عبدالجبار الغراب*

شكل اليوم العظيم الذي أخرج فيه اليمنيون المحتلّ البريطاني من الجنوب يوم 30 نوفمبر 1967 حدثه التاريخي والهام؛ لتحقيقه للانتصار وإظهاره لملاحم بطولية سطرها المقاومون الأبطال، والذين رسموا معها الشموخ والفخر والاعتزاز لتحرير بلادهم من الغزاة المحتلّين، وإيضاحه في حينه لوقائع فرضتها المعطيات الكبيرة على الأرض بإشعالها لثورة شعبيّة مسلحة تلاحم واصطف معها اليمنيون شمالًا وجنوبًا، هزت مضاجع الإنجليز يوم 14 أُكتوبر 1963 المجيد؛ لينتهي بها الحال إلى إعلان اليمنيين استقلالهم النهائي والتام عام 1967م وطردهم لآخر جندي بريطاني من أراضي الجنوب.

الفشل الذريع والخسارة المدوية التي تعرضت لها قوى تحالف العدوان ولأعوام طويلة من شنهم لحربٍ على اليمن، وانكسارهم من قبل رجال الله المجاهدين، وبالصمود الشعبي المنقطع النظير ودحرهم من مناطق الشمال وبعض المناطق في الجنوب يجعل من ذكرى الاستقلال يوم 30 نوفمبر استحضارًا لمختلف الأفعال، التي أقدمت عليها قوى العدوان لإيجادها للعديد من المسارات لإعادة رسمها من جديد لماض قد رحل فيه الاحتلال الإنجليزي من جنوب اليمن، وجعله واقعاً وبطرق وأساليب حقيرة رأس حربتها أمريكا و”إسرائيل” وبأدوات للتنفيذ بخونة ومرتزِقة يمنيين موالين للسعوديّة والإمارات؛ مِن أجلِ تمرير أجندتهم والتحكم بالثروات والاستيلاء على الجزر والممرات، ليعيدوا بذلك تكرار الاحتلال لجنوب اليمن، وبوجود قوات صهيونية وبريطانية ببعض الجزر، وبتغيير كامل للخصوصية السكانية بتواجدهم وبانتظام وتحكم لدويلة الإمارات بقطع تأشيراتها للسياح الأجانب إلى جزيرة سقطرى وبدون خجل أَو استحياء، أمام ذل وهوان وانبطاح للخونة والعملاء، فسيطر المحتلّون الجدد على الجنوب اليمني ونهبوا ثرواته وأدخلوا السكان في ويلات كبيرة وصراعات وغلاء في الأسعار وانتقامات ولا أمان ولا استقرار.

شكّل اليمنيون من خلال وقائع الأحداث الحالية وتراكماتها السابقة صناعتهم لمتغيرات إقليمية ودولية كبيرة، حقّقت مفاعيلها الكبرى وانتصاراتها العظمى فأسهمت في رفع اسم ومكانة اليمن عاليًا، خُصُوصًا بعد إعلانهم للقرار التاريخي والاستثنائي لإسنادهم للشعب الفلسطيني، وإخراجهم للمفاجآت العسكرية المدوية بأسلحتهم المتطورة من طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية فرط صوتية طالت مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فارضة بذلك معادلات عسكرية جديدة حاصرت بموجبها كيان الاحتلال في البحار والمحيطات، ومنعت سفنه أَو تلك الذاهبة من دول أَو شركات من العبور والذهاب لموانئه، وإحراجها للأمريكان بضربهم لحاملات طائراتهم العسكرية من أيزنهاور إلى إبراهام واستهدافها، والتي كان لها الأثر البالغ في إعلان الأمريكان مغادرة حاملات طائراتهم وعدم قدرتهم على حماية سفن الكيان وصعوبة صدهم للضربات اليمنية؛ لتدلل كامل المؤشرات السابقة وتوالي الأفعال الحالية على تطبيق فعلي وكامل لكلام السيد القائد عبدالملك الحوثي، في أنه لا بُـدَّ من استعادة كامل الأراضي اليمنية التي ما زالت قابعة تحت سيطرة الاحتلال السعوديّ الإماراتي، وأن الجيش اليمني في سباق سريع نحو تحقيق ذلك.

انتصارات عظيمة توالت وتحقّقت، وتراجعات وانكسارات واندثار لقوى العدوان تصاعدت، وخسائرهم في كُـلّ المستويات ظهرت وبانت، وما بقاء الاحتلال الحالي في بعض مناطق الجنوب اليمني إلا تحت أوهام وأحلام وأماني هي في طريقها للاندثار والتلاشي لاستعادة اليمنيين لأيقونات الاستقلال التي سطرها الثوار منذ ما يقارب الخمسة عقود، فكيف لا تتعاظم مكانة ورفعة اليمنيين، وهم من قاموا بثورة نادرة في الوجود، فريدة في الظهور يوم ثاروا ضد قوى الشر والاستكبار يوم الـ 21 من سبتمبر المجيد، ليشعلوا على إثرها معاني وقيم ومبادئ الحرية والاستقلال، وجعلها منطلقاً لتحقيق كامل التطلعات لامتلاك القرار واستعادة سيادة البلاد والنهوض والبناء والعيش بأمن وأمان، فالحقبة الماضية من تاريخ شعب دحر المحتلّ البريطاني هو نفسه يمتلك عوامل القوة والإيمان لطرد الغزاة الجدد ودحرهم من كُـلّ شبر في أرض الأحرار، يمن الحكمة والإيمان.

* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه