عبد الله محمد*

استطاع محمد بن سلمان تطويع العائلة المالكة وكبار رجالات السعودية بسرعة قياسيَّة، وهو ينفّذ رغباته التي يروّج لها على أنها رؤية، من دون أن يتجرأ أحد على اعتراضه.

صحيح أنَّ الشاب العديم الخبرة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية يمتلك جمهوراً واسعاً من الشباب المتعطّش للتفلّت من القيود داخل المملكة التي كانت حتى الأمس القريب تحرّم السينما وتمنع المرأة من القيادة، وصحيح أن ابن سلمان حذِر في اتخاذ قرارات تساهم في تراجع شعبيته، وإن على حساب الصندوق الاحتياطي للمملكة، غير أنّ التاريخ يحدثنا عن أن سقوط هذا النوع من الحكام يعتمد على عنصر داخلي في الدائرة الضيّقة، بعد أن يعجز العامة عن انتقاده أو الإطاحة به.

في صعوده إلى الثراء الفاحش والسلطة التي لا يقيّدها حدّ، شخص واحد فقط يؤرقه: رجل الاستخبارات سعد الجبري الذي فرّ من المملكة قبل 5 أعوام ويقطن حالياً في كندا.

يروّج ابن سلمان لفساد الساعد الأيمن السابق لمحمد بن نايف، الوريث المحتمل للعرش، والذي أطاح به باكراً، غير أنّ أدوار الجبري وتاريخه ينفيان تماماً عنه تهم الفساد، ويؤشران إلى ما هو أخطر من ذلك.

يزخر أرشيف لجان الكونغرس المالية والاستخبارية والعسكرية بوثائق لاجتماعات يحضر فيها اسم سعد الجبري، باعتباره، بوصف المسؤولين الأميركيين، أهم مهندسي الأجهزة الأمنية في السعودية وقائد تطوير المنظومة الأمنية بعد صعود تنظيم “القاعدة”.

عمل الأميركيون لعقدين من الزمن مع الجبري في مكافحة القاعدة، وحماية المنشآت الحيوية في الخليج، والترويج لرسائل سياسية وإعلامية خلال مواسم الحج، والحماية الأمنية لمنشآت “أرامكو”، و”مواجهة التهديدات الإيرانية”، بحسب توصيف السعوديين، وملفات سوريا واليمن والعراق.

كلّ هذه الملفات أفضت إلى وصفه مراراً بـ”الرجل المهمّ” في المراسلات الصادرة عن القنصليات الأميركية في المملكة.

وتُظهر الوثائق أنّ الجبري كان يمتلك القدرة على تقديم أجوبة للأميركيين، حتى قبل أن يستشير أحداً من العائلة المالكة، باعتباره شخصاً قريباً من الدائرة الضيّقة للملك، كما أنّ الأميركيين اعتمدوا عليه أكثر من مرة للتسويق لأهداف ومصالح مع النظام السعودي، ولكن ما الذي أدى إلى نقمة ابن سلمان على شخصية بهذه الخبرة والعلاقات؟

من الضّروري الإشارة إلى أنَّ اتهامات ابن سلمان للجبري بالفساد يدحضها الأميركيون أنفسهم، الذين يشيرون في أكثر من وثيقة رسمية إلى أنَّ المشاريع الأمنية في السعودية لطالما حظيت بميزانيات مستقلَّة عن الحسابات الرسمية لدواعٍ أمنية مفهومة. هذا الأمر سائد في العمل الأمني عموماً في جميع دول العالم.

كما أنَّ الجبري نفسه يمتلك تواقيع مسؤولين سعوديين أعلى منه سلطة بالموافقة على تخصيص ميزانيات لمشاريع أنشأها كستار لأهداف استخباريّة. وبالتالي، إنّ ادعاءات ابن سلمان حول فساد الجبري لا يعوّل عليها.

بكلمات أخرى، إنَّ الأرباح الشخصية التي كان فريق محمد بن نايف يحقّقها، كانت تتمّ بشكل “مقونن” و”مشرّع” من السلطات، كجزء من سياسة توزيع المال على الحاشية في العائلة المالكة، كما أنّ كلّ الشركات الخاصة التي أنشأها كانت غطاءً أمنياً مطلوباً لممارسة المهام الرسمية، علماً أن الأملاك المذكورة في الرواية الرسمية لابن سلمان لا تثبت مصير 11 مليار دولار يتّهم الجبري بها.

إذاً، المطالبة باسترجاع الجبري ترتبط بأسباب أبعد من الفساد المالي. بدأ الخلاف الحقيقيّ بين الرجلين مع بدء حرب اليمن، حين أوصى الجبري بوقف الحرب فوراً وعدم سلوك الخيار العسكري، متحدثاً عن تبعات باهظة الثمن على المملكة.

ويُعتقد بشكل واسع بين خبراء أمنيين أميركيين بأنَّ الجبري مطلّع على أملاك خاصّة للملك الحالي وابنه خارج المملكة، في سياق أدواره الأمنية السابقة. يدعم هذه التحليلات إصرار ابن سلمان على استدراج الجبري إلى حد تواصله معه شخصياً عبر “واتسآب” بعد “خطف” ولديه وإخفائهما عن الأنظار.

في المحصّلة، أمام ابن سلمان فرصة كبيرة لحكم واحدة من أهم دول العالم، ولكنّ هذا الحُكم سيكون محلّ تربّص من الكثير من المتضرّرين. سعد الجبري أحد المتضررين الّذين يعرفون الكثير عن ابن سلمان.

* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع