السياسية – مركز البحوث والمعلومات:

يصادف غداً الأربعاء، الذكرى الحادي والعشرين للاحتفال باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يعتبر ظاهرة عالمية تعاني منها كل المجتمعات، يؤدي إلى حرمان المجتمع من المشاركة الفاعلة للمرأة، والذي يتعرض في الوقت نفسه للتآكل من الداخل عندما يقوم على بنية أخلاقية وثقافية واجتماعية مشوهة تسمح بممارسة التمييز والإقصاء والعنف ضد نصف القوة الإنسانية المشكلة لهذا المجتمع.

ويعد العنف ضد المرأة أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في الوقت الراهن.. ولا يتم التبليغ عن معظم هذه الانتهاكات بسبب انعدام العقاب والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة به.

وغالبا ما تعاني المرأة بدرجة أكبر من الرجل في الأزمات كونها الأضعف على سلم الحقوق والأقل امتلاكا لمصادر القوة الاجتماعية سواء الرمزية أو المادية.

وفي اجتماع رفيع المستوى عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بداية الشهر الماضي بمناسبة مرور ربع قرن على عقد المؤتمر الرابع حول المرأة المعروف بمؤتمر بيجين.. قالت بوزميلي ملامبو نوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن إعلان ومنهاج عمل بيجين شكل نقطة فارقة في النضال من أجل المساواة بين الجنسين، وأشارت إلى المكاسب التي تحققت والتي منها تغيير 274 إصلاحاً في القوانين واللوائح في 131 دولة، بالإضافة إلى مشاركة أوسع للنساء في عمليات السلام، وتجريم الجرائم الجنسية والجنسانية أثناء النزاعات بموجب القانون الدولي، وكذا التحاق المزيد من الفتيات بالمدارس، وإحراز تقدم في مجال صحة الأمهات”.

ودعت السيدة بوزميلي إلى ضرورة القيام بخطوات جريئة لتغيير مسار التاريخ في حياة المرأة والفتاة.. وقالت: “لنضغط على زر الإسراع للانتقال من المكاسب المتواضعة التي تحققت عام 1995م والتي تتعرض للتهديد الآن”، ودعت لقفزة نوعية تحصل فيها المرأة على 50% من التمثيل في كافة المجالات.. وذكرت أن النساء بين عمر 25 و34 هن أكثر عرضة للعيش في فقر مدقع مقارنة بأقرانهن من الذكور.

من جانبها، أكدت نتاليا كانم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في كلمة لها أمام الجمعية العامة، أن حقوق المرأة هي حقوق إنسان غير قابلة للتفاوض: “دعونا ندافع عنها ضد أي خطر أو شر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق الجنسية والإنجابية والرعاية الصحية التي لا غنى عنها من أجل المساواة والاحترام والتمكين“.

وأوضحت أن العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفع أثناء جائحة كورونا، كما ارتفعت معدلات حمل المراهقات.. قائلة  “نحن بحاجة إلى إجراءات عاجلة ودعم سياسي قوي واستثمارات محددة الهدف، وإلا فالمكاسب التي تحققت بشق الأنفس عبر عقود ستتعرض للخطر“، داعية لزيادة الاستثمارات وتدعيم الكلمات بالأفعال وبالتمويل للبرامج والخدمات التي تغير حياة المرأة والفتاة.

وخلال هذا العام تراجعت حقوق المرأة بسبب وباء كورونا، الذي اجتاح معظم دول العالم.. حيث تحملت النساء والفتيات العبء الأكبر من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الجسيمة للجائحة، لاسيما أن النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي أول من يفقدن وظائفهن.

وبحسب المقررة الأممية المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا شيمونوفيتش، فإن الجائحة أيضا أضرت بشدة بالزيارات الميدانية للاطلاع على أوضاع المرأة.. وقالت أنه تم في الأعوام الخمسة الماضية، إجراء 11 زيارة قـطرية، ووضع 11 تقريرا، كلها تكشف عن فجوة كبيرة بين الواقع والمعايير.

وحذر تقرير أممي صدر يوم 20 من الشهر الماضي تحت عنوان “نساء العالم 2020: الاتجاهات والإحصاءات” من أن الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تقع على عاتق النساء بشكل غير متناسب، وهو ما يؤدي إلى الحد من إمكاناتهن الاقتصادية.

وجمع التقرير 100 قصة في بيانات تقدم لمحة عن حالة المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف أنحاء العالم.. وخلص إلى أن المساواة بين الجنسين تتحقق من خلال ستة مجالات حاسمة هي الصحة، التعليم، السكان والأسر، التعليم، التمكين الاقتصادي وملكية الأصول، السلطة واتخاذ القرار، والعنف ضد المرأة والطفلة وكذلك تأثير جائحة وباء كورونا.

وخلال إحاطة افتراضية للصحفيين في مقر الأمم المتحدة قدم فيها التقرير الجديد، قال ليو زينمين، رئيس إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، إنه على مدار العقدين الماضيين، تغيرت المواقف التمييزية ببطء وتحسنت حياة النساء فيما يتعلق بالتعليم، والزواج المبكر، والإنجاب، ووفيات الأمهات، كل ذلك بينما توقف التقدم في مجالات أخرى.

وفيما يتعلق بالسلطة واتخاذ القرار، كشف تقرير نساء العالم 2020، أن المرأة شغلت العام الماضي، 28% فقط من المناصب الإدارية على مستوى العالم – وهي نفس نسبة عام 1995م تقريبا.. وأن 18٪ فقط من الشركات التي شملها الاستطلاع، ترأسها رئيسة تنفيذية هذا العام.

وبينما تضاعف تمثيل المرأة في البرلمانات في جميع أنحاء العالم بأكثر من الضعف، إلا أنه لم يتجاوز حاجز المقاعد نسبة 25%.. ورغم تضاعف التمثيل بين صفوف الوزراء أربع مرات على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، إلا أنه لا يزال عند عتبة 22%.

وذكر الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بهذه المناسبة، أن الأمم المتحدة ملتزمة بوضع حد لجميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة.

وقال “التجاوزات هي من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها استعصاء وانتشارا في العالم، حيث تتعرض لها واحدة من كل ثلاث نساء في العالم.. وهو ما يعني أن أحدا ما في محيطكم من ضحايا هذه الانتهاكات، قد يكون أحد أفراد أسرتكم أو أحد زملائكم أو أصدقائكم، أو حتى أنتم أنفسكم.. فالعنف الجنسي ضد النساء والفتيات يستمد جذوره من هيمنة الذكور التي دامت قرونا من الزمن”.

وذكر أنه يجب ألا يغيب عن ذهننا أن أوجه عدم المساواة بين الجنسين التي تغذي ثقافة الاغتصاب هي في الأساس مسألة اختلال في موازين القوة.. أما ممارسات الوصم والتصورات الخاطئة وحالات التقصير في الإبلاغ وإنفاذ القوانين، فلا تؤدي إلا إلى إدامة الإفلات من العقاب.

داعياً الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشعوب في كل مكان إلى اتخاذ موقف حازم ضد العنف الجنسي ومعاداة المرأة.. وإظهار المزيد من التضامن مع الضحايا والدعاة والمدافعين عن حقوق المرأة، والعمل على تعزيز حقوق المرأة وتكافؤ الفرص.

وحذرت منظمة المرأة العربية من تزايد وتيرة أعمال العنف الموجهة ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي الذي فرض جراء جائحة كورونا، بالإضافة إلى الظروف الراهنة وعدم الاستقرار التي تعاني منها عدد من الدول العربية.

وقالت المنظمة، في بيان لها، “أدت إجراءات الحجر المنزلي الهادف لاحتواء فيروس كورونا المستجد، والتي اتخذتها كثير من الدول حول العالم، إلى تزايد معدلات العنف ضد المرأة عالمياً، وهو ما أكدته معلومات واردة من عدة دول”.

وتسعى منظمة المرأة العربية لحث الدول على توجيه المزيد من الاهتمام لقضية مناهضة العنف ضد المرأة في جميع مراحل حياتها، وفي المجالين العام والخاص، عبر بث الوعي بالقضية وأبعادها المختلفة وآثارها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية على حاضر ومستقبل المجتمعات العربية، وكذا عبر تحديد الأدوات والآليات التي يمكن استخدامها لردع العنف ضد المرأة ومنعه.

وتولي منظمة المرأة العربية اهتماما بالغاً لهذه القضية، من خلال السعي إلى إيجاد كوادر عربية وطنية في مجال محاربة العنف، لها القدرة على نشر ثقافة تناصر المرأة وتحارب الجذور الثقافية لكل الممارسات المميزة والعنيفة ضدها.. ومناهضة العنف بجميع أشكاله ومظاهره من خلال أنشطتها وبرامج عملها، والعمل على جعل القضية جزء أساسي من الخطط والتشريعات والسياسات الوطنية في سائر الجهود الموجهة للمرأة في المنطقة العربية.

وفي محاولة لفهم تبعات الجائحة أجرى المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية (ROAS) دراسة استقصائية عبر شبكة الإنترنت في مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن بعنوان “تقييم سريع حول تأثير جائحة كوفيد-19 على الأعراف الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة”، تركز على أدوار الجنسين والمواقف والممارسات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والعنف ضد المرأة بمشاركة 16462 مشاركة ومشارك في الدراسة.. وفيها أتفق حوالي نصف المجيبات والمجيبين من جميع البلدان التسعة التي شملها الاستطلاع على أن النساء يواجهن في الوقت الحالي خطراً متزايداً للعنف من أزواجهن جراء الجائحة، ووجدت الدراسة أيضاً أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة مشاركين يعتقد أنه يجب على النساء تحمل العنف أثناء جائحة كوفيد-19 للحفاظ على تماسك الأسرة.

كما أجرى المكتب الإقليمي دراسة ثانية بين منظمات المجتمع المدني (CSOs) لتقييم تأثير وباء كورونا على مجريات عملها، بمشاركة 220 منظمة من البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا وموريتانيا والمغرب وفلسطين وتونس والسعودية والسودان والإمارات واليمن.. وفيها ذكرت أكثر من 50% من المنظمات النسائية التي شملتها الدراسة الاستقصائية، أن العنف المنزلي قد ازداد في منطقة الدول العربية خلال فترة الإغلاق، مما يشير إلى زيادة الضغط على إثر المصاعب المالية، والبقاء المطول في الأماكن المغلقة، فضلاً عن وقف الخدمات أو أنظمة دعم النساء كأسباب رئيسة، كما أشارت منظمات المجتمع المدني إلى زيادة العنف على الإنترنت ضد النساء والفتيات مع تزايد نشاط الجناة على الشبكات الاجتماعية.

وفي بلدان المهجر تزايدت في الفترة الأخيرة قضايا العنف والذي يصل إلى حد القتل ضد العربيات.. فالكثير من النساء يجدن الشجاعة للتحرر بعيدا عن البلد الأصلي، لبناء حياة جديدة أكثر حرية لا يتقبلها الرجل العربي بسهولة في الغرب.. وأوضح محامون وأخصائيون اجتماعيون أن نموذج عيش المهاجرين في الدول الأوروبية يرتبط بنظام تقاليد المهاجر مع المرأة وعدم ملاءمته للثقافة الأوروبية.. والتي يكتشفن فيها طعم الحرية والاستقلالية وتتمثل بالنسبة لهن في قدرتهن على قول كلمة لا.

وتقول دراسات أوروبية خاصة بحقوق المرأة، إن النساء العربيات هن الأكثر ادعاء على أزواجهن بالعنف والضرب، ومن بين كل عشر حالات معروضة أمام القضاء في فرنسا مثلا هناك على الأقل خمس حالات لنساء عربيات.

وتذهب التقديرات إلى أن العنف ضد المرأة يكلف البلدان ما يصل إلى 3.7% من إجمالي ناتجها المحلي، أي أكثر من ضعف ما تنفقه معظم الحكومات على التعليم.. والإقرار بإشكاليات المتصلة بالعنف ضد المرأة هو الخطوة الأولى نحو الوقاية والاستجابة على نحو فاعل.. وهو ما تتبناه حاليا عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشريعات مناهضة للاعتداءات الجنسية وغيرها من أشكال العنف ضد المرأة، لكن تظل هناك تحديات تتعلق بتطبيق هذه القوانين وفرضها، وبناء القدرات والوعي المؤسسي، وتوفير الحماية والخدمات الملائمة.

ويحتفل أنصار المرأة بهذا اليوم في الخامس والعشرين من نوفمبر والذي استمد تاريخه من الاغتيال الوحشي في اليوم نفسه من العام 1960م للأخوات الثلاث ميرابال اللواتي كن من السياسيات النشيطات في جمهورية الدومينيكان، بناء على أوامر حاكمها روفاييل تروخيليو (1936-1961).

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر سنة 1993 القرار 104/48 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة.

وقد جاء هذا الإعلان مكملا ومعززا لعمل اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وإعلان برنامج عمل فيينا.

ويعرف القرار العنف، بأنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية”.

ويشمل ذلك “التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.

كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 17 ديسمبر 1999م تحديد 25 نوفمبر يوماً عالمياً للقضاء على العنف ضد المرأة.. ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة فيه تهدف إلى زيادة الوعي العام بهذه القضية.