المستجدات ومنطق السياسة
عبدالرحمن مراد*
حركة التوازنات في المنطقة العربية والعالم تتغير وبشكل متسارع وسوف تترك التداعيات من جراء اغتيال سيد المقاومة الشهيد السيد حسن نصرالله – أمين عام حزب الله في لبنان، واقعا جديدا ومتغيرا، كما أن ملامح المرحلة التي يوحي بها الواقع اليوم تقول أن القوة ستكون هي الفيصل في رسم معالم المستقبل وبالتالي فقواعد اللعبة السياسية ستأخذ مسارات لم نكن نتوقعها، فقادة المرحلة وأبرز رموز محور المقاومة الإسلامية يتعرضون للاغتيالات والتصفية الجسدية وهذا في حد ذاته مؤشر خطير وسياسة قمعية غير مسبوقة ونقول غير مسبوقة لأنها تحدث بشكل متواتر وبمباركة النظام الدولي وتحت مظلة الصمت العربي والعالمي، فالذين فرحوا باغتيال هنية وسيد المقاومة وقادة الصف الأول للمقاومة في لبنان هم في قائمة التصفيات المؤجلة، فـ"إسرائيل" تتحرك بجنون لبلوغ غايتها في "إسرائيل" الكبرى.
وتحت سماء اليمن ثمة شيء قد تغير اليوم، وفهم أبعاد التغير والتبدل يجعلنا على أعتاب الصناعة، وبعدنا عن فهم مجريات الأحداث يجعلنا في ذات الدائرة دون الوصول إلى غاية، لذلك فالمرحلة تتطلب فهم التداعيات والأبعاد من كل جانب حتى نتمكن من صناعة التوازن لتحقيق المصالح العامة والمرسلة.
السياسة صناعة نستطيع توفير خاماتها من الفرص التي تتركها بين أيدينا، ونحن فيها أمام خيارين: إما الاقتناص واستغلال اللحظات، أو التفويت، ومن فاتته الفرص ولم يستغلها ترمد في ميدان السياسة.
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي الوطن العربي وفي العالم كله، فالذي حدث ويحدث هو تحول كبير في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار العربي والدولي، فكل المسارات تتكامل وتترك أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقبل .
فحين تفرد النظام الرأسمالي بحكم العالم والتحكم بمصالحه سعى جاهد على القضاء على حركات التحرر أو ذات النزعة الاستقلالية في العالم أو في الوطن العربي وبالرغم من جهوده الحثيثة في هذا الاتجاه إلا أنه لم يتوقع أو لم يدر في بال قادة النظام العالمي الرأسمالي أن ثمة صانع وثمة قوة خفية عظمى تدير العالم وتحفظ مصالح العباد بقدر كاف من التدافع خوف الفساد في الأرض، وهو الأمر الذي نشأ بالتوازي مع حالة التفرد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي وهو اليوم يسير في نفس المسار وقد يبلغ غايته.
حاولت أمريكا ومن شايعها القضاء على الحركات القومية وتفكيك النزعة الاستقلالية وعلى هدم المثاليات وهدم الإسلام من داخله من خلال الحركات الأصولية التي تصنع في الجامعة الإسلامية في "إسرائيل" والتي تتبع الموساد مباشرة فيكون أفرادها قادرين على السيطرة على الوجدان العام من خلال خطاب العصبية الدينية الذي تنتهجه وتسيطر به على عامة المسلمين، وقد رأينا كيف سيطروا على موجهات الإخوان وما تناسل عن الإخوان من جماعات مثل الجهادية والقطبية وغيرهما من الجماعات الذين نشطوا في اغتيال الكثير من رموز التنوير في الوطن العربي خوف الوعي واليقظة، فالنظام الرأسمالي يعتبر التظليل وتسطيح الوعي بالقضايا المصيرية للأمم طريقا للوصول إلى غاياته.
ومن الملاحظ منذ سقط المعسكر الشرقي بيد الغرب سقطت في المقابل المدارس النقدية والفكرية والفلسفية والثقافية فالصراع المحموم الذي شهده العالم وكانت من نتائجه الكثير من المدارس الفكرية والفلسفية والأدبية والثقافية اختفى فجأة مع رغبة الرأسمالية في تسطيح الوعي، ولذلك خلقوا بدائل تلامس القشور وتلهي العالم وفي ذات اللحظة تدر مالا كثيرا مثل البرامج والمسابقات التي يسمح بتعميم تجاربها في الفضائيات مثل مسابقات الشعر ومسابقات الصوت أو مسابقات المعلومات وهي أعمال تديرها في الوطن العربي قنوات (mbc) ويمكن مراجعة قائمة البرامج التي تبثها أو بثتها ومقارنتها مع مماثل لها يخرج أو خرج من غرف الاستخبارات العالمية والقيام بدراسة ولو محدودة ليكتشف المرء الدور الذي يقوم به النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا في استغلال الشعوب وتسطيح وعيها واستغلال مقدراتها دون أن تدرك حجم الكارثة.
بالمختصر المفيد.. ما وصل إليه العرب والمسلمون اليوم من ذبول وهوان وانكسار كان بسبب حالة الاستغلال والغبن الذي مارسته أمريكا ونظامها الرأسمالي القذر الذي خدع الناس بالقيم ومبادئ الحقوق والحريات فكان أبشع وأفظع من انتهكها، ومع التداعيات الجديدة التي سوف تسفر عن واقع جديد في العالم لا بد من الانتباه إلى فكرة الصناعة فهي الأقدر على التحكم بمقاليد المستقبل، ولا ننسى نظام التفاهة الذي يدار اليوم عبر منصات التواصل الاجتماعي حيث نجد التفاعل مع السطحي والمبتذل وكل فكرة غير ذات قيمة كبيرا في مقابل تقييد الحسابات الجادة ذات القيمة وذات المعنى والحد من التفاعل معها عبر نظام الخوارزميات .
العالم اليوم يتعرض لمؤامرة كبرى من قبل الصهيونية العالمية والتعامل مع هذا العالم لا بد أن يكون وفق منطقه، فالدواء في الغالب لا يكون إلا من عنصر الداء.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه
* المصدر : صحيفة الثورة