السياسية :

تزايد دور بريطانيا من وراء الكواليس في الحرب اليمنية في الأشهر الأخيرة، لدرجة أن لندن التي كانت شريكةً للسعودية في قتل اليمنيين منذ غزو التحالف السعودي لليمن، خرجت الآن من الظل وتخطط للحرب علنًا.

وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية مؤخراً أن لندن، ودون إبلاغ مجلس العموم، أرسلت سراً قوات إلى السعودية لحماية حقول النفط في المنطقة.

ولكن ما هو الدور الذي لعبته بريطانيا في حرب اليمن حتى الآن؟ وما هي الأهداف التي تسعی إلی تحقيقها من خلال هذا الدور وزيادة وجودها في الحرب؟

الدور التاريخي لبريطانيا في أزمات اليمن

لا يقتصر الدور البريطاني في أزمات اليمن على الفترة الحالية والعدوان العسكري على هذا البلد، بل له تاريخ طويل جدًا، بحيث ليس من المبالغة القول بأنه يجب البحث عن جذور أزمات اليمن في السياسة البريطانية. وهذا ما حدث مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المستعمرات البريطانية.

قبل عام 1990، تم تقسيم اليمن إلى قسمين هما الشمالي والجنوبي. كانت المنطقة الشمالية تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية لسنوات عديدة(قبل انهيارها عام 1918)، وكان الجنوب تحت الاستعمار البريطاني.

وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وصل “الإمام يحيى” زعيم الطائفة الزيدية إلى السلطة، وأصبح اليمن الشمالي رسميًا جمهوريةً في عام 1962. ومع ذلك، فإن البريطانيين الذين كانوا يخشون انتصار الأئمة الزيديين على كل اليمن ووحدة البلاد، کانوا يدعمون المتمردين الجنوبيين.

كان البريطانيون مهتمين بشكل خاص بهذه المنطقة، لأنها كانت على طريق الهند الشرقية، وهو طريق أرادت بريطانيا حمايته بسبب دوره المهم في التجارة الخارجية. وكانت عدن مستعمرةً بريطانيةً حتى عام 1937.

بعد ما يقرب من قرن من الزمان، استمرت السياسة الخارجية البريطانية في مواجهة التطورات في اليمن بالالتفاف حول هذه المصالح. وإحدى هذه المصالح هي الوصول دون عوائق إلى موارد الطاقة في الخليج الفارسي وشبه الجزيرة العربية.

والمصلحة الثانية هي تراثها الاستعماري في جنوب البلاد(1837-1967). أما الثالثة فهي موقع اليمن الجيوستراتيجي وقربه من مضيق “باب المندب”.

باب المندب هو طريق سريع عالمي استراتيجي، يُقدر أنه يعبر منه 6.2 ملايين برميل يوميًا، وهو ما يمثل حوالي 9٪ من إجمالي شحنات النفط البحرية في عام 2017. کما كان بيع الأسلحة أيضًا أحد الاهتمامات الرئيسية للبريطانيين، في لعب الدور في الحرب وخلق أزمة إنسانية كبيرة في اليمن.

قد يبدو أن الحكومة السعودية هي التي تقاتل اليمنيين، لكن الحقيقة هي أن اليمنيين يواجهون الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر في هذه الحرب غير المتكافئة. وهذه هي القنابل البريطانية التي تتساقط على اليمن. کما أن سلاح الجو الملكي(RAF) هو الذي يقوم کمقاول بتدريب الطيارين السعوديين على قيادة الطائرات المقاتلة البريطانية.

نستعرض فيما يلي بعض التقارير عن مشاركة بريطانيا في حرب اليمن. وهي الحرب التي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث قالت الأمم المتحدة إن 233 ألف يمني قتلوا حتى الآن، وإن أكثر من 24 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.

قتل اليمنيين بالسلاح البريطاني

منذ بدء الحرب اليمنية، وردت تقارير مختلفة عن تورط بريطاني في الحرب ضد اليمن، معترفةً بالدعم العسكري البريطاني للسعودية والإمارات لقتل اليمنيين.

تقدر حملة مكافحة تجارة الأسلحة(CAAT) أن قيمة تراخيص التصدير البريطانية للصادرات العسكرية إلى السعودية، قد بلغت 5.4 مليارات جنيه استرليني (7.2 مليارات دولار) منذ بدء قصف اليمن بقيادة السعودية. ومع ذلك، تقدر الوكالة أن القيمة الحقيقية لهذه الصادرات تصل إلى 16 مليار جنيه(21.4 مليار دولار) خلال هذه الفترة.

وذكر التقرير أن شرکات Excelitas و BAE Systems و VestGuard UK و Rolls-Royce هم المصدرون الرئيسيون للأسلحة إلى السعودية.

كذلك، وفقًا لمنظمتين غير حكوميتين، أي “منظمة حقوق الإنسان اليمنية” ومقرها جنيف و”مؤسسة دعم السلام والديمقراطية”(منظمة بريطانية غير حكومية)، فقد شكلت مشتريات السعودية من الأسلحة 41٪ من إجمالي صادرات الأسلحة البريطانية بين عامي 2010 و2019، وهي تمثل ما يقرب من 25 في المئة من الواردات العسكرية السعودية، مما يجعل بريطانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة للسعودية.

وبحسب تقرير الحكومة البريطانية السنوي للرقابة الإستراتيجية على الصادرات، والذي صدر بعد أربعة أشهر عن المعتاد بسبب فيروس كورونا، سلَّم الجيش البريطاني العام الماضي 2332 قطعة غيار لطائرات “تورنادو” المقاتلة لشركة أسلحة في السعودية، وذلك بعد حكم قضائي ضد صادرات الأسلحة لاستخدامها في الحرب اليمنية.

وتزداد أهمية هذا الموضوع لدرجة أن بعض الخبراء يقولون إن حرب اليمن ستنتهي في غضون أسابيع قليلة، إذا لم يتم تأمين تصدير القطع البريطانية إلى القوات الجوية السعودية.

وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة البريطانية عن كثب مع السعوديين والإماراتيين، حيث أظهرت الأبحاث التي أجراها موقع Declassified UK أن القوات البريطانية كانت متمركزة في 15 موقعًا داخل السعودية.

ووفقًا لصحيفة “دايلي مافريك”، فقد تم تدريب أكثر من 300 سعودي في ست قواعد للقوات الجوية البريطانية، ولا يزال تدريب الطيارين السعوديين مستمرًا، والدورات التدريبية ستستمر حتى أربع سنوات.

بدورها تشير صحيفة “الأخبار” اللبنانية إلی مساعدة بريطانيا لآل سعود في غزو اليمن، وتمركز 3600 جندي بريطاني متقاعد في قواعد عسكرية سعودية قرب الحدود اليمنية، وتقول نقلاً عن أحد هؤلاء الجنود، إن “القوات البريطانية المتقاعدة في شركة BAE Systems تعمل مع الجيش السعودي بعقود تصل إلی مليارات الدولارات، ولو لم نكن هناك لكانت المقاتلات السعودية قد اختفت من سماء اليمن في غضون أسبوع أو أسبوعين في الحد الأقصی”.

هذه القوات المتقاعدة هي المسؤولة رسمياً عن استمرار العمليات الجوية السعودية، والتي تشمل تدريب الطيارين وإدارة عمليات الطيران جنوبًا لمهاجمة أهداف مختارة في الأراضي اليمنية، وكذلك خدمات الصيانة وقطع غيار المقاتلات، وتجهيزها على مدار الساعة بالأسلحة والدعم الفني، وإدارة مخازن الأسلحة وقذائف الهاون.

وفي الوقت نفسه، تتعاون القوات المسلحة البريطانية، إلى جانب القوات الأمريكية، مع إدارة مركز عمليات التحكم العسكري السعودي بشكل مباشر، لتحديد الأهداف التي يجب قصفها، وكيفية المهمات والأسلحة المستخدمة، والتنسيق مع موظفي الخطوط الجوية البريطانية للقيام بالعمليات، وتجهيز قذائف الهاون والمعدات والمقاتلات، وفق الجدول الزمني المتفق عليه مع السعودية.

هذا في حين أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن الغارات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، غالباً ما كانت بلا هدف، حيث قصفت المدارس والمستشفيات والإمدادات الغذائية، وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين.

* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع