التدخلات الخارجية تؤجج نار الصراع في ليبيا..
(السياسية) نجيب هبة :
أصبحت ليبيا مسرحا للتدخلات الأجنبية وتحولت إلى ساحة حرب بالوكالة بامتياز بين اللاعبين الإقليميين والدوليين وهو مايشكل عقبة كبيرة في طريق محاولات الليبيين للبحث عن حالة اتفاق لأجل إحلال السلام في بلادهم وتجنيب الشعب الليبي مزيدا من ويلات الحرب والدمار.
وتعمل التدخلات الخارجية دائماً على تأجيج نار الصراع وإذكاء الفتنة .. فكلما ظهرت بوادر اتفاق تأتي مصالح القوى الاقليمية المتناقضة لتقضي على تلك البوادر وتعيد عجلة الصراع في هذا البلد إلى المربع الأول..
ففي هذا السياق تدخلت تركيا لدعم “حكومة الوفاق الوطني” الليبية المعترف بها دوليا والمنبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، والذي أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا..
وعلى الطرف الآخر تدعم كل من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا “الجيش الوطني الليبي” الذي يعد فصيلا سياسيا ويتألف من القوات البرية والقوات الجوية التي كانت جزءا من الجيش الوطني للبلاد الذي تأسس بعد الحرب الأهلية عام 2011 ولكن تغيرت وضعيته عام 2014 حينما أصبح فصيلًا سياسيًا تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر.
وترفض هذه الدول قبول فكرة استحالة الحل العسكري في ليبيا محولة هذا البلد إلى مسرح للتدخلات الخارجية.
معركة دون نهاية
واشتدت في الفترة الأخيرة المعارك بين الطرفين على أبواب العاصمة طرابلس بعد مرور نحو عام على هجوم قوات حفتر عليها.. وقالت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية في مقال تحت عنوان ”معركة طرابلس: ذكرى سنة لمعركة دون نهاية”، إنه مضى 365 يوماً منذ إطلاق المشير خليفة حفتر ما سماه معركة تحرير طرابلس من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
وأوضحت أن أي من الطرفين لم ينجح في حسم المعركة لصالحه.. مشيرة إلى أن الوضع القائم بعد سنة من المعارك يؤكد أنه ليس هناك حل عسكري للنزاع القائم كما يؤكد علي بن سعد وهو أستاذ في المعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية.
وقالت ليبراسيون أن حكومة الوفاق الوطني وقعت مع تركيا اتفاقية تعاون عسكري يوم 27 فبراير سمحت للأخيرة بإيفاد خبراء عسكريين إلى طرابلس. وتنقل الصحيفة عن مراقب في طرابلس أن الحضور الأجنبي بات تأثيره في ليبيا أقوى من تأثير أطراف النزاع الليبي أنفسهم.
وفي 31 مارس أطلق الاتحاد الأوروبي عملية عسكرية جديدة في حوض البحر المتوسط تحت مسمى “السلام” للسهر على احترام قرار حظر تصدير السلاح.. ويرى كثيرون أن مهمة “السلام” الأوروبية ستكون جزئية وخاصة بسبب ما سموه “لوبي باريس” الداعم للمشير خليفة حفتر الذي التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه يوم 9 مارس الماضي دون نشر فحوى اللقاء.
إذ يقول الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية وولفرام لاشير إن “سبب استمرار النزاع في ليبيا هو مواصلة القوى الأجنبية تصفية حساباتها داخل ليبيا وعدم بذل الغرب جهودا كافية لوقف تدخل تلك القوى”.
تبادل اتهامات
وفي سياق الاتهامات المتبادلة ، طالب المتحدث باسم قوات الوفاق محمد قنونو في الذكرى الأولى لهجوم “حفتر” على طرابلس، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته من خلال ملاحقة الدول الداعمة له و”الكف عن تجاهل خروقاته للقوانين وحقوق الإنسان، والكف عن التعامل معه باعتباره طرفا شرعيا في صراع سياسي”.
وعلى الطرف الآخر نقلت صحيفة البيان الإماراتية عن مصدر عسكري ليبي اعتباره “أن التدخل التركي في ليبيا تحوّل إلى غزو مباشر عبر استخدام الطائرات المسيرة لقصف شحنات الوقود والدواء والمؤونة المتوجهة لمدن وقرى المنطقة الغربية، وتوسيع دائرة العدوان إلى مناطق عدة، في ظل انشغال العالم بأزمة انتشار فيروس كورونا”. وأضاف المصدر أن “النظام التركي بات يستعمل مقدرات الناتو في مهاجمة الأهداف الحيوية، وفي تدمير البنية التحتية وترهيب المدنيين بالمناطق الداعمة للجيش”.
أما بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، فجددت مناشدتها جميع الأطراف وقف العمليات العسكرية، وتفعيل الهدنة الإنسانية فورا، لإتاحة المجال للسلطات من أجل التصدي لخطر كورونا.. مضيفة أن هجوم قوات حفتر على طرابلس تسبب بمقتل 356 مدنيا وإصابة 329 آخرين حتى مارس الماضي فضلًا عن الأضرار المادية.
وتعتبر استقالة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، وهي الاستقالة السادسة لمبعوثين أمميين إلى ليبيا، انعكاس واضح لصعوبة وتعقيد مهمتهم وبالضرورة تأكيد على صعوبة الأزمة الليبية.
حرب بالوكالة
من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لصحيفة القدس العربي “هدفي الآن هو وقف إطلاق النار الذي تم التوافق عليه بين الطرفين لكن لم يتم التوقيع عليه”..
وأضاف غوتيريش “دعوتي لوقف الحرب ليست موجهة فقط للطرفين المتنازعين بل للأطراف المعنية التي تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وحولت الحرب إلى نوع من حروب الوكالة أدعو هؤلاء جميعا لوقف الحرب فورا”.
وفي تقرير لها لخصت وكالة الصحافة الفرنسية ما تشهده ليبيا بأنها “حرب استنزاف على أبواب العاصمة طرابلس، وقتال مميت وعشرات آلاف النازحين وتوقف إنتاج النفط.. وتضاف إلى هذا كله اليوم جائحة (كوفيد-19)”.. مبدية التخوف من أن “يكون الآتي أعظم”.
حرب مواقع
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحلل جلال الحرشاوي من معهد كلينغنديل في لاهاي قوله “نحن ببساطة نشهد على إبادة أمة”. ففي 4 أبريل 2019، اندلعت حرب العاصمة بين قوات الجيش بقيادة المشير حفتر، وقوات الجيش التابعة لحكومة الوفاق، ورأت الوكالة الفرنسية أن “حفتر لم يتمكن من تحقيق هجوم خاطف كما وعد في أعقاب تقدمه في جنوب ليبيا، وتحول القتال إلى حرب مواقع على أبواب العاصمة الليبية التي تعد مليوني نسمة”.
وسلطت “فرانس برس” في تقرير لها الضوء على تفاقم الحرب مع التدخل المسلح الخارجي لصالح طرفي القتال واستقالة المبعوث الأممي غسان سلامة في مطلع مارس، مشيرة إلى أن هذه الاستقالة جاءت “بعد فشل محاولاته لتهدئة الأوضاع في البلد النفطي الغارق في الفوضى منذ العام 2011”.
وقالت “فرانس برس” أن “التدخل التركي تجسد بتوقيع أنقرة مذكرة تفاهم عسكرية وأمنية مع حكومة الوفاق الوطني، وأرسلت تركيا مئات المقاتلين السوريين الموالين لها إلى ليبيا”. ويضيف الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن، ولفرام لاتشر، إلى ذلك “دعم الجماعات المسلحة في غرب ليبيا، بما فيها الموجودة في مصراتة، والتي تريد منع حفتر من الاستحواذ على السلطة”.. وفي المقابل رأت أن “مؤيدي حفتر يلجؤون إلى سلاح النفط عبر إبقاء المواقع الرئيسية مغلقة. ونتيجة لذلك، توقف الإنتاج تقريباً لتُحرم البلاد من مصدر دخلها الفعلي الوحيد”.
وأشار تقرير الفرنسية إلى إعلان حكومة الوفاق هجوما مضادا أطلقت عليه اسم “عاصفة السلام”، واشتد نتيجته القتال جنوب طرابلس وشرق مصراتة.. مضيفا أن هذا الهجوم يأتي “على الرغم من الخطر الجديد المتمثل بفيروس كورونا المستجد وهدنة كان اتفق عليها الطرفان”. وقال الحرشاوي إن “مكافحة الجائحة فاقمت التصعيد عبر صرف انتباه المجتمع الدولي عن ليبيا”.
من جانبه لخص سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند موقف بلاده من الأزمة الليبية في “إنهاء القتال فورًا، وانخراط الأطراف في عملية المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن الحكومة الأميركية “على تواصل مع حكومة الوفاق ومع القوات المسلحة العربية الليبية وجميع الأطراف في مسعى للتمكّن من تحقيق ذلك”.
وقال نورلاند في حوار أجرته معه جريدة الوسط الليبية إن أزمة جائحة “كورونا” زادت من الحاجة الملحة إلى هدنة إنسانية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق تقدُّم على مستوى مسوَّدة وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض بشأنه في اجتماعات لجنة “5+5”.. ودعا الأطراف الخارجية التي قدَّمت تعهدات في مؤتمر برلين، إلى الوفاء بتلك التعهدات، معربًا في الوقت نفسه عن شعوره بـ”إحباط كبير”، لأنها لم تفِ إلى حد الآن بتعهداتها.
يقول جلال الحرشاوي إن “عجز تحالف حفتر عن دخول طرابلس أتاح للحكومة التركية برئاسة رجب طيب إردوغان لزيادة نفوذها في العاصمة الليبية”.
مما لاشك فيه أن حل الأزمة في ليبيا يتطلب ممارسة ضغوط قوية على الدول المتدخلة.