السياسية  :  نجيب هبه

اختار ولي العهد السعودي التوقيت الخاطئ لاشعال حرب اسعار النفط مع القيصر الروسي..

المستجدات الدولية وبالتحديد الآثار الكارثية لفيروس كورونا على حركة الاقتصاد والنقل العالمي سرعان ما غيرت معادلة هذه الحرب وجعلت من كل الدول المستوردة للنفط ساحة لهذه المعركة بعد ان تم تجميد حركة النقل والملاحة الدولية بصورة كاملة بما في ذلك الرحلات الجوية والشحنات التجارية العملاقة.

ما لاشك فيه أن خوض السعودية لغمار هذه الحرب النفطية التي قامرت فيها مع الدب الروسي لم تكن أبدا محسوبة العواقب وإنما كانت بإيعاز من الحليف الأمريكي الذي استطاع ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. فمن ناحية اقتصادية تقوم شركات انتاج النفط الصخري الأمريكي بزيادة انتاجها كلما اندلعت حرب أسعار نفط بين الدول المصدرة.. وسياسيا اراد ترامب الانتقام من روسيا التي تصاعد دورها وتأثيرها السياسي والعسكري وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط.

ما يؤكد اتجاه السعودية السريع نحو الخسارة في هذه الحرب ووقوعها في الحفرة التي حفرتها لغيرها هو اعتبار الرئيس الأمريكي أن حرب أسعار برميل النفط التي تدور بين الرياض وموسكو “أمر مدمر للغاية بالنسبة إلى روسيا وهو كذلك سيء جداً للسعودية” وأنه سيتدخل “في الوقت المناسب”.

وبالرغم من حزمة التحفيز الاقتصادي الأمريكية الهائلة التي أقرها مجلس الشيوخ بقيمة تريليوني دولار إلا أن أسعار النفط استمرت بالانخفاض بسبب نقص الطلب العالمي الناتج عن تداعيات انتشار فيروس كورونا.. وينخفض الطلب على المنتجات النفطية في أنحاء العالم خاصة وقود الطائرات إذ تعلن المزيد من الحكومات عن عمليات عزل شاملة على كل المستويات  لكبح انتشار الفيروس.

من جانبه انتقد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول دور السعودية وروسيا في الهبوط الحالي لأسعار النفط لاسيما والعالم  يواجه جائجةً تهدد اقتصاده بشكلٍ كلّي.. وقال إن الرياض تسيء إلى نفسها عندما تختار إغراق السوق رغم تراجع الطلب على الخام، وهي تقوم بذلك لاعتبارات سياسية ودبلوماسية.

وأضاف بيرول – حسب وكالة رويترز – أن مواطني العالم “سيتذكرون أن قوى كبرى لديها سلطة إرساء استقرار الاقتصاد في فترة وباء غير مسبوق قررت عدم ممارسة ذلك والتاريخ سيحكم عليها”.

وفي تأكيد على الاملاءات الأمريكية للسعودية أكدت الخارجية الأميركية أن بومبيو أبلغ ولي العهد السعودي أن لدى المملكة فرصة حقيقية للارتقاء إلى مستوى الحدث، وطمأنة أسواق الطاقة والمال العالميين في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي الخطير.. أم أن هذا التصريح مناورة جديدةٌ لها مابعدها في حسابات “ترامب”.

في خضم التطورات الاقتصادية السياسية المتسارعة تبدو السعودية خاسرا كبيرا مما يحدث حتى مع تعويلها على اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي من النفط إلا أنه غاب عن صانع القرار هناك أنها تعتمد على عائدات النفط بنسبة 90% بينما تتنوع مصادر الدخل غير النفطية لدى روسيا..

وتوقع الرئيس التنفيذي لمجموعة فيتول العالمية لتجارة النفط أن يفقد الطلب على النفط ما يتراوح بين 15 و20 مليون برميل يوميا على مدى الأسابيع القليلة القادمة.. كما توقع أن تنزل أسعار النفط أكثر حيث “أن توقف الطلب يضرب الأسواق الآن”.

وتأتي معظم توقعات المؤسسات الاقتصادية والنفطية العالمية لتؤكد أن مستقبلا غامضا ومظلما ينتظر صناعة النفط على المدى القريب والمتوسط.. وبالأحرى فان هذا الغموض ينتظر الدول المعتمدة كليا على النفط وعائداته وعلى رأسها السعودية التي أثبتت أنها لم تعد الملاذ الآمن لثبات اقتصاديات هذه الدول وأنها لن تكون بمنأى عما يحدث.

وما يزيد من قتامة الصورة أن نقص الأسعار مستمر حتى قبل دخول شهر ابريل وهو الموعد الذي حددته السعودية لزيادة الإنتاج اليومي من النفط وتخفيض سعر برميل نفطها ب8 دولارات.. مايجعل الصورة أكثر سوداوية للرياض التي تعتقد انها في طريقها للضغط الكبير على موسكو لكن ما يبدو هو العكس ولذا بها تضغط كثيرا على ذاتها..

في هذا السياق قالت صحيفة “لاتريبون” الفرنسية إن هبوط سعر برميل النفط إلى ما دون 20 دولارا لن يمر بدون عواقب.. وأرجعت هذا التدهور السريع منذ يناير الماضي إلى صدمة مزدوجة : صدمة طلب تفاقمت بسبب تأثير وباء كورونا على الاقتصاد، وصدمة إمداد بسبب الصراع بين السعودية وروسيا.

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن السعودية لا تخسر مالا إذا باعت النفط بسعر 20 دولارا للبرميل لأن إنتاجه لا يكلفها سوى 2.80 دولار، إلا أن حكومتها تحتاج إلى سعر برميل يزيد عن 80 دولارا لموازنة ميزانيتها وتنفيذ خططها الطموحة لتنويع الاقتصاد.

أما بالنسبة لروسيا حيث تكاليف الإنتاج أعلى بكثير من 20 دولارا، فإنها يمكن أن تقوم بموازنة الميزانية بسعر يتراوح بين 40 و50 دولارا للبرميل.

بدوره تنبأ صندوق النقد الدولي بأن معظم الدول الخليجية قد تواجه الإفلاس في عام 2034 بسبب تراجع استهلاك النفط إلى حدوده الدنيا مرجعا ذلك الى توقف إنتاج السيارات المعتمدة عليه كليا، واللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة مثل الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.

وإذا أضفنا إلى ذلك حالة الركود الراهنة والنقص الحاد في الطلب على النفط بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقديم موعد هذا  الإفلاس المحتمل.

وتأكيدا على تعدد جوانب الخسارة السعودية تأتي رؤية بن سلمان 2030 لتنويع مصادر الدخل كإحدى أهم المشاريع المهددة نتيجة انخفاض أسعار النفط حيث تحتاج مدينة “نيوم” الترفيهية المقرر إنشائها على ساحل البحر الأحمر إلى استثمارات بنحو 500 مليار دولار.. وهو ماستعجز الحكومة السعودية عن توفيرها نتيجة الخسائر الهائلة التي تتكبدها جراء الانخفاض المزدوج لأسعار النفط والطلب عليه.. وحالة الشلل الاقتصادي والسياحي التي تضرب السعودية بسبب الكورونا وبالتالي فإن “رؤية 2030” مهددة بالتأجيل وربما الإلغاء وسط تداعيات مايمكن أن نعتبره ركودا عالميا.

تأتي هذه الوقائع الاقتصادية السلبية والمدمرة للاقتصاد السعودي لتؤكد على السياسات الارتجالية والفاشلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يستمر في قيادة بلاده والمنطقة برمتها نحو الهاوية.. و

يبدو ان حسابات “بن سلمان” الخاطئة اضافة الى “الفيروس المستجد” الذي اوقف عجلة الزمن في الاقتصاد العالمي ستوقع السعودية قريباً في حفرة الانتكاسة الاقتصادية التي حفرتها للروس كي يقعوا فيها..!