عبد الباري عطوان
هل ستختفي اسرائيل خلال 25 عاما مثلما هدد قائد الجيش الايراني؟ ولماذا يتوقع نائب رئيس الحرس الثوري هزيمة سريعة لها لن تنقذها منها امريكا وبريطانيا؟ ومن سيكون الباديء بإشعال فتيل الحرب.. ومتى واين؟ اليكم ثلاثة سيناريوهات محتملة؟
التعبير الدارج هذه الايام على السنة القادة الايرانيين والاسرائيليين هو ان “الاصبع على الزناد”، حيث تتصاعد حدة التوقعات وتتسارع حول احتمال نشوب حرب وشيكة بين الجانبين، سواء محدودة على الاراضي السورية، او شاملة على اربع جبهات في لبنان وسورية وايران وفلسطين المحتلة.
العميد حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الايراني وجه تحذيرا هو الاخطر من نوعه حتى الآن الى الاسرائيليين عندما قال في خطبة القاها امس في صلاة الجمعة بمسجد طهران المركزي “لا تثقوا بقواعدكم وقدراتكم العسكرية، الصواريخ جاهزة للانطلاق، وفي اي لحظة تقدمون على اي هجوم ضدنا.. تعلمنا اسلوب الانتصار على الاعداء في اي مكان، واسرائيل دولة لا عمق ولا ارتكاز، فلا تعقدوا الآمال على امريكا وبريطانيا فلن يبقى لكم اثر عندما يصلون لانفاذكم”.
اما اللواء عبد الرحيم موسوي، قائد الجيش الايراني، فقد تنبأ بأن عمر اسرائيل المتبقي لا يزيد عن 25 عاما، اي ان زوالها سيتم في غضون هذه السنوات، وهذا اول تصريح يصدر عن مسؤول عسكري ايراني بهذه الرتبة العالية منذ ان هدد الرئيس السابق احمدي نجاد بإزالة اسرائيل عن الخريطة، وتعرض لانتقادات عديدة بسببه داخليا وخارجيا.
*
الموضوع المهيمن هذه الايام على برامج التلفزة وافتتاحيات الصحف الكبرى في اسرائيل، ليس حول احتمالات اندلاع الحرب، فهذا امر محسوم وهناك قناعة راسخة بأن الحرب حتمية، لكن النقاش يتركز حول مكانها وموعدها، ونتائجها ومن اين ستأتي الشرارة، او الغارة الاولى، التي ستشعل فتيلها.
الكاتب الامريكي توماس فريدمان راهن بأن الحرب القادمة ستكون ايرانية اسرائيلية، وجاء رهانه هذا اثناء زيارته لتل ابيب ولقاءاته مع كبار القادة العسكريين فيها، اما غادي ايزنكوف، رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي فأكد انها ستكون قبل نهاية هذا العام، اما صحيفة “التايمز” البريطانية قالت انها ستعيد رسم خريطة “الشرق الاوسط”.
افيغدور ليبرمان، وزير الامن الاسرائيلي، استشعر حالة القلق والرعب السائدة حاليا في فلسطين المحتلة، وسارع بالتحرك لطمأنة الرأي العام الاسرائيلي بعد تصريحات قائد الجيش الايراني، عندما قال، اي ليبرمان، ان جيشه جاهز للحرب على عدة جبهات، وحذر ايران بعدم اختباره.
السؤال الكبير المطروح هذه الايام هو حول كيفية اندلاع هذه الحرب، ومن هي الجهة التي ستقدم على الضربة الاولى: ايران ام اسرائيل؟
هناك عدة سيناريوهات محتملة في هذا المضمار حسب ما يمكن قراءته من بين سطور التهديدات والحوارات الدائرة في وسائل الاعلام الايرانية والاسرائيلية، ويشارك فيها مسؤولون عسكريون، حاليين كانوا او سابقين:
ـ السيناريو الاول: ان تقدم الطائرات الاسرائيلية على شن غارات صاروخية على احد المواقع العسكرية الايرانية في سورية، فيأتي الرد الايراني الانتقامي المزلزل، سواء من سورية او لبنان (حزب الله) كمرحلة اولى.
ـ السيناريو الثاني: ان يبدأ الجيش الاسرائيلي حربا شاملة على المواقع العسكرية الايرانية لتدميرها كليا لمنع اي تمركز ايراني شامل يصعب التصدي له، والقضاء عليه لاحقا، لان القيادة الاسرائيلية تملك اعتقادا راسخا بأن الضربات الصاروخية المحدودة على اهداف ايرانية مثل الهجوم الذي استهدف قاعدة “تيفور” الجوية لم تعد مجدية.
ـ السيناريو الثالث: ان تقدم ايران على عملية محدودة للانتقام لاستشهاد سبعة من قادتها العسكريين في الغارة الاسرائيلية الاخيرة على قاعدة “التيفور”، سواء بالهجوم على اهداف في العمق الاسرائيلي او في الخارج، او توعز لحزب الله بتنفيذ هذه المهمة.
من الصعب تفضيل احد السيناريوهات على الآخر، وما يمكن قوله ان من غير المتوقع حدوث ضربات عسكرية من اي من الجهتين، اي ايران واسرائيل، قبل 12 آيار (مايو) المقبل، موعد مراجعة الرئيس دونالد ترامب الدورية للاتفاق الايراني، حيث تؤكد جميع التسريبات انه سينسحب منه.
حديث العميد حسين سلامي، وفي خطبة الجمعة، الذي قال فيه ان الصواريخ جاهزة للانطلاق والاصبع على الزناد، وان الضربة لاسرائيل ستكون ساحقة، يذكرنا بالتهديدات التي اطلقها السيد حسن نصر الله زعيم “حزب الله” قبل اربعة اشهر، عندما نصح فيها الاسرائيليين بالهروب من فلسطين المحتلة مبكرا، لانه اذا اندلعت الحرب سيكونوا وقودها، ولن يكون لديهم الوقت للنجاة، فالعميد سلامي قال للاسرائيليين انه عندما تأتي امريكا وبريطانيا لنجدتهم ستكون اسرائيل انتهت.
*
التهديدات الايرانية التي ترجح احتمال حسم الحرب سريعا تنطوي على الكثير من المصداقية، فجميع الحروب التي خاضتها ايران او حلفاؤها واذرعتها العسكرية طوال العشرين عاما الماضية انتهت بالانتصار، سواء في سورية او لبنان او العراق، بينما لم تخض اسرائيل اي حرب في الفترة الزمنية نفسها الا وخسرتها، سواء في لبنان او قطاع غزة، واخيرا في سورية حيث جرى اسقاط طائرة لها ومعظم الصواريخ التي اطلقتها طائراتها على قاعدة “التيفور”.
سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، اعلن ان بلاده لم تعد ملتزمة اخلاقيا بتزويد سورية بصواريخ “اس 300” بعد العدوان الثلاثي، وهذا يعني ان استخدام هذه الصواريخ، او اعطاء الضوء الاخضر الروسي باستخدامها، لانها موجودة فعلا على الارض السورية، ربما يكون “المفاجأة” القادمة.
لا يخامرنا ادنى شك بأن الحرب قادمة، سواء كانت شرارتها استباقية اسرائيلية، او انتقامية ايرانية، والحرب الكلامية التي تزداد سخونة هذه الايام بين الطرفين، قد تكون المقدمة، فالوضع الحالي لا يمكن ان يستمر، واسرائيل تجد نفسها تختنق من جراء التفاف الاذرعة الايرانية العسكرية حول عنقها من كل الجهات، ومن غير المستبعد ان تقدم على “حماقة” لن تخرج منها الا شبه مدمرة، ان لم يكن مدمرة بالكامل.. وما علينا الا الانتظار، ولكن من موقع التفاؤل بالنتائج هذه المرة.. والله اعلم.
رأي اليوم