السياسية:

توجّه السودان إلى مجلس الأمن الدولي بطلب لعقد جلسة بشأن سد النهضة، فهل تنجح مصر والسودان في الحصول على قرار دولي يمنع إثيوبيا من مواصلة خططها لتنفيذ الملء الثاني دون اتفاق؟

الإعلان عن الخطوة السودانية يأتي في توقيت حرج بالنسبة لقضية السد الذي تعتبره مصر والسودان تهديداً وجودياً لهما، بينما تواصل أديس أبابا تشييد السد وتنفيذ الملء الثاني دون إبداء أي استعداد لتوقيع اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب.

إثيوبيا، من جانبها، تتذرع بإعلان المبادئ الذي كانت قد وقعته مع مصر والسودان في مارس/آذار 2015 وترى أنه يعطيها الحق في تشييد السد وتعبئته بالطريقة التي تناسبها. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد كامل من المفاوضات بين الدول الثلاث بهدف التوصل إلى حلول وسط متفق عليها، بات واضحاً أن أديس أبابا تستغل تلك المفاوضات لشراء مزيد من الوقت لإكمال عملية بناء السد وفرضه أمراً واقعاً.

ماذا تريد مصر والسودان من مجلس الأمن؟

وفي ظل اقتراب عملية الملء الثاني للسد، التي تنطلق مع موسم الأمطار في يوليو/تموز المقبل، وعدم إبداء إثيوبيا أية نية للتراجع رغم التهديدات التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً منذ أواخر مارس/آذار الماضي، يبدو أن القاهرة والخرطوم تسعيان إلى محاولة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يأملان أن يلزم إثيوبيا بعد اتخاذ مزيد من الخطوات الأحادية.

وأمس الثلاثاء 22 يونيو/حزيران قال بيان حكومي إن وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي طلبت من مجلس الأمن عقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث سد النهضة “وأثره على سلامة وأمن الملايين” من البشر.

وأضاف البيان أن وزيرة الخارجية السودانية حثت رئيس مجلس الأمن في رسالتها على دعوة إثيوبيا “للكف عن الملء الأحادي لسد النهضة الأمر الذي يفاقم النزاع ويشكل تهديداً للأمن والسلام الإقليمي والدولي”. ولم يرد المسؤولون الإثيوبيون بعد على رسائل رويترز طلباً للتعليق.

ويأتي هذا التحرك في إطار اتفاق السودان ومصر هذا الشهر على العمل معاً على جميع المستويات لدفع إثيوبيا إلى التفاوض “الجاد” على اتفاق، بعد الجمود المستمر في محادثات يرعاها الاتحاد الإفريقي. ودعت الدولتان المجتمع الدولي للتدخل.

جانب من وصول القوات المصرية إلى السودان

وفي اجتماع لجامعة الدول العربية في العاصمة القطرية الدوحة، دعت الدول العربية الشهر الجاري أيضاً مجلس الأمن إلى مناقشة النزاع وبحث خطط إثيوبيا للمضيّ قدماً في الملء الثاني للسد هذا الصيف دون إبرام اتفاق مع السودان ومصر.

وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان إن إثيوبيا ترفض قرار جامعة الدول العربية برمته. وقال مندوب جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة ماجد عبد الفتاح، مساء أمس الثلاثاء، إن السودان ومصر يعملان معاً على مشروع قرار بشأن سد النهضة يطرح على مجلس الأمن الدولي، إذا لم تتوصل إثيوبيا لاتفاق.

وقال تلفزيون صدى البلد المصري الخاص بأن الدول العربية ستدفع من أجل الموافقة على مشروع القرار، مضيفاً أنه لا يتوقع أن تستخدم القوى العالمية حق النقض لمنع صدور القرار، بحسب رويترز.

وسبق أن رفضت إثيوبيا دعوات من مصر والسودان لإشراك وسطاء من خارج الاتحاد الإفريقي. وكان السودان عبر في وقت سابق هذا الشهر عن استعداده لعقد اتفاق جزئي مؤقت بشأن السد، الذي يتكلف مليارات الدولارات، وفق شروط معينة.

مجلس الأمن.. مرة أخرى

هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها القاهرة والخرطوم إلى مجلس الأمن الدولي بشأن النزاع مع إثيوبيا حول سد النهضة، فقد قدمت مصر شكوى للمجلس في صيف العام الماضي بالفعل، وعقد المجلس جلسة ناقش خلالها الملف.

وسد النهضة هو سد كهرومائي عملاق تبنيه إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، الذي يمثل الرافد الرئيسي لمياه نهر النيل، وتقول أديس أبابا إنها تهدف من إنشائه إلى توفير الكهرباء والمساعدة في تنمية البلاد، وهو ما لا تمانع فيه دولتا المصبّ مصر والسودان، بحسب تصريحات مسؤولي البلدين، لكن القاهرة والخرطوم تخشيان من تأثير السد على حصتهما المائية من النيل، الذي يمثل، خصوصاً لمصر، شريان الحياة الرئيسي.

وفي يونيو/حزيران من العام الماضي عقد مجلس الأمن جلسة بشأن ملف سد النهضة، بناءً على شكوى قدمتها مصر، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصل فيها الملف إلى المجلس. ووقتها طلبت أديس أبابا من مجلس الأمن أن يعيد الملف إلى الاتحاد الإفريقي ليواصل متابعته على أساس أنها قضية إفريقية ووافقت مصر بالفعل، ليعود الملف إلى الاتحاد الإفريقي برئاسة جنوب إفريقيا وقتها. واستمرت المفاوضات حتى أعلنت إثيوبيا خلال إحدى جولاتها، في أكتوبر/تشرين الأول عن تنفيذ الملء الأول للسد بالفعل.

اللافت في قصة مجلس الأمن أن إثيوبيا أرسلت له خطابا في أبريل/نيسان الماضي دعت من خلاله أعضاء المجلس إلى “حث مصر والسودان على العودة إلى المفاوضات الثلاثية بشأن الملء الثاني والتشغيل السنوي لسد النهضة واحترام العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي”.

الخطاب الإثيوبي أشار إلى أن العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي “حظيت بالدعم الكامل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أساس مبادئ التكامل، وبروح إيجاد حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية”.

وأرجع كثير من المراقبين التحرك الإثيوبي هذا إلى رغبة أديس أبابا في تصوير الموقف كما لو أن دولتي المصب (مصر والسودان) هما من تعرقلان التوصل لاتفاق، في وقت كان الحديث عن الخيار العسكري قد اتخذ بُعداً جديداً بعد أن هدد السيسي أن “أي مساس بحصة مصر من مياه النيل سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار غير المسبوق في المنطقة كلها”.

هل يمثل الضغط الدولي مخرجاً لأزمة السد؟

من المبكر الآن الحديث عن رد فعل مجلس الأمن ومدى استجابته للطلب السوداني (والمصري أيضاً بطبيعة الحال) وعقد جلسة لمناقشة الملف، والأهم هنا متى يمكن أن تنعقد هكذا جلسة.

وعامل الوقت هنا يمثل عنصر الحسم، فهناك ما يشبه الإجماع بين الخبراء العسكريين أن توجيه ضربة للسد بعد إكمال الملء الثاني قد يمثل كارثة محققة لوجود كميات هائلة من المياه، وهو ما يعني أن نافذة التحرك بدأت تضيق، إن لم تكن قد أغلقت بالفعل.

والرسالة التي يصر الجانب السوداني والمصري على التأكيد عليها هي أن “التفاوض هو المسار الوحيد للتوصل إلى اتفاق”، وهو ما لا تعلن إثيوبيا رفضه بل وترحب به، رغم أنه قد بات واضحاً للجميع أن أديس أبابا لا تنوي التوقيع على أية اتفاقات، وهو ما أظهرته جولة مفاوضات واشنطن أواخر 2019 وبدايات 2020 حين تنصلت أديس أبابا من اتفاق كانت الأطراف -بما فيها إثيوبيا- قد توصلت إليه برعاية أمريكا والبنك الدولي.

ويرى بعض المراقبين أن طلب السودان ومصر عقد جلسة لمجلس الأمن في هذا التوقيت هدفها إصدار قرار رسمي من المجلس يلزم الجانب الإثيوبي بالتوقف عن اتخاذ مزيد من الخطوات الأحادية حتى يتم توقيع اتفاق بين الأطراف الثلاثة.

أما عن فرص النجاح في حصول القاهرة والخرطوم على قرار من هذا النوع فيرى فريق من المحللين أنها لا تبدو جيدة لسببين، الأول هو ضيق الوقت قبل بدء تنفيذ الملء الثاني بالفعل، والثاني هو صعوبة توافق الأعضاء الدائمين في المجلس (أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) على قرار يجمعهم معاً في ملف سد النهضة، وربما أي ملف آخر حالياً.

بينما يرى فريق آخر أن هناك فرصة بالفعل في أن يؤدي هذا التحرك من جانب مصر والسودان -مع وجود دعم عربي موحد- إلى عقد جلسة لمجلس الأمن وإصدار قرار يلبي رغبة دولتي المصب، فنهر النيل مجرى دولي في نهاية المطاف تحكمه القوانين الدولية. أما عن موقف الدول الكبرى فربما يمثل ملف السد فرصة لتهدئة الأوضاع فيما بينها، خصوصاً أن دولة مثل الصين تمتلك استثمارات ضخمة في المنطقة وليس من صالحها أن يتعرض الاستقرار للخطر.

وعلى كل الأحوال، يبدو التحرك السوداني-المصري الهادف لاستصدار قرار أممي بشأن السد متأخراً للغاية، أما إذا كان الأوان قد فات بالفعل، فيظل هذا سؤالاً مفتوحاً على كل الاحتمالات.

عربي بوست