ناقشت صحف عربية النزاع الإثيوبي، ومواصلة الحكومة الإثيوبية حملتها العسكرية في إقليم تيغراي.

وخلّف النزاع المستمر مئات القتلى، وأدّى إلى نزوح أكثر من 24 ألف شخص إلى السودان.

وقال فريق من الكتاب إن النزاع سببه “التناقضات الإثيوبية الداخلية”، واصفين إثيوبيا بـ”بلد ممزق يتلمس بصعوبة بالغة طريقه لسدّ احتياجات مواطنيه”.

ونفى فريق من الكتاب أن تكون مصر خلف تأجيج هذا النزاع كما يلمح البعض، مؤكدين أن مصر قد تتأثر اقتصاديا من تبعات حرب أهلية في إثيوبيا.

بينما شدد فريق ثالث على ضرورة أن تتخذ السودان “كافة التدابير التي يمكن أن تعصم قدمه من الانزلاق في هذا النزاع”.

* “نظرية المؤامرة”
يقول محمد أبوالفضل في جريدة العرب اللندنية: “يعتقد البعض خطأً أن مصر أكبر المستفيدين من اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا تأكل الأخضر واليابس هناك، وألمحوا إلى دور مخابراتي للقاهرة أسهم في اشتعال الموقف في إقليم تيغراي مؤخرا … فعّل هؤلاء نظرية المؤامرة، ونسجوا في خيالهم تقديرات روّجوا لها في بعض وسائل الإعلام، اعتمدوا فيها على الأزمة الناشبة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب سدّ النهضة”.

ويتابع: “أخطأ أنصار هذا التصور القاتم مرتين. مرة لأن السد الإثيوبي أصبح واقعا ملموسا، بصرف النظر عن مصير الحكومة الراهنة في إثيوبيا. ومرة ثانية لأن الخلاف أصلا ليس على أهمية السد التنموية، بل على طرق الملء والتشغيل والحفاظ على مصالح جميع الأطراف عبر التوصل إلى اتفاق ملزم”.

ويضيف أبوالفضل: “تخشى القاهرة من استثمار بعض القوى الخارجية للأزمة الإثيوبية والعمل على تكريسها، وإشاعة المزيد من الفوضى في المنطقة، والتي أدت في الصومال إلى دخول متغيرات أثرت على التوازنات التقليدية، ووجدت بعض القوى فرصة في تعميم الانفلات لخدمة مصالحها”.

ومضى قائلا: “تخوض مصر حربا ضارية ضد الإرهاب في الداخل، وترى أن نكبتها في روافده الخارجية، من ليبيا إلى السودان … و[مصر] غير مستعدة لأن يتحول نفوذ هؤلاء إلى إثيوبيا، مع استمرار تفكك الصومال”.

وفي سياق متصل، يرى عبد الله السناوي في صحيفة الشروق المصرية أنه قد “قيل وتردد تفسيرا للتعنت الإثيوبي الممتد جولة بعد أخرى ووسيطا بعد آخر (فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة)، إن مشروع السدّ يكاد يكون نقطة الإجماع الوحيدة بين المكونات السياسية والعرقية وسند الشرعية الأساسي في بلد ممزق يتلمس بصعوبة بالغة طريقه لسدّ احتياجات مواطنيه”.

ويتابع السناوي: “بدا مشروع السد قضية دولة تبحث عن التماسك الداخلي بقدر ما هو ضرورة تنمية … لم يكن مشروع السد ضمانة نهائية للتماسك الداخلي، ولا كان التعنت الفادح في المفاوضات مانعا لصواعق الحرب الأهلية”.

ويضيف: “لم يكن أحد يتوقع أن تدخل إثيوبيا حربا أهلية طاحنة، بينما أزمة السد تراوح مكانها منذرةً بسيناريوهات تدخّل عسكري دفاعا عن الأمن المائي المصري والحق في الحياة ــ كما أشار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب قبل الانتخابات الرئاسية مباشرة. على غير انتظار سرت رائحة البارود في المكان بفعل التناقضات الإثيوبية الداخلية لا وفق إشارة ترامب”.

* “المنظومة العربية”
تقول جريدة القدس العربي في افتتاحيتها: “تعرضت السودان، جارة إثيوبيا، لموجة كبيرة من اللاجئين المدنيين والعسكريين زادت عن 20 ألف شخص، وهو ما يعدّ إشارة أولى إلى الاحتمالات التي سيؤثر بها نزاع الحكومة المركزية الأثيوبية مع إقليم تيغراي، على المنظومة العربية”.

وتتابع الجريدة: “الإشارة الثانية للتأثير العربي على الصراع جاءت من تصريحات أدلت بها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي قالت إن سلطات البلاد المركزية تستخدم طائرات مسيّرة إماراتيّة لقصف تجمعات مدنية في الولاية، وكذلك الدور الذي لعبته أبو ظبي في جسر العلاقة بين إريتريا وإثيوبيا ضمن خططها للسيطرة على سواحل اليمن، ولمواجهة تركيا”.

وتضيف القدس العربي: “لا ننسى في هذا السياق التوتّر الكبير الذي تصاعد بين مصر والسودان من جهة، والحكومة الإثيوبية من جهة أخرى حول قرار أديس أبابا بناء سد النهضة والمفاوضات التي لا تزال جارية بخصوصه”.

وتمضي الجريدة القول: “ينبع النزاع الحالي عمليا من رفض إقليم تيغراي للتجربة الديمقراطية التي تعتمد الأغلبية الانتخابية، وهو ما سيمنعها من العودة للحكم … ارتكاب الحكومة المركزية لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية سيكون ضربة كبرى للتجربة الديمقراطية وإيذانا بتغيير ليس في صالح إثيوبيا ولا جاراتها العربيات، خصوصا السودان التي تحاول تطوير ديمقراطيتها المعاقة بسيطرة العسكر”.

على المنوال نفسه، يقول محمد عبد الحميد في جريدة سودانايل إن “سياسة الباب المفتوح هي السياسة الرسمية التي تبناها السودان فيما يتصل بقضايا اللجوء، منذ أن بدأ يستقبل أولى موجات اللاجئين في ستينيات القرن الماضي”.

ويضيف عبد الحميد: “وتأسيسا على ثقافة سودانية راسخة في إغاثة الملهوف وتقديم العون للمحتاج، يبدو أن الوضع هذه المرة قد يجرّ السودان لأتون هذا الصراع نسبة لطبيعته الخاصة، فالصراع الذي اندلع مؤخرا في إثيوبيا، هو صراع بين سلطة مركزية من جهة، وإقليم داخلها هو إقليم التغراي من الجهة المقابلة”.

ويرى الكاتب أن طبيعة هذا الصراع “من جهة أخرى تشير إلى عدم إمكانية حسمه في القريب العاجل. فهو ليس بالصراع الذي يمكن أن تنهيه هجمات خاطفة تجعل طرفا فيه يذعن لإرادة الطرف الآخر. ولا هو كذلك حملة تأديبية لمجموعة منشقة ضعيفة الخبرة، منبتّة الجذور حتى ترضخ لإرادة حاكم عام يحاول إرغامها على الكف عن سلوك معين”.

ويضيف عبد الحميد: “هذا نوع من النزاع لا تفلح فيه اتجاهات الحسم عبر فوهة البندقية، وإنما بالحوار والتراضي والاعتراف مبدئيا بمواطن القصور والإخفاقات ومحاولة معالجتها ضمن الأطر السياسية، وهذا ما لم ولن يتوافر لهذا النزاع على أقل تقدير في الأجل المنظور”.

ويرى الكاتب أنه سيكون “لزامًا على السودان اتخاذ كافة التدابير التي يمكن أن تعصم رِجله من الانزلاق في هذا النزاع، لاسيما وأن مثل هذه النزاعات قد تجعل من دول الجوار محطة انطلاق لأعمال عدائية من أي طرف من الطرفين”.

وينبه عبد الحميد إلى أن “حالة التدفق الراهن للاجئين الإثيوبيين تأتي والسودان لم يتعافَ بعد من وقع كارثة السيول والفيضانات التي ضربته في خريف هذا العام 2020، وهو بحاجة ماسة لمساعدات حقيقية من المجتمع الدولي والوقوف بجانبه للوفاء بهذه المهمة الإنسانية الجليلة لمجموعات اللاجئين المتزايدة”.

وكالات