السياسية – نصر القريطي:

بعد ان ضغط الجميع على زناد التصعيد العسكري في العراق يبدو ان واشنطن هي اول من ستعيد حسابات تواجد قواعدها في البلاد التي شهدت على مر الأشهر الماضية موجةً رافضة للوجود العسكري الامريكي على الصعيدين الشعبي والرسمي ..

الرصاصة الاولى لهذه المعركة المصيرية التي خرجت من فوهة المسدس الامريكي يبدو انها لن تجد طريقها للعودة الى ما كانت عليه قبل الـ(الثالث من يناير 2020) فمسلسل الردود على عملية اغتيال قائد فيلق القدس الايراني ونائب قائد الحشد الشعبي لم تتوقف عند القصف الايراني للقواعد الامريكية في العراق ولن تتوقف عند القصف الذي تعرض له معسكر التاجي قبل ايام.

في احدث تداعيات هذه المعركة الوجودية بالنسبة للعراقيين وحلفاءهم الاقليميين ذكرت شبكة “بي بي سي” الاخبارية بنسختها الفارسية أن الجيش الأمريكي سينسحب في الأسابيع المقبلة من قاعدة القائم إضافةً إلى قاعدتين عسكريتين أخريين له في العراق..

طيلة الفترة السابقة والتي تخللتها مطالبات رسمية وبرلمانية وشعبية بخروج القواعد الاجنبية من العراق حاولت واشنطن تصوير وضع قواتها في بلاد الرافدين وكأنها تمر بسحابة صيفٍ عابرة وان التحالف الدولي هناك لن يتأثر بالمعركة بين واشنطن وطهران من جهة وبين العراقيين وواشنطن من جهة ثانية..
لكن الحقيقة ان تهديد الوجود العسكري الامريكي في العراق بات هو السمة الابرز لكل التحركات في القواعد الامريكية هناك..

ويشير قرار واشنطن بالانسحاب من 3 من أصل 8 قواعد لها في العراق إلى أن الولايات المتحدة تتجه نحو تقليص حضورها العسكري بشكل كبير هناك بخلاف ما سعت واشنطن لترويجه اعلامياً بزيادة تعاونها العسكري مع الحكومة العراقية او بقاءه على ماهو عليه على الاقل..

تؤكد واشنطن بأن الانسحاب من ثلاث قواعد عسكرية بالعراق يقف خلفه المخاوف الأمنية والتهديدات التي باتت تتعرض لها تلك القواعد التي وصفتها بأنها صغيرة وأقل استراتيجية..
ويؤكد المتحدث باسم القيادة الوسطى للجيش الأمريكي بأن الانسحاب سيتم إلى قواعد أكبر في العراق والكويت..

بدوره نفى مسؤول في التحالف الدولي بالعراق لوكالة الأنباء الفرنسية أن تكون عملية إعادة الانتشار رضوخاً أمام تصاعد الهجمات الصاروخية ضد القوات الأميركية..

إلى ذلك تحاول واشنطن الضغط على بغداد لحماية قوادها العسكرية هناك ففي بيانٍ أصدرته الخارجية الأمريكية قالت المتحدثة باسمها “مورجان أورتاجوس” أن الوزير الأمريكي مايك بومبيو طالب رئيس الوزراء العراقي بأن تدافع بغداد عن قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق..

كل ما يجري على الأرض في العراق وفي دوائر السياسية والحكم العراقيين يؤكد بأن الوجود الأمريكي في العراق لم يعد مرغوباً به والبيت الأبيض والبنتاجون هما أكثر من يدرك هذه الحقيقة لذا فإن واشنطن تحاول أن تسوي ملفاتها في افغانستان والمناطق الأخرى لتتفرغ لهذا التهديد الوجودي لقواتها في الشرق الأوسط..

ستستمر الهجمات الصاروخية الصغيرة على القواعد الأمريكية لكن تأثيرها سيكون أكبر في المستقبل في ظل رفضٍ شعبيٍ ورسميٍ عراقي لهذا التواجد العسكري الأمريكي الذي بات مهدداً أكثر من أي وقتٍ مضى..
الى ذلك الحين ستستمر واشنطن في مناوراتها لمحاولة فرض معادلةٍ عسكرية أمريكية جديدةٍ في العراق والمنطقة الأمر الذي يبدو أنه لم يعد متاحاً كما كان في العقود الماضية.