السياسية :

يعتبر خُلد الماء بَطِّي المنقار (Duck-billed platypus) أغرب الثدييات الموجودة على الأرض، إذ يملك هذا الحيوان مجموعة من الخصائص الغريبة، فهو يضع البيض كالطيور بدلا من أن يلد، ويَدُرُّ الحليب كالثديات ولكن من خلال جلده. كما أن له منقارا كالبط، وفراء فلوريا، وذيلا كالقُنْدُس، وشوكتين سامتين على قدمي الذَكَر الخلفيتين، و10 كروموسومات جنسية.

ينتمي خلد الماء إلى رتبة الكظاميات أو الحيوانات أحادية المسلك (Monotremata)، والتي كانت موجودة قبل ملايين السنين، وحتى قبل ظهور أي حيوان ثديي معروف حاليا. غير أن هذه الخصائص الغريبة جعلت هذا الحيوان -الذي يستوطن السواحل الشرقية لأستراليا- موضع اهتمام للعلماء منذ اكتشافه في أواخر القرن الـ18.

خريطة جينية كاملة

وحديثا، أجرى فريق من العلماء في جامعة كوبنهاغن بالدانمارك (University of Copenhagen) مسحا جينيا موسعا لهذا الحيوان العجيب، أملا منهم في معرفة سر سماته الغريبة، إذ تمكن العلماء في هذه الدراسة الحديثة التي نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) في 6 يناير/كانون الثاني الجاري من رسم الخريطة الجينية الكاملة لخلد الماء.

ووفقا للبيان الرسمي الذي صدر عن جامعة كوبنهاغن تعقيبا على الدراسة، صرح جوجي تشان أستاذ الأحياء التطورية وكبير باحثي الدراسة بأن “الخريطة الجينية الكاملة لخلد الماء قدمت أجوبة عن الكيفية التي اكتسب بها خلد الماء بعض هذه السمات الغريبة”.

ويضيف “بالطبع، تعتبر معرفة الشيفرة الجينية لخلد الماء أمرا مهما، ذلك لأنها فسرت السبب وراء كوننا نحن والثدييات الأخرى كائنات تلد صغارها بدلا من أن تضع البيض”

يبيض ويرضع صغاره

تنقسم الثدييات إلى 3 رتب رئيسة، الثدييات أحادية المسلك ذات المسار الواحد للتبول والتغوط والتكاثر الجنسي، والجرابيات (Marsupials)، والمشيميات أو الثدييات الحقيقية (Placentals) التي ننتمي إليها نحن البشر. وتندرج المجموعتان الأخيرتان تحت طائفة الوحشيات الأولية التي تلد صغارها.

غير أن الثدييات أحادية المسلك -والتي ينتمي إليها خلد الماء- تختلف عن كلتا المجموعتين، فخلد الماء يعتبر مزيجا من الثدييات والطيور والزواحف من الناحية الجينية، ذلك لأنه “قد احتفظ بالعديد من سمات أسلافه الأصيلة، والتي ربما كانت السبب في قدرته على التأقلم مع البيئة التي يعيش بها، كما يردف تشان.

وعلى الرغم من أن خلد الماء يبيض، فإنه يحتوي على غدد ثديية تَدُرُّ الحليب كتَعَرُّق آت عبر الجلد وذلك لإطعام صغاره. ولا يعرف العلماء على وجه الدقة متى بدأت تلك الرتب الثديية الثلاث في التمايز عن بعضها. فبينما يرى بعضهم أن أحاديات المسلك كانت أولها في التمايز، يرى آخرون أن المجموعات الثلاث قد تباعدت في الوقت نفسه تقريبا.

جينات مكتسبة وأخرى مفقودة

ومن المعروف أن الدجاج يحتوي على جينات الفيتللوجينين (Vitellogenin) الثلاثة المهمة لإنتاج صفار البيض (المُحّ)، وهي الجينات ذاتها التي يفتقدها البشر. وقد أظهرت الدراسة أن خلد الماء لا يزال يحتوي على أحد هذه الجينات ولذا فإنه يضع البيض بفضل هذا الجين، غير أنه فقد الجينين الآخرين منذ ما يقرب من 130 مليون عام.

وبينما استبدلت جميع الثدييات بجينات الفيتللوجينين جينات الكازين (Casein) المسؤولة عن إنتاج بروتين الكازين، مُكوِّن الحليب الرئيس، امتلك خلد الماء جينات الكازين أيضا، ولذا فإن غدده تفرز الحليب مثلما تفعل الثدييات الأخرى.

وعلى عكس الغالبية العظمى من الثدييات، فإن لخلد الماء صفيحتين منقاريتين بلا أسنان يستخدمهما في مضغ الطعام، وهي سمة مميزة أخرى. وأظهرت الدراسة أن خلد الماء فقد أسنانه منذ ما يقرب من 120 مليون سنة، وذلك عندما اختفت 4 من الجينات الثمانية المسؤولة عن نمو الأسنان.

وبينما يمتلك البشر اثنين من الصبغِيَّات المسؤولة عن تحديد الجنس، وهما الصبغِي “إكس” (X) و”واي” (Y)، إذ يجتمع الصَبغَان “إكس” في الأنثى (XX)، بينما يمتلك الذكر صبْغَي “إكس وواي” (XY). فإن خلد الماء لديه 10 كروموسومات جنسية، 5 من الصبغي “إكس” و5 للصبغي “واي”، وهو بذلك الحيوان الوحيد الذي يحتوي على 10 صبغيات جنسية.

وبمقارنة الصبغيات الجنسية لخلد الماء بجينات البشر والسحالي وحيوان شيطان تسمانيا والفأر الجرابي، وجد العلماء أن صبغياته الجنسية قريبة الصلة بالطيور عنها بالبشر.