السياسية || محمد محسن الجوهري*


من الصعب على الكيان الصهيوني وأنظمة التطبيع الموالية له، أن تنفذ ضربات أخرى أكثر إيلاماً لمحور الجهاد والمقاومة بعد اليوم، كما بات من المسلَّم به أن زوال حزب الله، وانهياره الكلي، خرافة أخرى من المستحيل أن تتحقق قبل زوال "إسرائيل" نفسها، وبالتالي فإن حزب الله أخطر على أعدائه من أي مرحلة مضت، وقد تجاوز كل التهديدات الوجودية التي راهن عليها الصهاينة كثيراً قبل 27 سبتمر الماضي.

وبما أن الحزب قد تجاوز مرحلة الانهيار الافتراضية، فإن العدو قد دخل مع المجاهدين اللبنانيين حرب استنزاف طويلة الأمد، أشبه بتلك التي خاضها معه قبل عام 2000، ودامت لـ 18 عاماً وانتهت بهزيمة "إسرائيل" وانسحابها من جنوب لبنان، باستثناء أن حزب الله يملك اليوم من وسائل الموت أضعاف ما كان عليه الحال في المراحل السابقة، وها هي مستوطنات شمال فلسطين خالية من المغتصبين الصهاينة، ولا أمل في الأفق لاستتباب الأمن مجدداً إلا بشروط المقاومة في غزة ولبنان.

والأدهى على العدو أن خصوم اليوم ليسوا كخصوم الأمس، فإيران ليست مصر عبدالناصر، ولا حركات المقاومة الحالية تشبه نظيراتها الأولى؛ فقد تأكد للجميع بأن عنصر الاستدامة والاستمرارية هو الثابت في الصراع وأن أي فصيل مقاوم قادر على الصمود لسنوات في المعركة، وها هي حماس تخوض الاشتباكات نفسها منذ أكثر من عام، وبالروحية نفسها دون انكسار، رغم أن القطاع محاصر حتى من الغذاء والدواء، فكيف بالمجاهدين في جنوب لبنان، حيث الإمكانيات كبيرة جداً، فسورية الأسد حاضرة بالقوة والسلاح لإمداد المقاومين، بخلاف مصر المحاصرة لغزة.

وإذا قسنا على الوضع في غزة، فإن الوضع في جنوب لبنان قابل لأن يستمر عشرات الأعوام، ومن المستحيل خلالها أن ينهار حزب الله، بخلاف الكيان الذي تنحسر ديمغرافيته بالتدريج، وبات مضطراً لاستئجار مرتزقة أجانب لحماية جيشه من السقوط المدمر، كما أن أغلب مدنه أضحت خالية من السكان، خاصة حيفا ويافا، مع تزايد الهجرة العكسية لليهود.

أما لو تغيرت المعادلة الخارجية التي يراهن عليها الصهاينة في بقائهم إلى اليوم، وتشمل الدعم الأمريكي حماية أنظمة التطبيع العربية، فإن وضعية الكيان ستكون حرجة للغاية، سيما إذا بادر المجاهدون إلى فتح جبهة استنزاف برية من جنوب لبنان أو سورية، وربما من الأردن، وهو ما يحذر منه خبراء السياسة اليهود.

باختصار، فإن هناك مائة سبب وسبب كافية لزوال العدوان، إلا أن أهمها الصمود الأسطوري لحزب الله، وتجاوزه مرحلة الخطر، إضافة إلى ضرباته اليومية الموجهة لقلب الكيان، وهو الإنجاز الذي يبنى عليه أي جهود أخرى لتوجيه ضربات موجعة للعدو في المستقبل، وهذا ما يتردد في وسائل إعلام العدو الصهيوني، حيث يؤمن أغلب المحللين اليهود بأن بقاء حزب الله قوياً رغم الضربات القاصمة التي تلقاها، لهو أشد على واقع الكيان من أي خطر وجودي في الماضي، وعلى ذلك يراهن محور المقاومة في استنزاف "إسرائيل" عبر حرب مستدامة قد تستمر لأعوام أخرى مقبلة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب