كتب : خالد الجيوسي*

برغم الحملات الافتراضيّة المُتناسلة عربيّاً، وإسلاميّاً، انتصارًا لنبيّ الإسلام محمد الأكرم، على خلفيّة تطاول فرنسي برسوم مُسيئة ساخرة لخاتم الأنبياء بحسب عقيدة المُسلمين، جاءت بدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نتج عنها حملات مُقاطعة اقتصاديّة على أرض الواقع، كان المشهد في السعوديّة مُتبايناً، فالمُقاطعة لتركيا وبضائعها لا تزال تأخذ الحيّز الأكبر.

لم تشهد الأسواق السعوديّة، حملات “سحب” للمُنتجات الفرنسيّة، بل إنّ تلك الأسواق شهدت حملات مُقاطعة صارمة فقط للمنتج التركي، وسحب مُنتجاته، بل إنّ بعض النشطاء قالوها بصريح العبارة، ألا مُقاطعة للمنتج الفرنسي، والتركيز على المنتج التركي بواقع التهديد الذي يُشكّله البلد العثماني على نظام بلادهم الملكي، لكن وسم “إلا رسول الله” المُتصدّر عربيّاً، كان هو الآخر مُتصدّر في المملكة كأكثر الوسوم تفاعلاً.

تبدو الصورة القادمة من المملكة، مُختلفةً بعض الشيء، على وقع أزمة التطاول على نبي الإسلام، فالكويت ورغم أنها ليست الشقيقة الخليجيّة الكُبرى، وتعتبر نفسها بمثابة زعيم العالم السنّي بالتالي، تصدّرت وأسواقها، ومسؤوليها انتقاد فرنسا، وجرى سحب المنتج الفرنسي، من حوالي 54 جمعيّة، وسوق تجاري، وهبّ الجميع في “الديرة” نُصرةً لرسول الإسلام.

السعوديّة كما يرى مُعلّقون، كان يجب أن تقود المشهد المُدافع عن الرسول محمد، كونها خادمة الحرمين الشريفين، ولها ثقلها السنّي والإسلامي وشرعيّة حاكمها، وزعامتها، للمملكة لكن وجهة نظرٍ أخرى بحسب أوساطها، لكن بدا أنّ باكستان الإسلاميّة ملأت تلك المكانة، وأخذت على عاتقها هذا الدور، وقامت الاثنين باستدعاء السفير الفرنسي لديها، وسبق لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن انتقد موقف الرئيس ماكرون في سلسلة تغريدات، واعتبر فيها أنّ رئيس فرنسا أضرّ بمشاعر ملايين المُسلمين في أوروبا.

الرسوم المُسيئة للنبي محمد، جرى إعادة نشرها على واجهات مباني، في مشهد استفزازي، يقوده الرئيس الفرنسي، الذي عاد وغرّد بالعربيّة، وأصرّ على أنّه لن يتراجع، ولا يقبل خطاب الحقد، ولن يقدّم اعتذاره للمُسلمين، ولكن خارجيّته طلبت من المُسلمين للمُفارقة، عدم مُقاطعة المُنتجات الفرنسيّة، وهو ما يُوحي بكم الخسائر التي سيتكبّدها الاقتصاد الفرنسي، فحتى أسواق الأردن شهدت هي الأخرى حملات مُقاطعة، في المُحافظات “الإسلاميّة” أو ذات الحُضور “الإخواني” كالزرقاء.

في العربيّة السعوديّة، وأثناء حملات المُقاطعة، كان الخطاب النخبوي، وتحديدًا تغريدات بعض الصحفيين، والنشطاء المُقرّبين من السلطة، يميل إلى التخفيف من حدّة مشاعر الشارع السعودي، وتصدير فرضيّة أو حالة وجوب الفصل بين الإسلام، والإسلام السياسي المُتطرّف، في حين أن ذلك البلد، كان السبّاق في خطاباته الدينيّة ما قبل الانفتاح، والرؤية، إلى العدائيّة ضدّ الكفّار واليهود، والأكثر تحريضاً على جميع أتباع الديانات الأخرى، حيث أحكام دينيّة تتصدّر الكتب المدرسيّة، تفتي بحرمانيّة حتى تهنئة “أهل الكتاب” بأعيادهم، ومُناسباتهم، ووجوب “فتح بلادهم” لإعلاء راية الإسلام على نهج فتوحات النبي محمد، ودون حتى تطاول يُذكر من أهل الديانات الأخرى كشعوب على الرموز الإسلاميّة، والنبي محمد على وجه الخُصوص.

ورصدت “رأي اليوم” عددًا من التغريدات المكتوبة بعنايةٍ بتوقيتها، وصياغتها بالخُصوص، فغرّد الكاتب السعودي تركي الحمد قائلاً: “‏نعم.. ماكرون شن حملة على الإسلام السياسي وليس الإسلام، ولكن الإخوان يريدونها حملة على الإسلام ككل، في خلط واضح بين الاسلام وفكر البنا وقطب، وهذا غير صحيح.. الإخوان يريدون احتكار الإسلام ففرنسا فتحت لهم أبواب الهجرة، فكيف تتنكر لهم.. قليل من العقل..

وغرّد الإماراتي عبد الخالق عبد الله، والتي غابت بلاده الرسميّة عن توجيه انتقاد لفرنسا، ورئيسها: “‏حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلو والتطرف ليست مخلصة لوجه الله وليست دفاعا عن الإسلام بل هي متاجرة بالدين”.

السعودي إبراهيم المنيف غرّد: “‏‎#ماكرون_يسيء_للنبي المستائين الذين يطالبون بالمقاطعة وتدخل المسلمين بسبب رسم كاريكاتير! هل نسوا الدعاء العلني على النصارى واليهود ومخالفيهم في الدين والملل! ماذا كانت ردة فعلهم؟ هل طالبوا بالتدخل؟ لا كل دولة مسؤولة عن ما يحدث داخل حدودها، وليس لكائن من كان حق التدخل في شؤونها.

وأصدرت السعوديّة بياناً من جهتها دعت فيه على لسان الأمانة العامّة لهيئة كبار العلماء، إلى إدانة الإساءة للأنبياء والرسل، وأكّدت أنّ الإساءة لن تضر أنبياء الله ورسله، وإنما تخدم أصحاب الدعوات المُتطرّفة، فيما لم يتطرّق البيان إلى أي إدانة صريحة ومُباشرة لفرنسا، ورئيسها، وإنما دعا العقلاء إدانة الإساءات التي لا تمت إلى حريّة التعبير، والتفكير بصلة، وكان لافتاً في نص البيان ورود عبارة أنّ الإسلام “أمر بالإعراض عن الجاهلين”، وسيرة الأنبياء محفوظة وسامية، وواجب كل مسلم كما قال بيان الأمانة وهي أعلى هيئة دينيّة في السعوديّة، نشر سيرة النبي بما اشتملت عليه من الرحمة.

وهذا الموقف السعودي، بدا أنه تناغم مع حالة الأصوات النخبويّة التي رفضت المُقاطعة لفرنسا، وفضّلت الميل إلى الفصل بين الإسلام، والإسلام السياسي، وهو ما يُوحي بتوجّه عام في المملكة، باتّباع سياسات التسامح، والتهدئة، والابتعاد عن التطرّف، في استمرارٍ لحالة القضاء على التيّار الوهابي والصحوي، والذي أكّد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه لن يسمح لهم مُصادرة ثلاثين عامًا أخرى من حياته، كما والابتعاد عن اتّهامات الغرب لبلاده بالإرهاب، والتي وجدها الغاضبون من الإساءة لنبيّهم، مُهادنةً في غير مكانها، فالإعراض عن الجاهلين بحقّ النبي كما ورد في بيان هيئة كبار العلماء، لا يجد بحسب الغاضبين، إلا مزيدًا من التطاول الفرنسي، والذي يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيّاً ضدّ الإسلام، ونبيّه، وإعادة تصدير مشهد الإسلاموفوبيا، في حين أنّ مشهد المُقاطعة أربك خارجيّته، ودفعه للتغريد بالعربيّة شارحاً موقفه، وإن كان أصرّ عليه.

وفيما يجري مُقاطعة البضائع التركيّة في السعوديّة، انضمّت تركيا إلى حملة المُقاطعة للبضائع الفرنسيّة، حيث دعا الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان شخصيّاً شعبه، إلى المُقاطعة، كما هاجم الأخير نظيره الفرنسي، وأكّد أنّه بحاجة لعلاج عقلي.

ويثور جدل افتراضي على هامش الإساءة للنبيّ محمد، حول تزايد وتراجع شعبيّة بعض الدول على حساب دول أخرى، حيث الشارع العربي والإسلامي غاضب على وقع إهانة رسوله، والهجمة الفجّة التي يقودها ماكرون ضدّ الإسلام، ولعلّ الشارع يجمع نقاط شعبيّة، لأكثر الدول وقادتها، الذين تصدّوا للتطاول على نبي الإسلام، وقد تنال الكويت هذه الصدارة، حيث كانت السبّاقة شعبيّاً ثم رسميّاً، إلى التصدّي لتلك الحملة، فيما على الجميع ممن اتّخذوا موقف التهدئة، مُراجعة حساباتهم، فالمنصّات الغاضبة لخاطر خاتم الأنبياء المصطفى محمد تشي بالكثير الكثير.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيامن المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع