السياسية – تقرير: نجيب هبة

في كل يوم تتكشف حقائق جديدة حول العدوان على بلادنا ، وتستمر وسائل الإعلام الغربية في كشف المزيد من المعلومات حول العدوان على اليمن والمتورطين فيه والأدوار التي تم توزيعها عليهم.. فها هي معلومات جديدة تنشر وتؤكد مشاركة وتورط فرنسا منذ بداية العدوان.

حيث كشف تحقيق استقصائي جديد أجراه موقع “ميديا بارت” الإلكتروني الفرنسي أن فرنسا كانت حاضرة بقوة سواء بصفقات التسليح النوعية التي باعتها للرياض، أو من خلال التدريب حيث تقوم شركات فرنسية متخصصة بتدريب جنود الجيش السعودي على عمليات العدوان العسكرية ضد الشعب اليمني منذ عام 2015 والتي يتم تنفيذها أيضاً بأسلحة فرنسية.

تكتم سعودي على الخبرة الفرنسية

التحقيق الذي أجري بالتنسيق مع وسائل إعلام أخرى، أوضح أن نظام آل سعود اعتمد منذ بداية الحرب – وبتكتم شديد – على شركات فرنسية للإشراف على تدريب ضباط وجنود في الجيش السعودي على استخدام مدافع فرنسية من نوع “قيصر”.

وبحسب ما جاء في التحقيق، الذي ترجمته صحيفة “القدس العربي”، فإن السعودية استخدمت منذ بداية عدوانها على اليمن الطائرات والمدرعات والسفن وحتى الصواريخ التي اشترتها من فرنسا في السنوات الأخيرة.

ونقل التحقيق عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” أن السعودية اشترت أكثر من 132 نوعا من مدافع “قيصر” المثبتة على شاحنات للطرق الوعرة، والمصنوعة من قبل شركة “نيكستر” الفرنسية خلال السنوات العشر الأخيرة ولا تزال بانتظار استلام دفعات أخرى.. مشيرا إلى أن عقود بيع هذه المدافع تضمنت التزاما فرنسيا بتدريب جنود وضباط الجيش السعودي على استخدامها.

من جانبه ، أكد موقع “ديسكلوز” الفرنسي أن هذه المدافع، إلى جانب مدافع فرنسية أخرى من نوع “هاوتزر” تستخدم في قصف المدنيين داخل اليمن بما في ذلك في المناطق الواقعة على الحدود السعودية، وذلك ما كشفه تقرير سري للاستخبارات العسكرية الفرنسية.. وأضاف الموقع أن أسلحة فرنسية بينها دبابات وأنظمة صواريخ موجهة بالليزر بيعت للسعودية والإمارات.

وأضـاف التحقيق أن شركة “ديفانس كونساي انترناسيونال” والتي تمتلك فرنسا أكثر من نصف أسهمها، أشرفت بشكل خاص على تدريب جنود وضباط الجيش السعودي على استخدام المدافع الفرنسية، وذلك بعلم من النظام الفرنسي الذي يمنح هذه شركات تصنيع الأسلحة التراخيص اللازمة.

ونقل تحقيق “ميديا بارت” عن أستاذ القانون بجامعة “كوينز” في تورنتو، وعضو فريق خبراء الأمم المتحدة، أردي إمسيس، قوله إن “المجتمع الدولي لا يمكنه الادّعاء بأنه ليس على علم بتورط الأسلحة المستخدمة من طرف السعوديين في مقتل مدنيين يمنيين من بينهم أطفال، بعد أن قامت منظمات حقوقية عديدة ، بينها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان ، بتوثيق ذلك”.

كما أكّد التحقيق، الذي أشار إلى أن هناك وثائق تثبت ذلك ، أن الشركات الفرنسية التي تتولى تدريب جنود وضباط الجيش السعودي لا زالت تمارس عملها حتى الآن داخل المملكة.

وكانت عددا من التقارير والتحقيقات التي نشرت طوال السنوات الماضية كشفت حجم المشاركات الفرنسية والبريطانية والأمريكية المباشرة في العدوان على اليمن.. حيث كانت وسائل إعلام بريطانية قد كشفت في وقت سابق تفاصيل مماثلة عن المشاركة الواسعة للشركات والقوات البريطانية في إدارة عمليات القصف الجوي وتجهيز الطائرات والأسلحة والذخائر، والحال نفسه بالنسبة لأمريكا التي لا تنكر حتى هي مشاركتها بل وقيادتها للحرب العدوانية على اليمن.

هذه المعلومات وسابقاتها تؤكد على أن تحالف عدوان الشر السعودي الإماراتي كان منذ البداية مجرد واجهة للقوى الغربية التي تدير بشكل مباشر مختلف العمليات التي تستهدف اليمن.

مزاعم فرنسية

بالمقابل، زعمت الحكومة الفرنسية أنها تمارس رقابتها على مستويين: من جهة على الشركات التي تدرب الجنود السعوديين بأن تحصل على ترخيص التصنيع والتجارة والوساطة، والذي تمنحه وزارة الدفاع الفرنسية، ومن جهة أخرى على الشركات بالحصول على ترخيص بالتصدير، يضمن ألا تتعارض المعدات العسكرية مع الالتزامات الدولية لفرنسا أو الحظر الذي تقرره المنظمات الدولية.

كما زعمت الحكومة الفرنسية على أنها “تأخذ بعين الاعتبار بصورة منهجية مخاطر استخدام هذه المعدات ضد المدنيين”.. وهي مزاعم تبتعد كثيراً عن الحقيقة التي تتجلى في تقديم فرنسا وغيرها من الدول الغربية مصالحها الاقتصادية الناتجة عن استمرار تجارة الأسلحة على مراعاة الجوانب الإنسانية.

ورغم أن بعض البلدان المصدرة للأسلحة قد اتخذت المزيد من الاحتياطات، على غرار ألمانيا والسويد وفنلندا والنرويج وهولندا وبلجيكا التي علّق مجلس الدولة فيها مؤخراً العديد من تراخيص تصدير الأسلحة إلى السعودية.

ولكن حتى هذه الاجراءات لم تكن كافية ولم تشكل أي قوة ضغط على دول العدوان لوقف عدوانها أو حتى للتحري من أجل منع سقوط المدنيين في الهجمات ، بل على العكس فإن هذه الدول قد أعطت لتحالف العدوان الضوء الأخضر للاستمرار في عدوانها من خلال التزامها الصمت.

إصرار فرنسي على تصدير الأسلحة

وفي ذات السياق، انتقدت صحيفة “يورو أوبزرفر” الصادرة في بروكسل، الممارسات الفرنسية التي تصر على تصدير أسلحة إلى مناطق الحروب في الشرق الأوسط مما يؤدي إلى مقتل وتشريد الآلاف.

وقالت في تقرير لها “قبل شهرين، صوت كامل الأعضاء الفرنسيين في كتلة تجديد أوروبا بالبرلمان الأوروبي باستثناء واحد فقط ضد فرض رقابة أكبر على صادرات الأسلحة”.

من جانبها، قالت الألمانية حنا نيومان، عضوة البرلمان التابعة لحزب الخضر والتي صاغت تقريرا بشأن صادرات السلاح، إن فرنسا واحدة من أكثر الدول المتراخية عندما يتعلق الأمر باتباع موقف أوروبي مشترك.

وأضافت أن من تبعثهم الحكومة الفرنسية ممثلين لها في البرلمان الأوروبي لا يتسمون بالحياد بل انهم على العكس على علاقة مباشرة بصناعة الدفاع نفسها.. وهو ما يفسر التصويت الفرنسي ضد فرض الرقابة على صادرات الأسلحة.

وقالت صحيفة “يورو أوبزرفر” أن فرنسا باعت أسلحة بمليارات اليوروهات إلى السعودية والإمارات وتقترن هذه الصفقات غالبا بعقود صيانة تمتد على مدار أعوام.

وأضاف التقرير أن ذلك “يأتي رغم أن الدولتين يرتبط اسمهما بجرائم حرب في اليمن تسببت في مقتل آلاف المدنيين من خلال هجمات عسكرية وشردت الملايين، وأحدثت مجاعة وقتلت 85 ألف طفل على مدار 3 أعوام”.

منظمات غير حكومية تدين بيع الأسلحة

استخدام السعودية للأسلحة الفرنسية، أثار استنكار متكرر من المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، حيث اتهمت المنظمات منذ عدة سنوات فرنسا بالافتقار للشفافية في صادرات الأسلحة. وأشارت 14 منظمة في بيان صحفي إلى “أنه كان من الضروري أن يتمكن البرلمان أخيرًا من الوفاء بواجبه في مراقبة عمل الحكومة فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة في الخارج”.

وحسب قناة “فرنسا 24” ، فإن هذه المنظمات غير الحكومية تدين عقود بيع الأسلحة التي وقعتها فرنسا مع الإمارات والسعودية المنخرطتين في العدوان على اليمن. كما أنها عارضت، على وجه الخصوص، في فبراير الماضي مرور باخرة شحن سعودية في ميناء شيربورغ، يشتبه في قدومها لاستلام أسلحة فرنسية الصنع موجهة إلى الرياض يمكن استخدامها بعد ذلك على الأراضي اليمنية.

وبهذا تشارك مبيعات السلاح الغربي في تشجيع نظامي الرياض وأبوظبي القمعيين على استمرار عدوانهما على اليمن وقتل المزيد من المدنيين واستمرار حالة عدم الاستقرار في الإقليم بشكل عام.. ومع طغيان التفكير الربحي لدى الولايات المتحدة والدول الغربية والتطلع إلى العائدات الاقتصادية المباشرة من بيع السلاح مع عدم التفكير بالاستراتيجيات الأمنية أو الأوضاع الإنسانية فإن كرة النار لابد أن ترتد على هذه الأنظمة وتحرقها كما أحرقت ضحاياها في اليمن وغيرها من دول المنطقة.