي أثّر على عمان والإمارات وقطر والبحرين ومن ثم اتجه إلى إيران التي شهدت سيولاً وفيضانات أيضاً”.

وبحسب السعدون، فإن ما حصل أمر عادي لكن غير العادي برأيه، هو وصولها إلى قطر والبحرين إذ كانت في السابق تصل إلى الإمارات وعمان كحدّ أقصى.

ويعزي السعدون السبب وراء ذلك إلى ارتفاع حرارة الأرض في السنوات الثماني الأخيرة، ولا سيما في أشهر يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر، وهو ما يؤدي إلى تكاثر بخار المياه في البحار والمحيطات وتصاعده بكثرة ما يسبّب المنخفضات الجوية الكبيرة والتي تؤدي بدورها إلى عواصف رعدية ورملية، لافتاً إلى أن العواصف الرملية في منطقة الخليج تحصل بسبب ذرات الغبار الموجودة في الصحراء هناك.

وأشار السعدون إلى أن العلماء المختصون كانوا يتوقّعون حدوث ذلك لأن ارتفاع حرارة الأرض سيؤدي حتماً إلى الأعاصير والعواصف بأشكالها المختلفة.

سبب آخر يؤدي إلى حدوث الاحتباس الحراري – بحسب رئيس الجمعية الكويتية الفلكية عادل السعدون – هو سبب فلكي يتعلّق بدوران الأرض حول محورها وحول الشمس، إذ يقول لبي بي سي : “نحن الآن نعيش فيما يسمّى بعصر ما بين العصرين الجليديين، ستستمر حرارة الأرض بالارتفاع إلى أن ندخل بداية العصر الجليدي القادم بعد 1500 عام وحينها تتعدّل حرارة الأرض وتبدأ بالتراجع التدريجي”.

ويرى السعدون أن الاحتباس الحراري في حدوده المعقولة والمعتدلة ليس أمراً سيئاً على البشرية، فلولا الاحتباس الحراري لانخفضت حرارة الأرض إلى ما دون 30 درجة مئوية تحت الصفر، لافتاً إلى أن العالم يعيش حالياً بفضل نعمة الاحتباس الحراري، بحسب قوله.

ويتوقع علماء أن تزداد حدة هذه المنخفضات الجوية مستقبلاً في منطقة الخليج حيث درجات الحرارة المرتفعة في فصل الصيف وأن تتكرّر هذه المنخفضات بوتيرة أكبر لاسيما مع ازدياد الانبعاثات الغازية ومع الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري كالنفط والفحم والغاز.

المصدر: بي بي سي