السياسية:

قررت البحرية الأمريكية إدخال جيل جديد من 10 حاملات طائرات من طراز جيرالد فورد ليحل محل حاملات الطائرات الفائقة من طراز نيميتز تدريجياً على مدى العقود المقبلة. وسيكلف بناء كل حاملة جديدة 13 مليار دولار، ما يعني أن الولايات المتحدة ستنفق ما يقرب من 130 مليار دولار للحصول على أسطول من هذه الحاملات، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

التكلفة والصيانة وخروجها عن الخدمة لوقت طويل عند الصيانة

ويُشار إلى أن حاملات الطائرات النووية غاية في التعقيد وتشغيلها مكلف جداً. وتقول البحرية الأمريكية إنها بحاجة إلى 10 حاملات على أقل تقدير؛ لأن نصفها يخضع للصيانة في أي وقت؛ وبالتالي تكون غير متوفرة للعمل. وتستغرق الصيانة العادية لحاملة طائرات نووية من 3 إلى 6 أشهر. والإصلاحات الأشد تعقيداً قد تؤدي إلى خروج حاملات الطائرات من الخدمة لفترة أطول تمتد أحياناً لسنوات. وضربة واحدة من صاروخ كروز أو طوربيد، رغم أنه من المستبعد أن تُغرقها، ستؤدي إلى توقف الحاملة عن العمل لفترة طويلة ربما حتى لسنوات. وهذا من شأنه أن يلغي فائدتها في العتاد العسكري بحسب التقرير الأمريكي.

يصبح السؤال إذاً، ما فائدة حاملات الطائرات في صراع متكافئ في المستقبل؟ والجيش يطرح هذا السؤال أيضاً. إذ أوضح تدريب عسكري عام 2019 في كلية Marine Corps War College أن حاملات الطائرات، رغم فائدتها في مواجهة خصم ضعيف مثل كوريا الشمالية، لا بد من سحبها من ميدان القتال حين ينضم خصم أقوى إلى المعركة.

ولا تزال حاملات الطائرات بالطبع أدوات مفيدة للجيش وتؤدي دوراً مُضاعف القوة، لكن الطائرات الأرضية يمكنها أداء الوظيفة نفسها على الأرجح- رغم أن لذلك تحدياته- وكذلك السفن الأصغر والأقل تكلفة. ومبلغ الـ156 مليار دولار الذي ستنفقه الولايات المتحدة للحصول على أسطولها الجديد من الحاملات ليس في النهاية أكثر من استثمار مبدئي. وناقلات نيميتز تكلف 6.7 مليون دولار يومياً. ولم تظهر أي بيانات عن فئة فورد، لكن تكلفتها مماثلة على الأرجح.

“التوسع في بناء حاملات الطائرات سيجلب المزيد من الخسائر لأمريكا”

أشار الرئيس أيزنهاور عام 1953 إلى أن “كل سلاح يُصنع، وكل سفينة حربية تُطلق، وكل صاروخ يُضرب يعني، في الأخير، سرقة جائعين لم يُطعموا، ومرتجفين برداً لم يُكسوا”. والولايات المتحدة تواجه عدداً من من المشكلات المحلية الطارئة، والتكنولوجيا الجديدة تتطور كل يوم بدرجة ستصبح معها حاملات الطائرات أقل ملاءمة للدور المنتظر منها، وليس أكثر. وهذا لا يعني أننا يجب أن نتخلص منها بالكامل، ولكن ربما ينبغي تقليص أعدادها وملء مكانها بسفن أصغر وأقل تكلفة. على أن الولايات المتحدة تتخذ من قلقها من الصين وتوسعها في بناء الحاملات مبرراً للاستمرار في الاستثمار في هذه السفن النووية. وستزداد هذه المخاوف مع توسع الصين في أسطول حاملات طائراتها.

وهذه الحالة ليست فريدة من نوعها. ففي القرن الماضي، دخلت الإمبراطوريتان البريطانية والألمانية سباق تسلح بحرياً؛ حيث حاولت كل منهما التفوق على الأخرى في عدد البوارج الثقيلة، المسماة Dreadnoughts، التي تمتلكانها. وكانت كلتاهما على يقين من أن هذه السفن الحربية الضخمة باهظة الثمن والمعقدة ستكون حاسمة في أي صراع مستقبلي. لكنها لم تكن كذلك.

وباستثناء صدام واحد غير حاسم في جوتلاند، ظلت بوارج Dreadnoughts متوقفة في الميناء خلال الجزء الأكبر من الحرب العالمية الأولى. وفي اللغة البحرية، يشار إلى هذا الوضع بـ”الأسطول في الوجود”. أي أنه أسطول يؤدي في الأساس دور الرادع، لكنه لا يشارك في العمليات. وتبين أن السلاح الرئيسي في الحرب البحرية بين بريطانيا وألمانيا كان الغواصات والمدمرات. وهي وحدات أصغر وأرخص سعراً يمكن استبدالها بسرعة، لكنها قادرة على إحداث أضرار كبيرة ومن العتاد الاستراتيجي المفيد. وفي نهاية المطاف، أُغرق أسطول أعالي البحار الذي أنفق الألمان عليه قدراً هائلاً من الموارد في سكابا فلو.

أمريكا والصين وقيود الأسلحة التقليدية 

ويجدر بالولايات المتحدة أن تلزم جانب الحذر حتى لا تقع في الفخ نفسه، وألا تمتنع عن تعديل مفاهيم العمليات لتتناسب مع التهديدات الناشئة حديثاً. على أنه توجد ميزة مباشرة واحدة بإمكان الولايات المتحدة اكتسابها من خفض عدد حاملات طائراتها. وهي أنه بإمكانها التفاوض مع الصين حتى تتوصلا إلى اتفاق تحدّان بموجبه من أعداد حاملات الطائرات التي يمتلكها كل جانب بل تتفقان على تعريف يحدد هذه الحاملات. وهذه الاتفاقات التي تهدف للحد من الأسلحة البحرية قد وُضعت سابقاً في فترة ما بين الحربين وكانت بمثابة إطار لقيود الأسلحة في المستقبل. وأصبحت قيود الأسلحة التقليدية في غياهب النسيان؛ لأن الأمريكيين والسوفييت كانوا متفاوتين في القدرة البحرية بدرجة تصبح معها هذه المعاهدات غير ذات فائدة.

ولكن، في حالتنا هذه، من شأن مثل هذه الاتفاقية أن تخدم المصالح الأمريكية والصينية. فإذا كانت الولايات المتحدة ستعرض الحد من عدد حاملات طائراتها، فيمكنها أن تطلب من الصين أن تقصر أعداد حاملاتها على العدد نفسه على الصعيد العالمي أو في المحيط الهادئ. ومن الضروري بالطبع أن يُسمح للصين باستبدال ناقلاتها التقليدية الحالية وإدخال أخرى نووية في وقت لاحق، لكن هذا سيكون مقبولاً طالما ظل العدد الإجمالي كما هو.

والاتفاق على فرض قيود على أعداد حاملات الطائرات سيطلق سباقاً لبناء حاملات طائرات مكلفة في المستقبل، وسيمكّن الطرفين من خفض تكلفتها المالية. وبموافقة الولايات المتحدة على السماح للصين بالحصول على عدد معين من السفن مساوٍ للعدد الذي تملكه، فستهدئ غرور الصين باعترافها ضمنياً بأنها ند لها. وقد تتاح للصين بدورها الفرصة لإظهار أنها طرف دولي مسؤول من خلال الحد من توسعها العسكري. وقد يفتح مثل هذا الاتفاق أيضاً بوابة لمشاركة أعمق تشتد الحاجة إليها بين البلدين على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف.

لقد أقامت الولايات المتحدة بين عامي 1946 و1991 منظومة لمعاهدات الحد من التسلح ومعايير للسلوك حمت العالم من الانزلاق مرة أخرى إلى الحرب. وبناء منظومة مماثلة لتهدئة التوترات في المحيط الهادئ وضمان عدم تحول المنطقة إلى معسكر مسلح لا بد أن يكون محورياً في السياسة الأمريكية الخارجية. وقد ترفض الصين المشاركة في أي شيء من هذا القبيل، لكن هذا أيضاً في مصلحة الولايات المتحدة؛ لأنه يعزز فكرة أن الصين تسعى إلى العسكرة فيما تعمل الولايات المتحدة من أجل التعايش المستدام. ومن مصلحة الولايات المتحدة استثمار مواردها في الداخل أو في أسلحة فعالة من حيث التكلفة، وليس في سفن حروب الماضي. وإذا كان لفرض القيود على هذه الأسلحة أن يخدم نصراً دبلوماسياً، فهذا أفضل بكثير.

عربي بوست