السياسية:

أعلنت مصر والسودان، امس ، المشاركة في جولة جديدة من مفاوضات “سد النهضة” تستضيفها الكونغو الديمقراطية، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، وذلك يومي السبت والأحد المقبلين.

حيث قالت وزارة الخارجية المصرية إن وزيرها سامح شكري توجه إلى العاصمة الكونغولية كينشاسا، للمشاركة في جولة من المفاوضات حول “سد النهضة”، منوهة إلى أن تلك المشاركة تأتي بناءً على دعوة من الكونغو الديمقراطية.

الخارجية المصرية أشارت، في بيان، إلى أن المباحثات ستُجرى بمشاركة وزراء الخارجية والري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، مجددةً تأكيدها موقفها الداعي إلى إطلاق “عملية تفاوضية جادة وفعالة، تسفر عن التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث”.

وساطة دولية رباعية

كما ذكرت وكالة أنباء السودان “سونا”، أن وزيري الخارجية مريم الصادق، والري والموارد المائية ياسر عباس، سيتوجهان إلى كينشاسا، السبت، للمشاركة في مباحثات حول “سد النهضة”، لافتة إلى أن وفد بلادها يشارك في “المباحثات لتحديد منهجية التفاوض ومساراته، والاتفاق عليها، لضمان إجراء مفاوضات بناءة تتجاوز الجمود الذي لازمها خلال الأشهر الماضية”.

فيما أوضحت الوكالة السودانية، أن وفد الخرطوم سيبحث المقترح الخاص بضرورة الاستعانة بوساطة دولية رباعية تضم الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وتعمل تحت قيادة الاتحاد الإفريقي؛ لمساعدة الأطراف الثلاثة على التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يخاطب مصالح  كل الأطراف.

أما في أديس أبابا، فقد أكد وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، الجمعة، تمسُّك بلاده بـ”الاستفادة من مشروع سد النهضة، مع الالتزام بعدم إلحاق أي ضرر بمصر والسودان”، مشدّداً على أن “استكمال بناء السد يمثل أولوية قصوى لبلاده؛ لما له من أهمية تاريخية واقتصادية”.

عملية الملء الثاني لـ”سد النهضة”

في السياق ذاته، أشارت رئيسة إثيوبيا، سهلى ورق زودي، إلى أن بلادها تستعد لعملية الملء الثاني لـ”سد النهضة”، الذي قالت إنه يمثل حجر الأساس للتغلب على الفقر وتحويل حياة المواطنين للأفضل.

جاء ذلك في كلمة لها بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء بناء سد النهضة الإثيوبي الذي يوافق 2 أبريل 2011.

ونوهت رئيسة إثيوبيا إلى أنهم حققوا الجولة الأولى من ملء سد النهضة، بعد “التغلب على التحديات والضغوطات، لكن إثيوبيا مصممة على استكمال بناء السد الذي يتطلع إليه جميع الإثيوبيين ويمثل ركائز مساعي الدولة التنموية”، مشدِّدة على أن نهر النيل وروافده تمثل إمكانات هائلة للإصلاح الاقتصادي المستمر للشعب الإثيوبي.

بدوره، أكد السفير الإثيوبي لدى مصر، ماركوس تيكلي، التزام بلاده بحل الخلافات حول أزمة السد من خلال الحوار، مؤكداً أنه ما لم يتم التوافق على الحوار، فسيكون من الصعب الوصول إلى اتفاق يُريح الجميع، مشيراً إلى أن هناك فرصاً “هائلة” بين مصر وإثيوبيا لتعزيز التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.

استئناف المفاوضات من جديد

كان وزير الري الإثيوبي، سيلشي بيكيلي، قد أعلن، الخميس 1 أبريل/نيسان 2021، أن المباحثات بشأن سد النهضة ستُستأنف خلال أيام من جديد، برعاية رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي.

حيث قال بيكيلي، في بيان نُشر على “تويتر”، إن خبراء ومراقبين من الدول الثلاث (إثيوبيا ومصر والسودان) من المتوقع أن يحضروا المباحثات، مشيراً إلى أن النيل “مورد مائي عابر للحدود”، مؤكداً أن استخدام بلاده لحوض النيل مبنيّ على أساس “الاستخدام العادل والمعقول، الذي لا يسبب أي ضرر ملحوظ”.

فيما نقلت هيئة البث الإثيوبية الرسمية (فانا) عن بيكيلي، تهنئته لجميع الإثيوبيين بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء إنشاء السد، قائلاً: “تحية لكل الإثيوبيين وذكرى سنوية سعيدة للعام العاشر لبدء بناء سد النهضة: اكتمل سدُّكم الآن بنسبة 79%”.

الاتحاد الإفريقي يدعو إلى إنجاح وساطته

كان الاتحاد الإفريقي قد دعا، الخميس الفائت ، إلى تزويده بالقدرات الفنية والسياسية والقانونية اللازمة لإنجاح دوره في الوساطة بقضية “سد النهضة”.

جاء ذلك خلال اجتماع بين رئيس مجلس السلم والأمن والاتحاد الإفريقي محمد إدريس فرح، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، في الخرطوم.

إذ نقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن فرح، قوله إن اللقاء أكد “ضرورة تزويد الاتحاد الإفريقي بالقدرات الفنية والسياسية والقانونية اللازمة لإنجاح دوره في الوساطة بقضية سد النهضة”.

بدوره قال البرهان، إن “السودان حريص على ضرورة إيجاد الحلول لكافة قضايا القارة الإفريقية من خلال جهود الأفارقة أنفسهم”.

تجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا تصر على أن يقود الاتحاد الإفريقي منفرداً مفاوضات السد، ورفضت في 9 مارس/آذار الماضي، مقترحاً سودانياً أيدته مصر، يقضي بتشكيل وساطة رباعية دولية، تضم الاتحادين الإفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة؛ لحلحلة المفاوضات المتعثرة.

دول عربية تعلن دعمها مساعي إنهاء الأزمة

يُذكر أن 4 دول عربية أعلنت، الأربعاء 31 مارس/آذار 2021، دعم المساعي الرامية إلى إنهاء أزمة السد، واستمرار الحوار بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا؛ لتجاوز الخلافات وتعثر المفاوضات.

جاء ذلك في بيانات منفصلة للكويت والإمارات والأردن وليبيا، غداة تحذير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من رد فعل يهدد استقرار المنطقة، في حال المساس بمياه مصر.

كما أن السعودية والبحرين وسلطنة عمان أعلنت، في بيانات منفصلة، الثلاثاء 30 مارس/آذار 2021، دعم موقف مصر والسودان في ملف سد النهضة.

فيما دعت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان، الثلاثاء، إلى مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل وعادل يحفظ حقوق ومصالح مصر والسودان وإثيوبيا، مشدّدة على ضرورة الحفاظ على الأمن المائي لكل من القاهرة والخرطوم.

في السياق ذاته، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان دونالد بوث، الأربعاء 31 مارس/آذار 2021، إن بلاده يمكن أن تقدم الدعم الفني اللازم لملف “سد النهضة”، للخروج من الأزمة بمواقف مُرضية لجميع الأطراف.

تهديدات السيسي

كان السيسي قد صرّح، الثلاثاء 30 مارس/آذار 2021، بأن استقرار المنطقة بأَسرها سيتأثر بردّ فعل مصر في حالة المساس بإمداداتها من المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي.

فقد حملت تصريحات الرئيس المصري في طياتها أقوى لهجة تهديد لإثيوبيا منذ نشوب أزمة سد النهضة قبل عقد.

إذ قال السيسي، رداً على سؤال بشأن وجود أي خطر على مصر: “أنا مبهددش حد، وعمرنا ما هددنا، وحوارنا رشيد جداً”، مضيفاً: “محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر واللي عاوز يجرّب يقرب.. إحنا ما بنهددش حد، وإلا هيبقى فيه حالة عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد.. ولا يتصور أحد إنه بعيد عن قدرتنا.. المساس بمياه مصر خط أحمر وسيؤثر على استقرار المنطقة بشكل كامل”.

بينما قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الأسبوع الماضي، إن بلاده “ليست لديها أي رغبة على الإطلاق، في التسبب بضرر لا لمصر ولا للسودان. لكننا لا نريد أيضاً أن لا نعيش في ظلام”.

من المتوقع أن تبدأ المرحلة الثانية لملء السد للعام الثاني، بعد بدء الأمطار الموسمية هذا الصيف، وتحديداً خلال شهر يوليو/تموز المقبل.

فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات

يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول “سد النهضة”، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى “طريق مسدود”.

حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات “ذات جدوى” في ملف سد النهضة، ملوحاً بأن الخرطوم لديها “خيارات” أخرى.

بدوره قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إنه لا يمكنهم الاستمرار في “هذه الحلقة المفرغة من المباحثات بشأن سد النهضة إلى ما لا نهاية”، مشدداً على أن “المفاوضات انتهت إلى الفشل”.

كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.

لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.

عربي بوست