زهير أندراوس*

يُواصِل الإعلام الإسرائيليّ وبشكلٍ مُكثّفٍ للغاية بتغطية نتائج الانتخابات الأمريكيّة وتداعياتها وتبعاتها على دولة الاحتلال، ولا تخلو التقارير الواردة من واشنطن من عدم الموضوعيّة والتحيّز لصالح الرئيس دونالد ترامب، الذي يُعتبر من وجهة النظر الإسرائيليّة، أكثر الرؤساء تأييدًا للدولة العبريّة، ويبرز هذا التوجّه أكثر وضوحًا في الإعلام اليمينيّ-الوسطيّ واليمينيّ-الاستيطانيّ والمُتطرّف لأنّ ترامب من وجهة نظرهم واعتقادهم هو بمثابة “المسيح المُخلّص”، وهو الذي وجّه الضربة القاضيّة للفلسطينيين ولقضيتهم.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تعالت العديد من الأصوات داخل الإعلام الإسرائيليّ، على مختلف مشاربه، والتي تُحذّر من أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ينتهج نفس الطريقة والأسلوب في التعامل الداخليّ، بما في ذلك التحريض وزرع الفتنة الداخليّة، فقد رأى المُحلّل السياسيّ في القناة الـ13 بالتلفزيون العبريّ، رفيف دروكر، أنّ إعلان ترامب عدم قبوله نتائج الانتخابات وعزمه على التوجّه للمحاكم نُسخةً طبق الأصل عن سلوك نتنياهو، الذي يقود حملةً عشواء ضدّ منافسيه، ويُحذّر تماما مثل ترامب من “سرقة الانتخابات وتزويرها”، فيما يقوم بالتحريض على العرب في إسرائيل، مُذكّرًا بمقولته العنصريّة لناخبيه: “اخرجوا للتصويت، لأنّ العرب يتوافدون بكثافةٍ عبر حافلاتٍ منظمّةٍ إلى صناديق الاقتراع”.

وخلُص المُحلل إلى القول إنّ جميع الألاعيب التي ينتهجها ترامب الآن وهو على عتبة الخسارة، يتّم استيرادها إلى تل أبيب، وأنّ نتنياهو سيُطبّقها حرفيًا في المعركة الانتخابيّة القادِمة، ناقلاً عن مصادر مُقربةٍ جدًا من رئيس الوزراء قولها إنّ نتنياهو قرّرّ إجراء الانتخابات العامّة على الأكثر في شهر آذار (مارس) من العام المُقبِل، أي بعد أربعة أشهر، بصرف النظر عن هوية الرئيس الأمريكيّ الجديد، وفق ما أكّدته المصادر.

إلى ذلك، قال المُستشرق تسفي بارئيل في صحيفة (هآرتس) إنّ “ترامب جدير بالثناء على أنّه نجح في إحداث تطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين، والسودان في الطريق أيضًا، وكل واحدة حصلت على رزمة كهدية حسب حاجاتها. ستحصل الإمارات على طائرات “إف 35″، وسيتم رفع السودان من قائمة الدول المؤيّدة للإرهاب، وستحظى البحرين بالمتبقيات. ولكن إسرائيل هي الرابحة الكبرى، وهذا حقًا يشكل ثورة تاريخية ضخمة، وتغييرًا منهجيًا، لقد أوجد حزام تأييد عربي لدولة إسرائيل، دون أنْ يكون مطلوبًا منها أنْ تدفع مقابله ثمنًا أيديولوجيًا أوْ جغرافيًا أوْ ماليًا. هذا إنجاز القرن. ولكنها ليست “صفقة القرن” التي تنهي النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ”.

وتابع: “درّة التاج لفنّ صفقات ترامب كان بالتحديد في إنهاء صفقة: الانسحاب من الاتفاق النووي سنة 2018. لقد كان واثقًا من أنّ سياسة “الضغط بالحد الأعلى” ستجبر إيران على الجثو على ركبتيها وتقبل بكل شروطه. بعد سنتين، ما زالت إيران حيّة ولم تخضع”.
وأوضح المُستشرق الإسرائيليّ أنّ “الشريكة العربية الأهم للولايات المتحدة، السعودية، يحكمها ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أصبح شخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة بعد قتل الصحافي خاشقجي، ومنذ أكثر من سنتين لم تطأ قدمه أرضها بالرغم من أنها وعدت بشراء سلاح وطائرات بمبلغ حوالي 110 مليار دولار.

و”لكن ترامب”، أردف المستشرق، “هو الزعيم الوحيد الذي امتنع من اتهام بن سلمان بالمسؤولية عن القتل- خلافًا لاستنتاجات الاستخبارات الأمريكية- وقد أحبط الرئيس قرار الكونغرس بمنع بيع سلاح لبن سلمان. وأجبر ترامب السعودية على إجراء مفاوضات مع الحوثيين في اليمن، ولكن القوات السعودية ما زالت تستخدم السلاح الأمريكي في هجماتها على التجمعات السكانية في اليمن، في تلك الحرب التي ما زالت مستمرة لأكثر من 5 سنوات وأزهقت حياة أكثر من 100 ألف شخص”.

ورأى بارئيل أنّه “حتى جهود ترامب في رأب الصدع بين قطر من جهة، والسعودية والبحرين الإمارات ومصر من جهة أخرى، لم تنجح. الحصار الاقتصاديّ الذي فرضته دول الخليجية الثلاث سوية مع مصر على قطر، عزز علاقات قطر مع تركيا وإيران وأسسوا معًا محورًا مشتركًا يحاول أنْ يحّل محلّ المحور العربيّ الذي حلّ مكان أمريكا”.

ومن الجدير بالذكر أنّه في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. شيمعون بيريس، حذّر في الجلسة من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة.

شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفها رئيس الوزراء آنذاك، ردّ على مطلب بيريس بالقول: “لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك”. وتابع شارون في الجلسة عينها: “أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين”.

ولفت شارون أيضًا إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، زاد شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، واختتم قائلاً إنّ سفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الثّريين جدًا في أمريكا، قال شارون لبيريس.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع