السياسية:


في مرحلة إقليمية شديدة الحساسية، تتداخل فيها الحروب المفتوحة مع الصراعات الاستخباراتية، ويُعاد فيها رسم خرائط النفوذ والردع، يبرز اليمن بوصفه إحدى أكثر ساحات الاشتباك تعقيدًا وتأثيرًا. فبعد عقدٍ كاملٍ من العدوان والحصار، لم تعد المواجهة مقتصرة على الميدان العسكري، بل امتدت إلى الأمن القومي، والاقتصاد، والوعي الجمعي، ومسار التسويات السياسية، فضلًا عن موقع اليمن المتقدم ضمن محور المقاومة.

في حوار خاص أجراه موقع الخنادق مع عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح، تُطرح مقاربة شاملة لطبيعة الحرب المفروضة على اليمن، من خلال قراءة معمّقة للحرب الاستخباراتية وكشف شبكات التجسس، وتداعياتها على الجبهة الداخلية، والتحركات العسكرية في المحافظات المحتلة، إضافة إلى تقييم مسار التسوية السياسية المعطّل بفعل الموقف السعودي–الأميركي.

ويتناول الحوار دور الحراك الشعبي والقبلي في معادلة الصمود والردع، والشراكة العسكرية الأميركية–السعودية، واحتمالات توسّع المواجهة إقليميًا، وصولًا إلى ملامح الاستراتيجية الوطنية لمرحلة ما بعد الحرب، في ظل تحولات كبرى تشهدها المنطقة.

المحور الأول: الأمن القومي والحرب الاستخباراتية

س1: كيف تقيّمون الكشف الأخير للخلية التجسسية المرتبطة بالأجهزة الأميركية والإسرائيلية والسعودية؟ وما الدلالات الاستراتيجية لهذا الكشف على تحصين الأمن اليمني، خصوصًا في ظل الاعترافات المتبادلة حول نشاط الاستخبارات المعادية في المنطقة؟

الكشف الأخير للخلية التجسسية المرتبطة بالأجهزة الأميركية والإسرائيلية والسعودية يؤكد أن المعركة في اليمن لم تكن يومًا عسكرية فقط، بل هي معركة أمنية واستخباراتية بامتياز.

وما كُشف ليس مجرد عملية أمنية ناجحة فحسب، بل هو علامة فارقة في مسار المواجهة الاستخباراتية التي تُفرض على اليمن منذ عشرة أعوام. نحن أمام خلايا كانت تعمل ضمن منظومة استخباراتية معقّدة تتداخل فيها أطراف دولية وإقليمية، وكانت تأمل – عبر أموالها وأدواتها – أن تتمكن من اختراق النسيج الوطني وإضعاف معنويات الجبهة الداخلية.

لكن ما حدث كان العكس تمامًا؛ فقد أثبتت الأجهزة الأمنية اليمنية – مرة بعد مرة – أنها امتلكت الخبرة، والاستخبارات المضادة، والوعي الأمني العميق الذي يمكّنها من تفكيك أخطر الشبكات وأكثرها سرية.

هذه العملية رسالة واضحة للعالم بأن اليمن، رغم الظروف والحصار، استطاع بناء جهاز أمني محترف لا يقل كفاءة عن أكبر أجهزة الاستخبارات في المنطقة. وهي كذلك رسالة للعدو بأن رهانه على الاختراق الداخلي قد سقط إلى الأبد، وأن المعركة لم تعد كما يتصورون سهلة أو ممكنة عبر أدوات سرية.

أما دلالاتها الاستراتيجية، فالدلالة الأولى هي أن العمق اليمني أصبح أصعب استهدافًا وأكثر منعة، والثانية أن العدو بات يعلم أن كل خطوة يقوم بها هي تحت المراقبة، وأن رهانه على عملاء الداخل فشل، رغم كل ما يضخّه من أموال وتقنيات.

س2: ما طبيعة التهديدات الاستخباراتية التي يواجهها اليمن اليوم؟ وكيف تتعامل الأجهزة المختصة مع هذا المستوى من الاختراق، خاصة مع تزايد المعلومات حول نشاط خبراء عسكريين أجانب في إدارة غرف العمليات التابعة للتحالف؟

اليمن يواجه اليوم حربًا استخباراتية متعددة المستويات، لا تأتي فقط من خصم واحد، بل من غرف عمليات دولية مشتركة تتشارك فيها واشنطن وتل أبيب والرياض ولندن وأبو ظبي وأطراف أخرى.

نحن لا نتعامل مع خصم محلي أو إقليمي، بل مع مشروع استخباراتي دولي يستهدف القرار السياسي، والسيادة، والثروة، والجبهة الداخلية معًا. التهديد لم يعد مجرد تجنيد أفراد أو مراقبة أنشطة، بل أصبح محاولة لخلق بيئة اختراق شاملة تستهدف المجتمع، والاقتصاد، والقرار السياسي، وحتى الوعي العام.

فالعدو يشن حربًا شاملة حتى على الزراعة، ويسعى للاختراق الاقتصادي والسياسي، ويستغل وسائل الإعلام والمجالس العامة لاستهدافنا بالحرب الإعلامية، من حملات دعائية إلى تشويه، ونشر شائعات، وتضخيم أي حدث، واستغلال أي خطأ.

لكن ما أستطيع تأكيده هو أن اليمن اليوم أكثر يقظة من أي وقت مضى. والأجهزة الأمنية لم تعد في مرحلة رد الفعل، بل أصبحت في مرحلة الضبط المسبق؛ أي أنها تراقب، وتتابع، وتستنتج، وتفكك قبل أن يتحرك الخطر.

وتتابع حركة العناصر المشبوهة، وتحول أي خرق يتم كشفه إلى فرصة لتعزيز الوعي الشعبي بخطورة الحرب الناعمة.

والرسالة للعدو واضحة: مهما رفع مستوى الخبراء الأجانب، فبيئتنا اليوم أكثر وعيًا وصلابة من أن تُخترق بسهولة.

كما أن وعي الشعب اليمني، وتعاونه مع الأجهزة المختصة، أصبح ركنًا أساسيًا في إفشال هذه العمليات، وهذا ربما ما لم تتوقعه الأجهزة المعادية: أن الشعب نفسه أصبح جزءًا من الأمن القومي، لا مجرد متلقٍ للأحداث.

س3: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا الإنجاز الأمني على مسار التحركات العسكرية للعدو داخل المناطق المحتلة؟ وهل يُتوقع أن يُعيد العدو حساباته بعد انكشاف منظومات التجسس في العمق اليمني؟

بلا شك، العدو اليوم يتحرك بحذر شديد؛ لأنه أصبح يعلم أن اليمن لا يواجهه فقط بالسلاح، بل يواجهه بمنظومة أمنية ناضجة تراقب كل شيء، وتفكك كل خيط، وتعرف مواضع أقدام العدو.

هذا الإنجاز الأمني ترك أثرًا مباشرًا على مسار تحركات العدو في المناطق المحتلة؛ لأن أي قوة عسكرية تريد أن تتحرك تحتاج أولًا إلى مظلة استخباراتية آمنة، وحين تنهار هذه المظلة أو تُخترق، يصبح العمل العسكري مغامرة مكلفة، ولو كان خصمك قويًا، فبدون معلومات يصبح مجرد فيل أعمى.

بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فالعدو اليوم مضطر لإعادة الحسابات؛ لأنه أدرك أن اليمن لا يملك فقط قوة صاروخية وبحرية، بل يملك أيضًا عقلًا أمنيًا قادرًا على الوصول إلى عمق غرف التحكم التي كان يظنها بعيدة عن متناول اليمنيين.

والأهم من ذلك أن العدو أصبح يدرك اليوم أن أي مغامرة جديدة قد تُواجَه بمفاجآت لم يكن يتوقعها؛ مفاجآت على مستوى الرد العسكري، ومفاجآت على مستوى الجبهة الداخلية التي لم يعد بالإمكان اختراقها.

س4: أثار تصريح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، حول الدور التدريبي للشهيد القائد الطبطبائي في اليمن لمدة تسع سنوات، جدلًا واسعًا؛ كيف تفسرون التفاعل الإقليمي مع هذا التصريح؟ وما انعكاساته على فهم طبيعة المعركة التي يخوضها اليمن ضمن محور المقاومة؟

تصريح سماحة الشيخ نعيم قاسم لم يفاجئنا نحن في صنعاء؛ لأننا لم نكن في حرب أهلية، فقد كنا نواجه إمبراطوريات عسكرية ومالية على رأسها أميركا وبريطانيا والسعودية، ونواجه عدوًا للمسلمين جميعًا وليس عدوًا لليمن.

وقد حشدوا علينا في ذلك العدوان كل مرتزقة العالم، وجنّدوا من السودان واليمن، ومن دول لم نسمع بها من قبل كجزر سليمان، إضافة إلى الشركات الأمنية الأميركية كبلاك ووتر، فلماذا يستكثرون علينا أن نتعاون مع إخوتنا في محور الجهاد والمقاومة؟

بالنسبة للتفاعل الإقليمي معه، فهو يكشف حجم قلق العدو الذي أراد أن نبقى دون عمق استراتيجي، وأراد تصوير اليمن كساحة معزولة ومحاصرة، فجاء هذا التصريح ليؤكد أن اليمن جزء أصيل من محور المقاومة، يتبادل الخبرات ويتكامل مع بقية الساحات.

انعكاس ذلك على فهم طبيعة المعركة كبير؛ فنحن لا نقاتل عدوانًا سعوديًا منفردًا، بل نقف في مواجهة مشروع أميركي–إسرائيلي يستخدم بعض الأنظمة كأدوات تنفيذ. واليوم بات واضحًا أن التجربة اليمنية ليست عبئًا على محور المقاومة، بل إضافة نوعية له، وأن تضحيات الشهداء أثمرت بنية عسكرية وأمنية يمنية باتت تُحسب لها ألف حساب.

المحور الثاني: مسار التسوية وعرقلة الرياض

س1: كيف تقيّمون مسار خارطة الطريق السياسية في ظل التعطيل السعودي المستمر؟ وما أبرز نقاط العرقلة التي تواجه جهود الوساطة؟

خارطة الطريق السياسية تعاني من عرقلة سعودية واضحة، لأن الرياض حتى الآن لم تحسم خيارها: هل تريد أن تكون دولة جارة تحترم سيادة اليمن، أم تبقى أداة في يد الأميركي والإسرائيلي تحارب بالوكالة؟

نحن في صنعاء قدّمنا رؤية واضحة ترتكز على وقف العدوان، ورفع الحصار، وصرف الرواتب من ثروات اليمن المنهوبة، وإطلاق جميع الأسرى من الطرفين، وإعادة الإعمار وجبر الضرر، لكننا نقابل بمحاولة سعودية للالتفاف على جوهر الاستحقاقات، وتحويل السلام إلى مجرد هدنة هشة تضمن أمن الحدود السعودية وتُبقي اليمن مخنوقًا اقتصاديًا وسياسيًا. وهذا جوهر العدوان ولا يُسمّى سلامًا أبدًا.

فالرياض تراهن على المتغيرات الإقليمية، ولم تدرك أننا اليوم في ذروة القوة، وأن شعبنا مقتنع بالمواجهة مع تحالف العدوان أكثر من عام 2015 بعشرات المرات.

نقاط العرقلة الأساسية هي التدخل الأميركي المباشر في تفاصيل الملف من خلال نافذة السعودية، وإصرار الرياض على الاحتفاظ بأوراق الضغط الاقتصادي والإنساني.

س2: ما تأثير استمرار الحصار وتعطيل صرف رواتب الموظفين على البنية الاجتماعية والاقتصادية؟ وهل ترون ذلك جزءًا من استراتيجية ممنهجة للضغط السياسي على اليمن؟

استمرار الحصار وتعطيل صرف رواتب الموظفين ليس خطأً إداريًا ولا ضعفًا ماليًا، بل هو جزء من استراتيجية ممنهجة، وسلاح سياسي قذر يستخدمه التحالف لمعاقبة الشعب اليمني بأكمله.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا السلاح واضحة: ارتفاع كلفة المعيشة، إنهاك الأسر الفقيرة، ومحاولة ضرب الثقة بالمؤسسات الوطنية.

لكن ما لم يفهمه العدوان حتى الآن هو أن هذا الشعب الذي صمد أمام القصف والحصار العسكري، لن يُهزم بحرب الرواتب واللقمة؛ بل على العكس، أصبح الناس أكثر وعيًا بأن الفقر هنا ليس قضاءً وقدرًا، بل قرار سياسي تتخذه الرياض وواشنطن لإخضاع اليمن.

والاستثمار السياسي في هذه الأزمات من قبل الرياض هو من العبث؛ فشعبنا اليوم يعرف أن الأزمة ليست أزمة موارد – فموارد اليمن تُنهب يوميًا – ويعرف من يحاصره، ومن دمّر موارده وقطع مرتباته، ويعرف من ينهب ثرواته ويوردها إلى البنك الأهلي السعودي.

وفي الأخير، لن يدوم صبره إلى ما لا نهاية؛ فهو شعب قادر على استعادة حقوقه، وفيه من الغضب والمعنويات ما يدفعه للثأر من الرياض ومرتزقتها، والانتصار عليها، وأخذ حقوقه غير منقوصة.

س3: ما الخطوات العملية التي تعتمدونها لدفع عملية السلام رغم العراقيل؟ وهل هناك مبادرات جديدة يمكن أن تُحدث اختراقًا في الملف السياسي؟

نحن نتحرك بمسؤولية عالية؛ نمد أيدينا للسلام، لكن من موقع القوة لا من موقع الضعف.

نحن مستعدون للسلام العادل، المستند إلى السيادة الكاملة، وتحرير الثروات، وصرف رواتب الموظفين، وفتح الممرات والمطارات، وخروج القوات الأجنبية، وإطلاق الأسرى، وإصلاح ما دمّره العدوان على اليمن.

من جهتنا، لا نراهن على وعود الآخرين، بل نعمل على دفع عملية السلام عمليًا من خلال ثلاثة مسارات:

التمسك بثوابت السيادة والكرامة والحقوق، وعدم القبول بأي تسوية تنتقص من استقلال القرار اليمني.
مواصلة التواصل مع الوسطاء وشرح رؤيتنا العادلة للحل.
إبقاء أوراق القوة العسكرية حاضرة على الطاولة، لأن التجربة أثبتت أن العدو لا يحترم إلا من يملك القدرة على الرد، وأن السلام الذي لا يحميه السلاح يصبح مجرد هدنة تخدم المعتدي.
ومن أجل إثبات نوايانا في إرادة السلام، قدّمنا عدة مبادرات من طرف واحد، منها إطلاق مئات الأسرى، وفتح طرقات، وغير ذلك.

أما عن المبادرات الجديدة من أي طرف يريد السلام لليمن، فنحن دائمًا جاهزون لتقديم كل ما من شأنه أن يفتح بابًا لحل حقيقي، لكننا لن نقبل بمبادرات شكلية تُستخدم فقط لتبييض وجه المعتدي أمام العالم.

س4: ما الرسائل التي توجهونها للمجتمع الدولي بشأن المسؤولية القانونية والإنسانية للسعودية في استمرار الحصار ومنع الحلول السياسية؟

رسالتنا للمجتمع الدولي واضحة ولا تحتمل التأويل: السعودية ليست وسيطًا في اليمن، بل طرف رئيسي في العدوان والحصار، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية قانونية وإنسانية وأخلاقية مباشرة عن كل قطرة دم، وعن كل طفل يجوع أو يمرض بسبب إغلاق المنافذ ومنع دخول المشتقات النفطية والدواء، ومسؤولة عن معاناة آلاف الأسر التي دُمّرت بيوتها ومحلاتها التجارية، وآلاف الأسر التي تيتمت وفقدت المعيل.

على العالم أن يتوقف عن التعامل مع معاناة اليمنيين كأرقام في تقارير إعلامية، وأن يربط بين من يشن الحرب، ومن يعرقل السلام، ومن يغلق الموانئ. الصمت الدولي والتواطؤ المكشوف لمجلس الأمن حتى الآن شجّع المعتدي على الاستمرار، لكن هذا الصمت لن يمنعنا من انتزاع حقوقنا بأيدينا.

المحور الثالث: الحراك الشعبي والجهوزية الوطنية

س1: اليمن يشهد موجة حراك قبلي وشعبي واسع في إطار التعبئة السنوية. كيف تقيمون هذا المشهد في ظل المتغيرات العسكرية والسياسية القائمة؟

الحراك القبلي والشعبي الذي يشهده اليمن في إطار التعبئة العامة ليس مجرد فعاليات عابرة أو حشود جماهيرية عشوائية، بل هو استفتاء متجدد على خيار الصمود والثبات والمواجهة.

في ظل المتغيرات العسكرية والسياسية، يبعث هذا المشهد برسالة مزدوجة: للعدو بأن رهانه على تعب الشعب رهان خاسر، وللصديق بأن هذه البلاد لا تزال نابضة بالمبادرة والاستعداد للتضحية.

هذا التحرك يربط بين الجبهة العسكرية والجبهة الشعبية، ويؤكد أن قرار المواجهة ليس قرار فئة معينة أو نخبة سياسية، بل قرار شعب كامل.

س2: ما الدور الذي يلعبه هذا الحراك في دعم القوات المسلحة وتعزيز قدرات الردع الاستراتيجي؟

هذا الحراك يترجم نفسه عمليًا في رفد الجبهات بالمقاتلين، وتوفير بيئة حاضنة للقوات المسلحة تحمي ظهرها وتمنع أي طعن من الداخل.

كما يسهم في تعزيز الروح المعنوية والوعي السياسي، بما يجعل القاعدة الشعبية شريكًا في معركة الردع، لا مجرد متلقٍ للأخبار.

وهكذا يتحول الحراك الشعبي إلى ركن أساسي في القدرة الردعية لليمن، يكمّل الصواريخ والطائرات المسيّرة والإمكانات العسكرية الأخرى.

س3: كيف تصفون حالة التماسك الاجتماعي في ظل الضغوط الاقتصادية والحصار؟ وهل أسهمت الأحداث التاريخية – مثل ذكرى ديسمبر – في تعزيز الوعي الشعبي تجاه خطورة الاختراق الداخلي؟

رغم الضغوط الاقتصادية والحصار، يمكننا القول بثقة إن التماسك الاجتماعي في اليمن صامد، بل ويتعمق؛ لأن الناس باتوا يربطون بين معاناتهم اليومية وبين قرار خارجي يحاول إذلالهم، ويعتبرون الصمود جزءًا من التحدي، ويحتسبونه جهادًا في سبيل الله تعالى.

الأحداث التاريخية، وعلى رأسها محاولة إسقاط الجبهة الداخلية في ديسمبر، لعبت دورًا مهمًا في تحصين الوعي الجمعي؛ فاليمنيون اكتشفوا أن أي ثغرة في الصف الداخلي تُستغل فورًا من العدوان، لذلك أصبحوا أكثر حساسية تجاه مشاريع الاختراق، وأكثر التفافًا حول خيار الجهاد والثبات والتماسك.

المحور الرابع: التحركات العسكرية للتحالف في المحافظات المحتلة

س1: هناك مؤشرات على تحركات عسكرية جديدة لقوات التحالف داخل المحافظات المحتلة. كيف تقرؤون هذه التحشيدات في ضوء التوتر الإقليمي المتصاعد؟

التحركات العسكرية الجديدة لقوات تحالف العدوان في المحافظات المحتلة نقرأها في إطار التوتر الإقليمي المتصاعد، ومحاولة العدو إعادة التموضع لمواجهة تهديدات في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، قد تطال ملاحة العدو الإسرائيلي في حال تجدّد عدوانه.
هذه التحشيدات ليست دليل قوة بقدر ما هي دليل خوف؛ لأن من يشعر بالثقة لا يحتاج إلى إعادة توزيع قواته بهذه الصورة المتوترة.
التحالف يدرك أن استمرار احتلاله للمناطق اليمنية لن يبقى بلا كلفة، لذلك يحاول ترتيب أوراقه قبل أي مواجهة محتملة.
وهو يدرك أن الزمن لم يعد في صالحه، وأن اليمن الذي واجهه قبل سنوات ليس اليمن الذي يواجهه اليوم، بعد تغيّر ميزان القوة وتراكم الوعي، وبعد أن انكشفت أهدافه، وتعرّت أدواته، وتغيّرت حسابات الردع.

س2: ما تقديركم لأهداف هذه الأنشطة؟ وهل تتضمن ترتيبات لمرحلة تصعيد جديدة ضد اليمن؟

أهداف هذه الأنشطة واضحة: تأمين مواقع النفوذ، والسيطرة على الموانئ والجزر والثروات الطبيعية.
حماية الأدوات المحلية التابعة لدول العدوان من أي حراك شعبي أو مواجهة مع صنعاء.
إرسال رسائل ضغط على صنعاء بأن ورقة الاحتلال ما زالت حاضرة.
هل تتضمن ترتيبات لمرحلة تصعيد جديدة؟ نعم، وهو شيء واضح، لكننا نؤكد أن أي تصعيد سيقابله تصعيد مضاد، ولدينا من الخيارات والمفاجآت ما يقلب الطاولة ويحسم المعركة بعون الله تعالى، خصوصًا بعد أن عرف شعبنا حقيقة المرتزقة الذين انكشفوا بأنهم مجرد أدوات للأجنبي، ولا يمتلكون أي مشروع وطني مستقل، بل هم مجرد غطاء وستار لدول العدوان.

س3: هل تشكل هذه التحركات تهديدًا مباشرًا على السكان في المناطق المحتلة وعلى البنية الوطنية بشكل عام؟

نعم، وجود القوات الأجنبية بحد ذاته خطر على الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. والمناطق المحتلة تعاني من الانفلات، والنهب، والاعتقالات، والسجون السرية، وهذا وحده كافٍ لإثبات أن الاحتلال ليس مشروع سلام، بل مشروع فوضى ونهب.
وبالتالي، فإن هذه التحركات تشكل تهديدًا مباشرًا على السكان في المناطق المحتلة؛ لأنها تعني المزيد من القواعد العسكرية، والمزيد من السجون السرية، والمزيد من التحكم بحياة الناس اليومية.
كما أنها تهديد للبنية الوطنية؛ لأنها تعمّق حالة التجزئة الجغرافية والسياسية والمناطقية، وتحاول تكريس واقع تقسيمي يخدم المصالح الأميركية والبريطانية والإسرائيلية في الممرات البحرية والثروات النفطية والغازية، ويثبّت سيطرتها أكثر في المناطق المحتلة.

س4: في ظل تصريحات نتنياهو التي اعتبر فيها أنصار الله تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، هل ترون رابطًا بين التصعيد الخطابي الإسرائيلي والتحركات العسكرية الأخيرة لتحالف العدوان في المحافظات المحتلة؟

عندما يصف المجرم نتنياهو اليمنيين بأنهم تهديد وجودي لإسرائيل، فهو في الحقيقة يعترف بدور اليمن في قلب معادلة الصراع، وهذا شرف كبير، وطموحنا المستقبلي إيلامه أكثر، ونعتبرها شهادة بنجاح صنعاء في إسناد غزة ولبنان.
التحركات العسكرية للتحالف في الجنوب والشرق لا يمكن فصلها عن هذا الخطاب؛ لأن النظام السعودي والإماراتي يتحركان في النهاية ضمن استراتيجية ترسمها واشنطن وتل أبيب. وكل خطوة يقوم بها تحالف العدوان في جنوب اليمن وشرقه هي في جوهرها محاولة لاحتواء تأثير اليمن في البحر الأحمر وباب المندب، وحماية خطوط الملاحة التي تعوّل عليها إسرائيل، ومحاولة للانتقام من اليمن على موقفه المساند لغزة.
وبالتالي، فإننا ننظر إلى التحركات العسكرية في الجنوب والشرق على أنها تأتي ضمن استراتيجية أميركية–إسرائيلية، وليس ضمن رؤية وطنية سعودية أو إماراتية؛ فالعدو الإسرائيلي يرى في اليمن تهديدًا وجوديًا، والسعودية تتعامل ضمن هذا الفهم.

المحور الخامس: الشراكة العسكرية الأميركية–السعودية

س1: كيف تقرؤون زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن وما رافقها من اتفاقات عسكرية مثل شراء منظومات F-35؟ وما انعكاسات هذه الخطوة على ميزان القوى في المنطقة؟

زيارة بن سلمان إلى واشنطن، وما رافقها من اتفاقات عسكرية، من بينها صفقات متقدمة كمنظومات F-35، تعكس أن السعودية ما زالت ترى أمنها في الاعتماد على المظلة الأميركية، لا في بناء علاقة متوازنة مع جيرانها وفي مقدمتهم اليمن، وهذه نقطة ضعف وليست قوة؛ فالاعتماد على الخارج ضعف، في مقابل التطوير والاكتفاء الذاتي لصنعاء واعتمادها على القدرات المنتَجة وطنيًا، وهي تحت الحصار ونيران العدوان.
من ناحية ميزان القوى في المنطقة، هذه الأسلحة جُرّبت سابقًا وفشلت، وجرّبت أميركا وإسرائيل بنفسيهما أسلحة أقوى منها وقاذفات متطورة تفوق الـF-35، وعجزت عن هزيمة اليمن، بل خرجت مهزومة. وكل تلك الصفقات لا تغيّر حقيقة أن الاعتماد على الله، وأن الإرادة الشعبية، وسلاح الصواريخ والمسيّرات، أثبتوا تفوقهم على ترسانات أغلى بكثير، ومنها البوارج الحربية الأميركية.
اليمن اليوم ليس في موقع الخوف من هذه الصفقات، بل في موقع القوة، ونظرتنا لتلك الصفقات هي: اعتراف سعودي بفشل مشاريع وأسلحة العدوان السابقة.

س2:هل تعتقدون أن واشنطن تعمل على إعادة هندسة قدرات التحالف العسكرية في إطار مواجهة أوسع تشمل اليمن ومحور المقاومة؟

نعم، من الواضح أن واشنطن تعمل على إعادة هندسة قدرات التحالف العسكري في إطار مواجهة أوسع تستهدف محور الجهاد والمقاومة بكامله، وليس اليمن وحده.
إعادة هيكلة الجيوش، وإنشاء قواعد جديدة، وإدخال منظومات دفاعية وهجومية متطورة، والمناورات المشتركة، كل ذلك يُراد له أن يصب في اتجاه حماية الكيان الصهيوني، وضمان السيطرة على الممرات المائية والثروات، وتوريط قوى إقليمية في العدوان من جديد.
لكن تجربة أفغانستان والعراق واليمن ولبنان وغزة نفسها تقول إن منظومات السلاح المتطورة لا تحسم معركة عندما تكون الشعوب قد حسمت خيارها.
وبالنسبة لبلدنا، فلن تنجح تلك التهديدات، مهما كانت، في تغيير حقيقة أن اليمن اليوم قوة مستقلة القرار، لا يمكن تطويعه أو ابتزازه أو إعادته إلى بيت الوصاية والهيمنة الخارجية.

س3: ما الرسائل التي توجهونها لليمنيين وللمجتمع الدولي بشأن هذا التصعيد العسكري؟ وكيف يمكن أن يؤثر على مستقبل الحرب والسلام؟

رسالتنا لليمنيين واضحة: هذه الصفقات ليست سببًا للقلق، بل سبب جديد لمراكمة القوة وتعزيز الجهوزية؛ لأن عدوّك حين يشتري سلاحًا، فإنه يعترف سلفًا بأنه عاجز عن هزيمتك بما يملكه اليوم.
ورسالتنا للمجتمع الدولي أن أي تصعيد عسكري جديد، من أي طرف، لن يبقى في حدود الجغرافيا اليمنية، بل ستكون له تداعيات إقليمية، ويرتد على الاقتصاد الدولي بشكل واسع. ومن يتحمل المسؤولية هو من يصرّ على خنق اليمن وحصاره بدل احترام حقه في السلام والسيادة.

س4: بعد تصريحات نتنياهو حول "خطورة جبهة اليمن"، كيف تنظرون إلى الدور الأميركي والإسرائيلي في توجيه السياسات العسكرية السعودية في هذه المرحلة؟

تصريحات نتنياهو حول "خطورة جبهة اليمن" ليست منفصلة عن السياسات السعودية؛ لأن القرار العسكري في الرياض اليوم مرتبط عضويًا بالمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
والدور الأميركي والإسرائيلي هو الذي يحدد سقف التصعيد وحدود التهدئة، بينما تتحرك السعودية ضمن هذا الهامش، تنفيذًا لا صناعة قرار.
وهذا يعني أن اليمن في مواجهته مع السعودية يدرك أنه يواجه في الحقيقة عدوانًا أميركيًا–إسرائيليًا.

س5:في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة واحتمالات اندلاع حرب واسعة على لبنان، ما هو موقف اليمن المبدئي والعملي من هذا السيناريو؟ وكيف يمكن أن تتفاعل جبهة اليمن مع معركة على مستوى محور المقاومة؟

فيما يتعلق باحتمالات اندلاع حرب واسعة على لبنان، موقف اليمن المبدئي ثابت: نحن جزء من محور واحد، ونعتبر أن الاعتداء على أي ساحة من ساحات الجهاد والمقاومة اعتداء علينا جميعًا.
عمليًا، أثبتت التجربة أن اليمن قادر على التأثير في معادلات تتجاوز حدوده، وبالتالي فإن أي حرب على لبنان لن تكون معركة معزولة، بل ستشهد تفاعلًا من بقية جبهات المحور، واليمن جزء من هذه الجبهات.

س6:وفي حال توسّع المواجهة إلى حرب أميركية–إسرائيلية ضد إيران، ما تصوركم لدور اليمن خلال هذا النوع من الحروب الإقليمية؟ وهل يدخل ذلك ضمن حسابات الردع الاستراتيجي اليمني؟

إيران، في حرب الـ12 يومًا مع العدو الإسرائيلي والأميركي، أثبتت أنها قوة عسكرية كبرى، وبفعل قدراتها الصاروخية أوجدت في كيان العدو جروحًا غائرة، وحطّمت هيبة الردع، وأظهرت هشاشة منظوماته الدفاعية، وتلقى ضربات قاصمة لم يعهدها من قبل، ولم تحصل له في السابق منذ إعلان قيام كيانه.
رغم أن إيران لم تستخدم أوراقها الأخرى المتعلقة بمضيق هرمز، واستهداف البوارج الحربية الأميركية في البحر، والقواعد العسكرية في المنطقة.
الانخراط في معركة من هذا النوع سيكون مرتبطًا بقيم ومبادئ شعبنا اليمني المسلم، وبكيفية حماية مصالح الشعب اليمني، وبما ينسجم مع قرار موحّد لمحور الجهاد والمقاومة.

المحور السادس: الاستراتيجية الوطنية لمرحلة ما بعد الحرب

س1:ما ملامح الدور السياسي والعسكري والاجتماعي الذي تتوقعونه لأنصار الله في مرحلة ما بعد الحرب؟

في الحقيقة، نحن لا ننتظر لما بعد الحرب؛ فنحن نؤمن بأن التحدي والإحساس بالخطر هو البيئة التي تصنع البناء والتطور والابتكار والمبادرة.
ومن الواضح أن اليمن يتجه نحو بناء دولة قوية، ذات سيادة، تعتمد على شعبها لا على الخارج.
وسيكون دور القوى الوطنية – ومنها أنصار الله – دورًا محوريًا في إعادة بناء المؤسسات، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة، وترميم ما خلّفته سنوات الحرب من جراح، ورعاية أسر الشهداء والجرحى والفقراء، وتعزيز الهوية الجامعة التي تحصّن المجتمع من مشاريع التفتيت، وصناعة نموذج سياسي مستقل يليق بدماء الشهداء وتضحيات وعظمة هذا الشعب.

س2: ما الأولويات الوطنية لتعزيز السيادة وبناء منظومة دفاعية قادرة على ردع التهديدات الإقليمية والدولية؟

الأولوية الأولى هي استعادة كل الأراضي المحتلة، وإنهاء الوجود الأجنبي بالكامل، وشعبنا يسعى لذلك من خلال الآتي:
ترسيخ الهوية الإيمانية للشعب اليمني؛ لأنها مصدر القوة الأول، ونجاحات شعبنا وصموده في السابق كانت بفضل الثقة بالله تعالى، والوعي القرآني، والشعور بالمسؤولية.
بناء منظومة دفاعية متكاملة، جوية وصاروخية وبحرية، قادرة على ردع أي تهديد إقليمي أو دولي، بحيث يدرك الجميع أن ثمن الاعتداء على اليمن سيكون أعلى بكثير من أي مكسب متوهّم.
تعزيز السيادة الاقتصادية عبر استعادة القرار على الثروات النفطية والغازية والموانئ والجزر، ووقف نهبها من قبل القوى الأجنبية.
رعاية مشروع تنمية حقيقية يركّز على الزراعة والصناعة والاكتفاء الذاتي، لتقليل الاعتماد على الخارج في الغذاء والدواء والطاقة.
ترسيخ خيار الاستقلال والحرية في الوعي الشعبي، وتثبيت ثقافة أن اليمن لم يعد ساحة نفوذ لأحد، بل دولة حرة تملك قرارها وتفرض احترامها على الجميع.

وفي الأخير، نؤكد للعدو والصديق أننا اليوم شعبًا وجيشًا وقيادة أقوى مما كنا، وأوعى مما كنا، وأكثر قناعة بأن معركتنا معركة حرية وسيادة وكرامة. وسنحرر أرضنا، ونكسر حصارنا، ونرغم المعتدي على الهزيمة، كما أرغمناه من قبل.


* المصدر: موقع الخنادق اللبناني