أوليفيا بيتر

سنة جديدة… بداية جديدة. عبارة نسمعها بكثرة خلال شهر يناير (كانون الثاني)، حيث يسعى ملايين الأشخاص إلى تغيير حياتهم بشكل جذري في بداية الشهر، ليجدوا أنفسهم يتراجعون عن خططهم الطموحة بعد بضعة أسابيع فقط.

وفقاً لشركة “يوغوف” (YouGov) المختصة في أبحاث السوق، يلتزم ربع البريطانيين فقط (24 في المئة) بالقرارات التي حددوها لأنفسهم في العام الجديد. يعود ذلك لأسباب مختلفة، إلا أن السبب الرئيس ببساطة هو أن الناس يبالغون في طموحهم. ومع ذلك، يكرر الناس في المملكة المتحدة كل سنة القرارات الأكثر رواجاً التي تصاحب العام الجديد.

وللعام الثاني على التوالي، هيمن موضوع التحسينات الصحية على قرارات الأشخاص، حيث احتل “تحسين اللياقة البدنية” المرتبة الأولى، بينما جاء “الوصول إلى وزن أفضل” و”تحسين النظام الغذائي” في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي.

ثم يأتي دور التعهدات شديدة الحماس مثل “توفير المزيد من المال” و”السعي لتحقيق الطموح المهني” و”الإقلال من شرب الكحول”. بالطبع، كل هذه الأمور أهداف نبيلة، لكنها غير واضحة. وبالنظر إلى الكم الهائل من الحملات الإعلانية التي تنهال علينا للترويج لمثل هذه الرسائل في بداية كل عام، فإن هذه الأهداف فقدت معناها إلى حد ما، مما يجعل تحقيقها أصعب من تحقيق أهداف أكثر تحديداً.

يعد هذا أحد الأسباب التي تدفع خبراء التنمية الذاتية إلى النصح بعدم وضع خطط رئيسة للعام الجديد، والتركيز بدلاً من ذلك على قرارات أبسط وأكثر تحديداً يكون احتمال تحقيقها أكبر. ولكوننا نعيش الوباء حالياً، وبالتالي نمضي جميعاً وقتاً أطول في المنزل، لا يعني بالضرورة أننا نتمتع بقدرة أكبر على خوض تحديات جديدة. في الواقع، ربما تكون قدرتنا أقل.

يقول كيفن شيبرز، اختصاصي التنمية الذاتية “قد يشعر البعض بالذنب لأنهم لم يستفيدوا من وقتهم خلال الإغلاق مثلما فعل آخرون وتعلموا لغة جديدة أو حسنوا لياقتهم البدنية… بعد العام الذي عشناه، قد يكون تحديد الأهداف صعباً بالنسبة لأي شخص، لكن الأوان لم يفت بعد للبدء بشيء جديد”.

يصف شيبرز نهجه للوفاء بقرارات العام الجديد باختصار: القيام بالحد الأدنى من الإجراءات لتحقيق التأثيرات المرغوبة.

ويشرح قائلاً “هذا النهج قد يجعل الوصول إلى تلك الأهداف أسهل… يجب على الناس أن يكونوا واقعيين عندما يلتزمون بأشياء جديدة لأنه ليس بالأمر الهين. من السهل أن يعتقد الناس أنهم قادرون على الجري قبل تمكنهم من المشي، وبالتالي فإن اتخاذ خطوات صغيرة فعالة في البداية هو أفضل طريقة لرؤية التغييرات التي تريدها على المدى الطويل”.

إذن ما التغييرات الصغيرة التي يمكنكم اتخاذها في عام 2021؟ إليكم اقتراحاتنا.

التخلص من الفوضى

لا تستخفوا بالفوائد العقلية للعيش في مكان نظيف ومنظم، كما تقول ليزي غرانت، من موقع “ديكلاتر أون ديماند” للتنظيم والتي تقدم نفسها كمحترفة في ميدان التنظيم. يعتبر التخلص من الفوضى من قرارات العام الجديد الرائعة، لأسباب ليس أقلها أنه بحلول شهر يناير، سيقوم معظم الناس بإزالة زينة أعياد الميلاد من منازلهم.

وتضيف غرانت “تعتبر خزانة الملابس نقطة بداية جيدة بالنسبة لكثيرين، حيث يكون من الأسهل أحياناً إخراج القطع للتخلص منها سواء لأنها ضيقة أو قديمة جداً… تأكدوا من فرز الثياب إلى مجموعات ووضعها في أكياس على الفور. أنشئوا مجموعة للملابس التي “ستحتفظون بها”، وأخرى لـ”التبرع” (أو البيع) ومجموعة للملابس التي سيعاد تدويرها تشمل القطع القديمة. التزموا بهذا الترتيب حتى لا تقعوا مع الوقت في فخ إعادة التفكير أو التردد”.

توضح غرانت أنه يمكن تطبيق أسلوب التنظيم هذا أيضاً في أرجاء المنزل كافة، وتقترح الانتقال إلى المطبخ وغرفة المعيشة بعد ذلك. قائلة “أفرغوا خزائن مطبخكم من الأطعمة والتوابل منتهية الصلاحية… إذا كان لديك طعام غير منتهي الصلاحية لكنكم تعلمون أنكم لن تأكلوه أبداً، فتبرعوا به إلى أحد بنوك الطعام”.

أما بالنسبة لغرفة المعيشة- وهي منطقة من المهم ترتيبها نظراً للوقت الذي ستقضونه فيها أثناء الإغلاق- فابدأ بتنظيم “درج الأشياء الزائدة”. تقول غرانت “لنتكلم بصراحة، كل شخص يمتلك مثل هذا الدرج، حيث نرمي فيه الأشياء التي ليس لها مكان محدد في المنزل. حاولوا إخراج كل محتوياته والتخلص من الأشياء التي لم تعد نافعة من أجل تحديد “درج مفيد” بدلاً من ذلك”.

تأنقوا (لا تمضوا طوال الوقت بملابس المنزل)

صحيح أننا قضينا معظم سنة 2020 مرتدين أبسط ملابسنا وأكثرها راحة، لكن الآن مع حلول العام الجديد، حان الوقت للالتزام بارتداء الملابس على أكمل وجه. يقول علماء النفس، إن ارتداء الثياب كما لو أننا كنا ذاهبين إلى المكتب في يوم نعمل خلاله من المنزل يمكن أن يرفع الإنتاجية، لكن قد تكون له فوائد كبيرة على الصحة العقلية كذلك.

تشير كيلي فيهان، مديرة الخدمات في جمعية كابا “CABA” الخيرية للرفاهية، إلى أن الالتزام بروتين معين قد يكون مفيداً للغاية مع دخول المملكة المتحدة حالة الإغلاق للمرة الثالثة. وتقول “الروتين ضروري، لكن فترة أعياد الميلاد هي أسهل وقت لنسيانه… مع دخولنا شهر يناير، سيكون الجو بارداً ويحل الظلام باكراً، لكن من دون أن يكون أمامنا مناسبة نتطلع إليها مثل عيد الميلاد. وبالتالي، فإن العودة إلى ذلك الروتين الذي مكننا من الصمود خلال الأشهر القليلة الأولى من الإغلاق في مارس (آذار) 2020 سيساعدنا على الاستمرار في هذه الفترة”.

وهل هناك طريقة لاتباع روتين معين أفضل من تبديل ملابسكم كل صباح؟ كما أن إشيتا كابرا ديفيس، من موقع “باي روتيشن” لتأجير الملابس تشجع على التأنق للمناسبات الخاصة أيضاً، حتى لو كنتم في حالة الإغلاق. قائلة “يمكن أن يكون لارتداء الثياب التي تجعلكم تشعرون بالرضا تأثير كبير على يومكم، خاصةً في الوقت الذي يعمل جميعنا من  المنازل… إحدى الوسائل التي يمكنكم اتباعها لتحسين مزاجكم في المنزل هي ارتداء ملابس بألوان مشرقة، والتي ثبت علمياً أنها تزيد نسبة السعادة، وتعرف أيضاً بالثياب التي ترفع هرمون السعادة (دوبامين)”.

سواء كنتم تقيمون حفلة ليلة الجمعة في غرفة المعيشة في منزلكم أو تمضون أمسية رومانسية مع شريك حياتكم، فلا يوجد سبب يمنعكم من التأنق داخل البيت.

اقضوا ساعة واحدة على الأقل كل يوم بعيداً عن هواتفكم

في مثل هذا الوقت من السنة، يروج كثيرون لفوائد التخلص من السموم الرقمية. لكن ليس من السهل دائماً أن تتخلوا بالكامل عن التكنولوجيا لعدة أيام دفعة واحدة، خاصةً عندما يزاول معظم الناس مهنهم من المنزل.

إذا أبقينا هذا في الاعتبار، يمكنكم أن تفكروا في محاولة قضاء ساعة واحدة على الأقل يومياً بعيداً عن هواتفكم. يقول شيبرز: “هذا مفيد بشكل خاص لتحسين الإنتاجية وتخفيض القلق… حاولوا إيقاف تفعيل الإشعارات أثناء فترة العمل أو وضع قيود على استعمال الهاتف لفترة قصيرة من الوقت كل يوم”.

بينما تقول غرانت، إن فوائد هذه العادة قد لا تقتصر على الناحية النفسية فحسب، بل قد تكون لها فوائد جسدية جمة أيضاً. مضيفة “تشمل التأثيرات الجسدية للاستخدام الكثيف للتكنولوجيا إجهاد العين من التحديق في الشاشات وآلام الظهر نتيجة الانحناء أمام الكمبيوتر أو الهاتف”.

إذا كنتم ترغبون في القيام بخطوة صغيرة أخرى في طريق التخلص من السموم الرقمية، فحاولوا أيضاً تخفيض استخدام التطبيقات، بحسب اقتراح غرانت. وتتابع “انسحبوا من الدردشات الجماعية على تطبيق واتساب، أو اضبطوا التنبيهات على الوضع الصامت لفترة من الوقت كي تطلعوا عليها عندما يكون الوقت مناسباً لكم بدلاً من تفقدها بمجرد وصول رسالة من شخص ما… حاولوا نقل التطبيقات إلى مجلدات على هواتفكم كي تكون عملية الوصول إلى التطبيق أصعب بقليل-  قد تكسر هذه الخطوة الإضافية عادة تفقد التطبيقات باستمرار. يمكنكم أيضاً حذف التطبيقات بحد ذاتها وبالتالي ستحتاجون إلى وقت أطول لتفقد شيء ما، الأمر الذي يجعلكم تتساءلون عما إذا كنتم بالفعل بحاجة إلى التطبيق أساساً”.

بإمكانكم أيضاً محاولة تحديد مدة زمنية معينة لبعض التطبيقات بحيث لا تستخدمونها لأكثر من ساعة في اليوم. وتضيف غرانت “كذلك، ابقوا هواتفكم وكل الأجهزة الكهربائية الأخرى بعيدة عن غرفة النوم كي تنعموا بنوم هادئ ليلاً… ارجعوا إلى استخدام المنبه التقليدي إذا كنتم ممن يستخدمون الهاتف عادة للاستيقاظ، لأن هذا سيساعد في تقليل إغراء تفقد الهاتف”.

خذوا استراحة غداء كل يوم

طريقة أخرى للمساعدة في تعزيز الروتين اليومي يقترحها فيهان تتمثل في ضرورة أخذ استراحة غداء لمدة ساعة يومياً.

وجدت الدراسات أن أكثر من ثلث العاملين البريطانيين لا يغادرون مكاتبهم خلال استراحة الغداء، مع أن أخذ قسط من الراحة قد ثبتت فوائدها فيما يتعلق بالإنتاجية والصحة العقلية.

يقترح شيبرز تقسيم المدة على مدار اليوم إذا كان أخذ ساعة كاملة لا يتناسب وجدول يومكم.

ويقول “افرضوا على أنفسكم أخذ فترات راحة قصيرة على مدار يوم العمل بدلاً من استراحة واحدة طويلة لتناول طعام الغداء”.

تعلموا أن تقولوا كلمة “لا”

إنه من أسهل الأشياء التي يمكنكم فعلها: أن تقولوا “لا”. تشرح فيهان كيف أن قول “لا” للأشخاص الذين يطلبون منكم وضع خطط أو الالتزام بمشاريع معينة لا تريدون القيام بها، قد يكون مفيداً جداً ويحرركم إلى حد كبير.

وتتابع “بالنسبة لكثيرين، فإن قول (لا) ورفض ما يطلبه الناس منهم يمكن أن يكون غريباً وغير مريح. لكن إذا تعلمنا أي درس من هذا الوباء، فهو أهمية وضع حدود خاصة بنا كي نتمكن من الحفاظ على صحتنا العقلية”.

وتقترح فيهان أن إحدى طرق معالجة هذا الأمر، إذا كان العبء الذي يفرضه عليكم عملكم ثقيلاً جداً، هي التفكير في عدم قبول المهام فوراً وطلب الدعم من رؤسائكم… من ناحية ثانية، إذا كان أصدقاؤكم وعائلتكم يستهلكون وقتكم، سواء كان ذلك افتراضياً أو عن بعد، فلا تخافوا من قول “لا” إذا لم يكن لديكم الوقت أو المال أو المزاج للتواصل الاجتماعي. عندما نعطي الأولوية لأنفسنا، يمكننا التأكد من أننا نقدم أفضل أداء لدينا على مستوى كل جانب من جوانب حياتنا”.

أجروا تعديلات طفيفة على نظامكم الغذائي

يعد هذا القرار السنوي الأكثر شيوعاً مع بداية كل عام جديد تقريباً، لكن هناك طرقاً لإجراء تغييرات بسيطة على نظامكم الغذائي يمكن أن تكون بنفس الفائدة تماماً- إن لم تكن أكثر. لسبب ليس أقله أنكم ستلتزمون بها على الأرجح.

اعتمدوا حملة فيغانيواري، التي يتعهد فيها مئات الآلاف باتباع نظام خضري لمدة شهر واحد. وعلى الرغم من أن الفوائد البيئية والصحية لاتباع نظام غذائي خضري عديدة، فإن التحول إلى خضريين بين عشية وضحاها قد لا يكون قابلاً للتحقيق بالنسبة للجميع. لكن ليس من المفروض عليكم أن تكونوا كذلك.

يقول توني فيرنيلي، رئيس الاتصالات الدولية في حملة فيغانيواري “من قال إنه يجب أن تكونوا خضريين أو لا شيء؟ حاولوا اعتماد بدائل بسيطة مثل الحليب من مصادر نباتية بدلاً من الحليب البقري أو تناول الزبادي النباتي مع وجبة الإفطار. يمكنكم أيضاً جعل وصفاتكم المفضلة خضرية بسهولة تماماً بسبب توفر بدائل اللحوم والأسماك والجبن والمايونيز والكريمة وغيرها من المنتجات غير الحيوانية. إذا لم تكونوا واثقين، فاستعينوا بالإنترنت”.

من التعهدات الشهيرة الأخرى التي تستمر لمدة شهر وتصبح رائجة في مثل هذا الوقت من العام، هي بالطبع شهر يناير الخالي من الكحول. بالتأكيد هناك فوائد لا حصر لها للإقلاع عن الكحول لمدة شهر- بما فيها توفير المال والشعور بطاقة أكبر- لكن قول ذلك قد يكون أسهل من تطبيقه فعلياً. إذا كنتم ترغبون حقاً في تخفيض استهلاككم للكحول، فلماذا لا تجربون تخفيف الشرب في شهر يناير، حيث يمكنك ببساطة تقليل الكمية التي تشربونها بدلاً من الامتناع تماماً عن الشرب؟

مع توفر العديد من المشروبات الروحية اللذيذة غير الكحولية أو التي تحتوي على نسب منخفضة من الكحول هذه الأيام، لم يكن الوقت مناسباً أكثر للتعهد بذلك. وقد أطلقت شركة المشروبات الخالية من الكحول سيدليب، أخيراً، مشروب “بيكانته” غير الكحولي، بينما أطلقت علامة “ماريا آند كريغ” التجارية الجديدة مشروب “سي بي دي” الروحي النباتي غير كحولي. من يدري، ربما تبدؤون في الاستمتاع بالمشروبات الخالية من الكحول أكثر من تلك الكحولية.