السياسية: متابعات : صادق سريع

 

 

اشتبك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع منافسه على الرئاسة جو بايدن بشراسة منذ اللحظات الأولى في واحدة من أكثر المناظرات التليفزيونية فوضوية.

وتبادل المتنافسان الشتائم والاتهامات حول عدد من القضايا أهمهافيروس كورونا وتفوق البيض والاقتصاد خلال المناظرة التياستمرت 90 دقيقة في كليفلاند، أوهايو.

ووصف بايدن الرئيس بأنه “مهرج” كما قال له “إخرس”، أما ترامب فتحدث عن تعاطي نجل منافسه للمخدرات.

واتهم ترامب، وهو جمهوري، منافسه بأنه مدين للاشتراكيين في حزبه، قائلاً: “سوف يسيطرون عليك يا جو، أنت تعرف ذلك”.

ورد بايدن، وهو ديمقراطي: “أنا الحزب الديمقراطي الآن”.

وتلك المناظرة التي بثت في ساعة ذروة المشاهدة، هي الأولى من ثلاث مناظرات مقررة بين المتنافسين.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن بايدن يتقدم بثبات على ترامب بأقل من 10 نقاط، فيما يتبقى 35 يوما حتى موعد الانتخابات في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وبينما كان المرشحان يتنازعان بشأن الرعاية الصحية ليلة الثلاثاء، قال بايدن: “إليكم الأمر: كل ما يقوله حتى الآن هو مجرد كذبة”.

وأضاف: “أنا لست هنا حتى أعلن عن أكاذيبه. الجميع يعرف الكاذب”.

ورد ترامب: “جو، أنت الكاذب”.

وتحدى ترامب منافسه أن يقول ما إذا كان سيدفع إلى المحكمة العليا، بالمزيد من القضاة لتغيير توازنها الأيديولوجي، مثلما طالب بعض الديمقراطيين.

كما طالب الرئيس ترامب منافسه بايدن بالإعلان عن قائمة مرشحيه للمحكمة العليا. لكن بايدن لم يستجب.

“ألا تغلق فمك يارجل؟”، قال بايدن

ورد ترامب متسائلا: “من يوجد على قائمتك يا جو؟”، مضيفا “إنه سوف يحشد القضاة بالمحكمة”.

وتدخل مدير المناظرة كريس والاس، وهو مذيع من شبكة فوكس الإخبارية الأمريكية، للانتقال بالنقاش إلى موضوع آخر.

وقال بايدن بسخرية واضحة: “كان هذا حقا جزءا مثمرا”.. استمر في النباح يا رجل”، في إشارة إلى ترامب.

وأجاب ترامب: “الناس يفهمون يا جو. سبعة وأربعون عاما لم تفعل شيئا”.

وتساءل الرئيس في وقت لاحق عن سبب تلقي شركة شارك في تأسيسها نجل منافسه، هانتر بايدن، 3.5 مليون دولار من ملياردير من موسكو، وفقا لتقرير صادر عن الجمهوريين في مجلس الشيوخ.

ونفى بايدن هذا الادعاء وتبادل الاثنان الصياح.

وعندما حاول مدير الجلسة التدخل، قال المرشح الديموقراطي: “من الصعب الحصول على أي كلمة مع هذا المهرج، معذرة، هذا الشخص”.

وأضاف “إليكم الأمر. نريد التحدث عن العائلات والأخلاق، لا أريد أن أفعل ذلك، أعني، عائلته يمكن أن نتحدث عنها طوال الليل”.

*متى تعقد المناظرات الأخرى؟

بعد انتهاء مناظرة ليلة الثلاثاء (بالتوقيت المحلي) التي عُقدت في كليفلاند في ولاية أوهايو، لا يزال هناك مناظرتان رئاسيتان قبيل الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.

المناظرة التالية في 15 أكتوبر في ميامي، بولاية فلوريدا. أما الأخيرة، فستُعقد في 22 أكتوبر في ناشفيل، ولاية تينيسي.

كما سيواجه نائب الرئيس، مايك بنس، ومنافسته الديمقراطية السيناتورة كامالا هاريس في السابع من أكتوبر في “سولت ليك سيتي”، في ولاية يوتا.

*دليل مبسط عن العملية الانتخابية

تبدو الانتخابات الرئاسية الأمريكية عملية معقدة بالنسبة للكثيرين، فقد لا يكون المرشح الحاصل على أغلب الأصوات على المستوى الوطني في عموم البلاد هو الفائز بمنصب الرئيس فيها.

فالرئيس الأمريكي لا ينتخب بشكل مباشر من جمهور الناخبين الأمريكيين، بل يجري انتخابه عبر ما يعرف بالمجمع الانتخابي.

ولرئيس الولايات المتحدة الأمريكية تأثير كبير على كيفية استجابة العالم للأزمات الدولية، أمثال الحروب والأوبئة العالمية وتغير المناخ.

لذلك عندما تجرى الانتخابات هناك كل أربع سنوات، نرى الكثير من الاهتمام العالمي بالنتيجة ولكنه قد لا يتوفر على الكثير من الفهم بشأن كيفية سير العملية الانتخابية المعقدة نسبيا.

وحتى هنا في بي بي سي نيوز، علينا أن نُذّكر أنفسنا بكيفية تشّكل المجمع الانتخابي الذي سيحسم انتخاب الرئيس الأمريكي، وما هي الولايات المتأرجحة التي تشكل ساحة التنافس لحسم المعركة الانتخابية؟

لذا ، إذا كنت تبحث عن معلومات تنشط ذاكرتك وتجدد معلوماتك بهذا الشأن، أو أنك تحاول فهمه للمرة الأولى، إليك هذا الدليل المبسط لانتخابات الولايات المتحدة الذي سيساعدك.

*متى يتم الانتخاب ومن هم المرشحون؟
يصادف انتخاب الرئيس دائماً يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ما يعني أنه في هذه المرة سيكون في الثالث من الشهر المذكور.

وعلى عكس العديد من البلدان الأخرى، يُهيمن حزبان فقط على النظام السياسي في الولايات المتحدة، وينتمي الرئيس دائماً إلى أحدهما حصرا.

والجمهوريون هم الحزب السياسي المحافظ في الولايات المتحدة، ومرشحهم في انتخابات هذا العام هو الرئيس دونالد ترامب، الذي يأمل في البقاء أربع سنوات أخرى في السلطة.

ويُعرف الحزب الجمهوري أيضاً باسم الحزب القديم الكبير. وفي السنوات الأخيرة، أيد خفض الضرائب ومنح حق حيازة الأفراد للسلاح وتشديد القيود على الهجرة. ويميل حضور مؤيدي الحزب إلى أن يكون أقوى في المناطق الريفية من البلاد. وتشمل قائمة الرؤساء الجمهوريين السابقين شخصيات من أمثال جورج دبليو بوش ورونالد ريغان وريتشارد نيكسون.

أما الديمقراطيون فهم الحزب السياسي الليبرالي في الولايات المتحدة ومرشحهم لهذا العام هو جو بايدن، وهو سياسي متمرس اشتُهر بعمله كنائب لرئيس البلاد السابق، باراك أوباما، لمدة ثماني سنوات.

وأفضل تعريف للحزب الديمقراطي هو مواقفه الليبرالية بشأن قضايا مثل الحقوق المدنية والهجرة وتغير المناخ. ويعتقد أن الحكومة يجب أن تلعب دوراً أكبر في حياة الناس، في قضايا مثل توفير التأمين الصحي. ويميل حضور مؤيدي الحزب إلى أن يكون أقوى في المناطق الحضرية من أمريكا. ومن بين الرؤساء الديمقراطيين السابقين جون إف كينيدي وباراك أوباما.

وكلا المرشحين الحاليين (ترامب وبايدن) في السبعينيات من العمر، وسيكون ترامب قد بلغ من العمر 74 عاماً في بداية ولايته الثانية إذا فاز في الانتخابات، بينما سيكون بايدن في الـ 78 من العمر وسيكون أكبر رئيس في تاريخ البلاد.

*كيف يتم تحديد الفائز؟

 

قد لا يكون الفائز دائماً هو المرشح الذي يفو ز بأغلب الأصوات على المستوى الوطني في عموم البلاد، وذلك ما حدث مع هيلاري كلينتون في عام 2016. بل يتنافس المرشحون للفوز بأصوات المجمع الانتخابي.

وقد تنافست كلينتون مع دونالد ترامب في عام 2016. وانتهى بها الأمر إلى الفوز بنحو ثلاثة ملايين صوت أكثر من ترامب، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أنها حصلت على عدد كبير من الأصوات في ولايات ذات توجه ديمقراطي قوي مثل نيويورك وكاليفورنيا. إلا أنها هزمت أمام منافسها في السباق على الترشح عند التصويت في المجمع الانتخابي بـ 304 أصوات لترامب مقابل 227 صوتا لها، لأنه فاز بعدة منافسات بهامش صغير في ولايات رئيسية.

وتحصل كل ولاية على عدد معين من أصوات المجمع الانتخابي بناءً على عدد سكانها، والعدد الإجمالي لأصوات المجمع الانتخابي هو 538 صوتاً، وبالتالي يكون الفائز هو المرشح الذي يفوز بـ 270 صوتاً أو أكثر.

هذا يعني أنه عندما يصوت شخص ما لمرشحه المفضل، فإنه يصوت في انتخابات تجري على مستوى الولاية بدلاً من المستوى الوطني العام.

*الأصوات الانتخابية المخصصة لكل ولاية
وتتمتع جميع الولايات (باستثناء ولايتين) بقاعدة “الفائز يحصل على كل شيء” ، لذلك فإن أي مرشح يفوز بأكبر عدد من الأصوات يتم منحه جميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية.

ومثل معظم الأنظمة الانتخابية الأخرى، للمجمع الانتخابي عدد من الإيجابيات والسلبيات، لكنه يحظى باحترام كبير بسبب جذوره التاريخية في تأسيس الولايات المتحدة. وعادة ما يعكس التصويت الشعبي، لكنه وصف بالفشل مرتين خلال الانتخابات الخمس الأخيرة، ومن بينها الانتخابات التي شهدت فوز ترامب في عام 2016.

وثمة استقطاب في الولايات التي يميل معظمها بشدة نحو هذا الحزب أو ذاك، ما يعني أن على المرشحين تركيز جهودهم على بضع ولايات لم تحسم ولاءها بعد لأي واحد منهما ،ويمكن لأي واحد منهما أن يفوز فيها. وتوصف هذه الولايات غير المحسومة بأنها ساحات المعركة الرئيسية لحسم التصويت.

وهذه الولايات، التي يشار إليها غالباً باسم الولايات المتأرجحة أيضاً، هي التي يتم تقسيم الناخبين فيها بالتساوي نسبياً بين الديمقراطيين والجمهوريين. كما هي الحال مع ولايتي فلوريدا وأوهايو. أما الولايات الأخرى التي كانت داعمة للحزب الجمهوري بقوة في الماضي، من أمثال أريزونا وتكساس، فباتت تعد من الولايات المتأرجحة التي سيكون التصويت فيها حاسما في عام 2020 بسبب زيادة التأييد للحزب الديمقراطي فيها.

كيف يجري التصويت ومن هم المؤهلون للمشاركة؟
يحق لك المشاركة في التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إذا كنت مواطنًا أمريكياً وتبلغ من العمر 18 عاماً أو أكثر.

في عام 2016 ، كان نحو 245 مليون شخص مؤهلين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، لكن أقل من 140 مليون شخص من اشتركوا في التصويت فعلياً. ووفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي، فإن غالبية الأشخاص الذين لم يسجلوا أسماءهم للتصويت قالوا إنهم غير مهتمين بالسياسة. أما أولئك الذين سجلوا ولكنهم لم يصوتوا في الواقع فقالوا إنهم لا يحبون المرشحين.

وقد شرع الكثير من الولايات الأمريكية قوانين تطالب الناخبين بإبراز وثائق تثبت هوياتهم قبل أن يتمكنوا من من الإدلاء بأصواتهم.

وغالباً ما يشرع الجمهوريون مثل هذه القوانين، وهم يقولون إن وجودها ضروري لضمان انتخابات خالية من التزوير. لكن الديمقراطيين يتهمونهم باستخدام هذه الوسيلة كشكل من أشكال قمع الناخبين؛ لأنه غالباً ما يكون ناخبو الأقليات الأفقر غير قادرين على تقديم بطاقات هوية تحمل صورهم كرخص قيادة السيارات مثلاً. كما أن لدى الولايات قواعد مختلفة حول ما إذا كان يمكن للسجناء التصويت، إذ أن أغلبيتهم يفقدون الحق في التصويت عند إدانتهم، لكنهم يستعيدون هذا الحق بعد قضاء مدة عقوبتهم.

ويصوت معظم الناس بشكل مباشر في مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات، لكن الوسائل البديلة للتصويت باتت في ازدياد في السنوات الأخيرة. ففي عام 2016، قام 21 في المئة من الناخبين بالتصويت عبر البريد.

وباتت طريقة التصويت قضية خلافية هذا العام بسبب جائحة كورونا، إذ يدعو بعض السياسيين إلى استخدام بطاقات الاقتراع البريدية على نطاق أوسع، لكن الرئيس ترامب يقول إن هذا قد يؤدي إلى مزيد من التزوير في الانتخابات على الرغم من عدم وجود دليل على كلامه.

ويقول منتقدون إن بطاقات الاقتراع البريدية عرضة للتزوير، وقد وقعت حوادث متفرقة من هذا القبيل شارك فيها جمهوريون وديمقراطيون، لكن العديد من الدراسات على مستوى البلاد عموما أو على مستوى الولايات فرادى لم تجد أي دليل على وجود أي تزوير واسع النطاق.

*هل تقتصر هذه الانتخابات على انتخاب من سيكون الرئيس فقط؟
لا ، سينصب كل الاهتمام على التنافس بين ترامب و بايدن، لكن الناخبين سيختارون أيضاً نوابا جُدداً في الكونغرس عندما يملأون بطاقات الاقتراع.

والكونغرس هو المؤسسة التشريعية في نظام الحكم في الولايات المتحدة، الذي يكتب مسودات القوانين ويقرها. ويتكون الكونغرس من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويخدم أعضاء مجلس النواب لمدة عامين بينما يخدم أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات وينقسمون إلى ثلاث مجموعات،الأمر الذي يعني أن ثلثهم ينتخب كل عامين.

ويسيطر الديمقراطيون فعلياً على مجلس النواب، لذا فهم يتطلعون إلى الاحتفاظ بذلك آملين في السيطرة على مجلس الشيوخ أيضاً.

إذا حصل الديمقراطيون على أغلبية في كلا المجلسين، فسيكون بمقدورهم منع أو تأخير خطط الرئيس ترامب في حال إعادة انتخابه.

وستشمل الانتخابات هذا العام التصويت على مرشحين لجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدا، فضلا عن 33 مقعداً في مجلس الشيوخ سيصوت أيضا على المرشحين للفوز فيها.

*متى تظهر نتيجة الانتخابات؟
قد يستغرق إحصاء جميع الأصوات عدة أيام، ولكن عادةً ما يعرف الفائز بشكل أولي بحلول الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

في عام 2016، صعد دونالد ترامب إلى خشبة المسرح في نيويورك في حوالي الساعة الثالثة صباحاً لإلقاء خطاب النصر أمام حشد من المؤيدين المبتهجين.

ولكن يقول المسؤولون إنهم قد يضطرون إلى الانتظار لفترة أطول، قد تكون أياماً أو حتى أسابيع للحصول على نتيجة هذا العام بسبب الزيادة المتوقعة في بطاقات الاقتراع البريدية.

وثمة طريقتان للتصويت في الولايات المتحدة، هما: الحضور الشخصي في مركز الاقتراع في يوم الانتخابات أو استخدام بطاقة الاقتراع البريدي. ولكن تختلف القواعد في كل ولاية. وتقدم جميع الولايات شكلاً من أشكال التصويت بالبريد، ولكن العديد منها تطلب منك سبباً لعدم قدرتك على التصويت الشخصي في يوم الانتخابات كي يحق لك الاقتراع بريديا. وفي الوقت الحالي، يقبل بعض الولايات مبرر الخوف من جائحة كورونا كسبب وجيه لاستخدام الاقتراع البريدي، وليس جميعها.

وكانت آخر مرة لم تتوضح فيها نتيجة الانتخابات بعد ساعات قليلة في عام 2000، إذ لم يتم تأكيد الفائز حتى صدور حكم من المحكمة العليا بعد شهر.

ففي عام 2000 ، كانت نتيجة التنافس بين المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش والمرشح الديمقراطي آل غور متقاربة جداً لدرجة أن النتيجة في ولاية فلوريدا، كانت بفارق بضع مئات من الأصوات، مما قاد إلى أسابيع من المعارك القانونية، استدعت إعادة فرز الأصوات، ولكن في نهاية المطاف تدخلت المحكمة العليا لحسم النتيجة. وقد أعلن فوز جورج دبليو بوش، بعد منحه جميع أصوات المجمع الانتحابي في فلوريدا البالغ عددها 25، وحصل على إجمالي 271 صوتاً ضمنت له الفوز. وهُزم غور الذي حصل على أصوات أكثر من بوش على المستوى الوطني.

*متى يتولى الفائز منصبه؟
إذا فاز جو بايدن بالانتخابات، فلن يحل محل الرئيس ترامب في البيت الأبيض على الفور، لأن هناك فترة انتقالية محددة لمنح الرئيس الجديد الوقت لتعيين وزراء في مجلس الوزراء ووضع الخطط.

ويؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية رسمياً في 20 يناير في حفل تنصيب الرئيس وتسلمه مقاليد الرئاسة، والذي يقام على درجات مبنى الكابيتول (الكونغرس بمجلسيه)في العاصمة واشنطن .

وبعد الحفل، ينتقل الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض لبدء دورة رئاسته التي تمتد لأربع سنوات.

*من هو جو بايدن الذي ينافس ترامب لدخول البيت الأبيض؟


يتصاعد التنافس في السباق للفوز بالرئاسة الأمريكية بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والرئيس الأمريكي الحالي الجمهوري دونالد ترامب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وكان بايدن قد حصل في أغسطس الماضي على ترشيح الحزب الديمقراطي رسميا لتمثيله في سباق التنافس للفوز بالرئاسة في الانتخابات المقبلة، بعد تصويت غالبية المندوبين الديمقراطيين في مؤتمر الحزب الوطني العام الذي جرت وقائعة افتراضيا بسبب تفشي فيروس كورونا.

ويعرف بايدن بأنه سياسي ديمقراطي مخضرم، له حضوره في السياسة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي، كما عمل نائبا للرئيس إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما للفترة من 2009 إلى 2017.

ومع اقتراب موعد الانتخابات تتسابق مؤسسات استطلاع الرأي لاستطلاع أراء الناخبين بشأن مرشحهم المفضل، وظلت معظم هذا الاستطلاعات على المستوى الوطني في الأسابيع الأخيرة تشير إلى تقدم نسبي لبايدن على الرئيس ترامب.

وعلى الرغم من أن هذه الإستطلاعات الوطنية تعدّ مؤشرات جيدة عن الشعبية التي يتمتع بها المرشح على مستوى البلاد بشكل عام، ولكنها ليست بالضرورة طريقة سليمة للتنبؤ بنتيجة الإنتخابات.

وبايدن في الـ 77 من العمر وفي حال فوزه سيصبح الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة.

ويرى بيتر بول في هذا المقال الذي كتبه عن مجمل مسيرته المهنية أنه الرجل الذي قد يحول دون بقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات اخرى.

بالنسبة إلى مؤيديه هو خبير في السياسة الخارجية وصاحب عقود من الخبرة في واشنطن وهو متحدث مقتدر صاحب لسان فصيح بمقدوره الوصول إلى الناس العاديين ورجل واجه بشجاعة مآس شخصية كبيرة عديدة.

بالنسبة لمناوئيه هو ابن مؤسسة الحكم في واشنطن وصاحب زلات لا تصدق (لديه أيضاً ميل غريب إلى شم شعر النساء) فهل يملك ما يلزم لطرد ترامب من البيت الأبيض؟

بايدن ليس غريباً عن الحملة الانتخابية، فقد بدأت مسيرته المهنية في واشنطن في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1973 (قبل 47 عاماً) وقاد أول حملة لانتخابات الرئاسة في عام 1987 (قبل 33 عاماً).

يملك القدرة على جذب الناخبين والاقتراب من قنبلة موقوتة قابلة للانفجار ليقف على بعد جملة واحدة من كارثة.

كرر خلال التجمعات الانتخابية قوله: “كان أسلافي يعملون في مناجم الفحم في شمال شرق ولاية بنسلفانيا” وأنه غاضب لأنهم لم يحصلوا على الفرص التي يستحقونها في الحياة.

لم يكن أي من أسلافه من عمال مناجم الفحم فقد سرق هذه المقولة والعديدة غيرها من خطابات السياسي البريطاني العمالي نيل كينوك الذي كان أقاربه عمال مناجم فعلاً. وكانت تلك مجرد واحدة من بين العديد مما بات يعرف باسم “قنابل جو”.

وقال عام 2012 أمام حشد كبير متفاخراً بتجربته السياسية: “يمكنني القول أنني عرفت ثمانية رؤساء، ثلاثة بشكل حميمي” مما فهم من هذا الكلام أنه مارس الجنس معهم بدلاً من كونهم مجرد أصدقاء مقربين.

وبصفته نائباً للرئيس أوباما في عام 2009 أثار الفزع لدى الناس عندما قال هناك “احتمالا بنسبة 30 في المائة أننا سنخطئ في تعاملنا مع المسألة الاقتصادية”.

وربما كان محظوطاً لأنه تم اختياره ليكون نائباً لأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة رغم أنه وصفه بأنه “أول أميركي أفريقي طليق اللسان ولامع ونظيف ووسيم”.

ورغم ذلك يحظى بايدن بشعبية كبيرة بين الناخبين السود خلال حملة الانتخابات الرئاسية الحالية ولكن في الآونة الأخيرة ظهر في برنامج محادثة في ضيافة مذيع اسود وتطور الحديث وكاد أن يقع في ورطة كبيرة بعد أن ادعى: “إذا كانت لديك مشكلة في معرفة فيما اذا كنت ستصوت لي أم لترامب ، فأنت لست أسود “.

أثارت هذه الجملة عاصفة إعلامية اجبرت فريق مستشاريه على محاولة التقليل من فكرة أن حصوله على أصوات الأمريكيين من أصل أفريقي أمر مسلم به.

من السهل أن ترى لماذا كتب صحفي في مجلة نيويورك العام الماضي أن “الكلام الذي يتحدث به بايدن دون أن يفكر مليا بما يقوله بات الشغل الشاغل لفريق حملته بأكمله ويركز على تجنبه بأي ثمن”.

ولكن هناك جانب آخر لمهاراته الخطابية في عالم يضم الكثير من الساسة الآليين الذين يتكلمون كما يملى عليهم. بايدن هو شخص حقيقي يتكلم بما هو مؤمن به.

ويقول إن التلعثم الذي كان يعاني منه في مرحلة الطفولة جعله يكره القراءة من جهاز عرض الخطابات المعد سلفاً وبدلاً من ذلك يفضل أن يتحدث من القلب.

بايدن قادر على اثارة مشاعر تجمع من العمال ذوي الياقات الزرقاء عبر خطاب مباشر وتلقائي وبعدها يختلط بالحشد فيصافح ويربت على الظهور ويلتقط صور شخصية مثل نجم روك بشعر فضي.

وقال وزير الخارجية الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي جون كيري لمجلة نيويوركر: “إنه يجذبهم ويحتضنهم معنوياً وجسدياً أحياناً”. “إنه سياسي قريب من القلب وكل ذلك حقيقي وبلا تمثيل أو تصنع”. ولكن كيف بات يشعر باللمس فعلاً أصبح مصدر متاعب ومشاكل لبايدن”.

تقدمت ثمان سيدات العام الماضي واتهمن بايدن باللمس أو المعانقة أوالتقبيل غير اللائق، وقامت القنوات الإخبارية الأمريكية بنشر مقاطع عن طريقته الشخصية اللصيقة في تحية النساء في المناسبات العامة والتي يبدو أنها تتضمن أحياناً شم شعرهن. ورداً على ذلك، تعهد بايدن بأن يكون “أكثر حرصاً” في تعاملاته مع الآخرين.

ورغم ذلك في مارس الماضي زعمت تارا ريد أنه أسند ظهرها إلى الحائط واعتدى عليها جنسياً قبل 30 عاماً عندما كانت تعمل في مكتبه..

ونفى بايدن هذا الاتهام وأصدرت حملته بياناً قالت فيه: “لم يحدث هذا على الإطلاق”.

سوف يشير الديموقراطيون الذين يدافعون عن مرشحهم الرئاسي إلى أن أكثر من اثنتي عشرة امرأة اتهمن علناً الرئيس ترامب بالقيام بإعتداءات جنسية مختلفة عليهن. ولكن هل يمكن تحويل هذه المسألة المهمة الى مجرد لعبة أرقام؟

منذ ظهور حركة #MeToo يصر الديمقراطيون بمن فيهم بايدن على أن المجتمع يجب أن يصدق النساء وأي محاولة للتهوين من الادعاءات ضده ستترك العديد من النشطاء غير مرتاحين للغاية.

وقالت ريد في مقابلة تلفزيونية حديثة: “لقد كان وكيله يقول أشياء مروعة عني وعبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

“لم يكن هو نفسه الذي يقوم بذلك. هناك قدر من النفاق لدى القائمين على حملته عندما يقولون إن الحملة آمنة، لا إنها ليست آمنة”. وقد رفضت حملة بايدن هذا الادعاء.

على الرغم من أن الأمر بات في طيات الماضي لكن أنصاره يأملون أن أسلوبه الأقل تكلفاً والأقرب الى الناس العاديين سوف يمنعه من الوقوع في الفخ نفسه مثل العديد من المرشحين الديمقراطيين السابقين للرئاسة.

فهو صاحب خبرة كبيرة في العمل السياسي في العاصمة، أمضى فيها ثلاثة عقود عضواً في مجلس الشيوخ وثماني سنوات كنائب للرئيس أوباما، لكن هذا النوع من السيرة الذاتية الطويلة غير مفيدة دائماً.

آل جور (ثماني سنوات في مجلس النواب، وثماني سنوات في مجلس الشيوخ، وثماني سنوات نائباً للرئيس بيل كلينتون) وجون كيري (28 عاماً في مجلس الشيوخ) وهيلاري كلينتون (ثماني سنوات كسيدة أولى، وثماني سنوات في مجلس الشيوخ) جميعهم لم يحققوا الانتصار على المرشحين الجمهوريين الأقل خبرة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

يأمل أنصار بايدن بأن تمكنه شخصيته المتواضعة تجنب مصير العديد من المرشحين الديمقراطيين في مواجهة الجمهوريين.

ليس من السهل ان يدعي بايدن أنه يحمل لواء التغيير لأنه منذ ما يقارب من نصف قرن في أروقة السلطة في واشنطن

أكثر من مرة أثبت الناخبون الأمريكيون أنهم يصوتون للمرشحين الذين يدعون أنهم ليسوا من افراد مؤسسة الحكم في واشنطن لكنهم يريدون الوصول إلى البيت الأبيض لتغيير المؤسسة السياسية.

وهذا أمر يكاد يكون من المستحيل على بايدن إدعاءه بعد قضاء ما يقرب من خمسين عاماً في اروقة السياسة في واشنطن، بل يمكن استخدام هذا السجل الطويل ضده.

لقد شارك بايدن في اتخاذ قرارات وكانت له مواقف بشأن كل حدث رئيسي خلال العقود القليلة الماضية وقد لا تبدو هذه القرارات محبذة كثيراً في المناخ السياسي الحالي.

في سبعينيات القرن الماضي انحاز بايدن إلى رافضي الاختلاط في الولايات الجنوبية في معارضة نقل الأطفال البيض والسود في حافلات مشتركة من أجل الاسراع في الاندماج بين البيض والسود في المدارس العامة. وقد استخدم هذا الموقف مرارا ضده خلال هذه الحملة.

يحب الجمهوريون الإشارة إلى موقف وزير الدفاع في إدارة الرئيس أوباما روبرت غيتس من بايدن إذا وصفه بقوله: “من المستحيل ألا يحب المرء بايدن، ولكنه كان “مخطئاً في كل قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي الرئيسية تقريباً على مدار العقود الأربعة الماضية”.

وعلى بايدن توقع سماع هذا الموقف مرارا خلال الحملة الانتخابية.

للأسف أحد الأسباب التي تجعل بايدن يبدو أقل بعداً عنا مقارنة بغيره من الساسة أنه مر بالتجربة الوحيدة التي تؤثر علينا جميعاً ألا وهو الموت.

فبينما كان يستعد لأداء اليمين الدستورية بعد وقت قصير من فوزه بأول انتخابات لمجلس الشيوخ توفيت زوجته نيليا وابنته نعومي في حادث سير إضافة إلى إصابة ولديه بو وهانتر.

توفي بو لاحقاً بسبب ورم سرطاني في المخ في عام 2015 عن 46 سنة. إن فقدان بايدن للكثيرين من المقربين منه عندما كانوا في سن مبكرة جعله قريبا من العديد من الأمريكيين إذ أكد ذلك أنه على الرغم من مكانته السياسية وثرائه فإنه واجه مآسي مثل غيره من الامريكيين العاديين. لكن بعض جوانب حياته العائلية مختلفة تماما فيما يتعلق بابنه هانتر.

أصبح هانتر محامياً ويدير جماعة ضغط قبل أن تخرج حياته الشخصية عن سيطرته. أشارت زوجته الأولى إلى تعاطيه المخدرات والكحول ونوادي التعري في أوراق الطلاق، وتم طرده من قوات الاحتياط في البحرية الأمريكية بعد أن كشفت الاختبارات تعاطيه للكوكائين.

واعترف هانتر لمجلة نيويوركر أنه حصل على حجر ألماس من أحدة كبار رجل أعمال صيني متنفذ يعمل في مجال الطاقة والذي تم التحقيق معه لاحقاً من قبل سلطات بكين بتهم الفساد.

جمع هانتر بين طريقة حياة شخصية علنية صاخبة ومليئة بالأحداث من جهة (في العام الماضي تزوج من زوجته الثانية بعد أسبوع واحد من مقابلتها) وكسب مبالغ كبيرة من المال من جهة أخرى وهو ما جعل والده مادة لعناوين أخبار سلبية.

قد يتعاطف العديد من الأمريكيين مع شخص يعاني من مشاكل الإدمان على المخدرات لكن توليه رغم ذلك وظائف تدر عليه مبالغ طائلة يؤكد مدى اختلاف فرص الحياة بالنسبة لأبناء النخبة السياسية أمثال بايدن مقارنة مع الاناس العاديين..

من بين الأعمال المجزية التي تولاها هانتر كان عمله في أوكرانيا الأمر الذي شجع الرئيس ترامب على الطلب من رئيس اوكرانيا البلاد التحقيق في عمل هانتر هناك بشبهة فساد.

أدت المكالمة الهاتفية بين ترامب ونظيره الأوكراني إلى مساءلة ترامب من قبل مجلس الشيوخ لكن محاولة عزله باءت بالفشل بسبب الاغلبية التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس الشيوخ، وكانت مناورة سياسية ما كان بايدن يرغب بالتورط فيها.

إذا ثبت تورط بايدن في أي فضيحة خارجية سيكونذلك مدمراً لفرص فوزه في الانتخابات لأن إحدى نقاط قوته هي خبرته الدبلوماسية. وقد كان سابقاً رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وتفاخر بأنه “التقى بكل زعيم دولي كبير في السنوات الـ 45 الماضية”.

في حين أن هذا يطمئن الناخبين بأنه يمتلك خبرة ليصبح رئيساً لكن من الصعب التنبؤ بمدى أهمية هذه الخبرة في استمالة الناخبين. مثل الكثير من سياساته يمكن وصفه بأنه معتدل في توجهاته الخارجية.

صوت ضد حرب الخليج عام 1991 ثم لصالح غزو العراق عام 2003 لكنه أصبح لاحقاً من كبار منتقدي تورط بلاده في غزو العراق.

وبطبيعة الحال نصح أوباما بعدم شن عملية القوات الخاصة التي قتلت أسامة بن لادن في باكستان.

ومن المفارقات أن زعيم القاعدة لم يفكر كثيراً في بايدن. وكشفت الوثائق التي حصلت عليها وكالة المخابرات المركزية من مخبأ بن لادن وأفرجت عنها أن الأخير أمر أنصاره باستهداف أوباما وليس نائب الرئيس آنذاك لأنه كان يعتقد أن “بايدن غير مناسب تماماً لهذا المنصب وسيقود الولايات المتحدة إلى أزمة لو وصل إلى الرئاسة “.

لا تروق العديد من وجهات نظر بايدن كثيراً للناشطين الشباب في الحزب الديمقراطي الذين يفضلون الآراء المناهضة بشدة للحرب لأمثال بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن لكنه مسالم أكثر من اللازم بالنسبة للعديد من الأمريكيين الذين هللوا لخطوة ترامب الامر بتصفية الجنرال قاسم سليماني في غارة بطائرة بدون طيار اوائل هذا العام.

الكثير من برنامجه السياسي يسير على نفس المنوال وليس من المرجح أن يثير حماسة اغلبية الناشطين الديمقراطيين لكنه معتدل بما فيه الكفاية كما يأمل للوصول إلى الناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون.

وفي نوفمبر المقبل ليس على الناس الإدلاء بأصواتهم بحماس بل عليهم فقط التصويت لصالحه.

*كل شيء أو لا شيء

تضع استطلاعات الرأي بايدن في مقدمة الرئيس ترامب بنحو خمس إلى عشر نقاط في السباق إلى البيت الأبيض لكن الانتخابات لا تزال بعيدة وستكون هناك بالتأكيد العديد من المعارك المريرة.

وقد تواجه المرشحان بالفعل حول الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تنديداً بعنف الشرطة ضد الأمريكيين السود ومعالجة البيت الابيض لأزمة تفشي فيروس كورونا.

وحتى أقنعة الوجه أصبحت قضية سياسية حيث يبدو بايدن غالباً مرتديا قناعاً للوجه في الخارج، بينما اتخذ ترامب الموقف المعاكس.

إذا فاز بايدن فستكون تتويجاً لمسيرة سياسية طويلة ومليئة بالأحداث وإذا خسر فسوف يمنح أربع سنوات أخرى لرجل يعتقد أنه “غير مؤهل بتاتاً ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية”، لشخص “غير جدير بالثقة” ببساطة.

قال بايدن قبل بضع سنوات عندما كان يفكر بدخول السباق الرئاسي عام 2016: “يمكنني أن أموت سعيداً دون أن أكون رئيساً” لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد الآن.
وكالات