سند الصيادي*

تتجسَّــدُ ذِكْرَى المولد النبوي الشريف كمناسبة إسلامية جامِعَةٍ، إلى جانب كونها فُرصةً إنسانيةً عالميةً، إذَا ما تم التوقف عندها مليًّا؛ إذ إنه وبالقراءة العالمية المتأنية لشخصها ومنهجيته ومسعاه فَــإنَّ ذلك كفيل بأن يعيد ضبطَ معايير وقوانين وأخلاقيات الحياة في المعمورة، ناهيك عن كونها تتراءى اليوم كضرورة ملحة لإنقاذ العالم أجمع من محارق ومزالق الشيطان التي أشعلها في كُـلّ مجتمع بشري.

في المجتمع الإسلامي وَما ينطوي تحته من شعوب وأوطان وأعراق وألوان، فَــإنَّ الاحتفاء بمحمدٍ يمثل إطاراً جامعاً يلملمُ شتاتَ هذا النسيج، ويعيد رسمَ أدبيات الصراع وَخارطة المصالح والمخاطر في قالب عريض يُفترَضُ أن يكونَ في الظروف الطبيعية، فما بالك اليوم ونحن نعيش ظروفاً طارئةً وأخطاراً محدقة يمكن أن تعصِفَ بوجودنا كشعوب وجغرافيا ومنظومة إنسانية لها قِيَمُها وهُويتُها وَمعتقداتُها ووظائفُها الجامعة.

بهذا الهاجس الجمعي نستقبل الذكرى، بعيدًا عن الطقوس المتوارثة أَو كإسقاط لواجب سنوي، أَو كتعبير عن نمطية ثقافية معيّنة، بل هي محاولةٌ يمانيةٌ خالصةٌ نحوَ استلهام مفاعيل القوة الإلهية والمنهجية التي تمثِّلُها هذه الشخصية في إطار الدولة ومكوناتها، وَلا تخلو من رغبة يمانية أَيْـضاً نحو إعادة تأطير المجتمع الإسلامي عُمُـومًا بـ “الإسلام ونبيه”، هذا الإطار الصُّلْبُ والصلد من الفاعلية والقوة المانعة.

من هنا يمكنُ كشفُ الكثير من الحقائق، وسِـرِّ الموقفِ الشجاعِ وَالعظيم الذي تبوَّأه يمنُ اليوم في ظل الثورة وَالمنهج؛ إذ رأينا في محمد الرسولِ المعظِّمِ “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ”، الوَصْفَةَ الناجِعةَ بما تمثله من اندفاعة وثباتٍ يزيدُ من صعوبة تحقيق الأماني الصهيوأمريكية في المنطقة عُمُـومًا.

تخطو اليمنُ من جهتها عمليًّا تجاهَ مشروع الوَحدة الإسلامية بكُلِّ ما يتوافرُ لديها من أوراقٍ وإرادَة، ورغم ما يعتريها من ظروفِ العدوان والحصار، كما ترسُمُ -بقيادتها وَشعبِها- المزيدَ من الخطوط الحمراء تجاه مشاريع ومخطّطات أعداء الأُمَّــة.

مذ أعادَت اليمنُ إعلاءَ محمدٍ، فَــإنَّ عُوْدَهَا زاد شِدَّةً وَقوةً في مواجهة العواصف، أعادت مِن رحم المعاناة ضَبْطَ الوعي الإسلامي بتوقيت القضايا الكبرى، ومن هذه المناسبة ومضمونها استلهم القائدُ ثباتَه وَأطلق تصريحاتِهِ نُصْحاً وتحذيراً وتهديداً ووعيداً.

ومِن “محمد” رأينا عظمةَ المنجزات العسكرية تختزلُ قروناً من الفوارِقِ وتتجاوَزُها، وعِشْنا النصرَ وعايشناه، فزادنا حباً بمحمد وسيرًا على نهجِه، ونحن نندفعُ للمواجَهة مستعينين بمعاوِلِه التي لا تصدَأُ ولا تَلينُ ولا تخذُلُ مَن حملها، وبالتزاماتِ التسليم المطلَقِ لقائدِنا العَلَمِ؛ فَــإنَّ النصرَ يصبحُ وعدًا مُستحَقًّا، والصُّبْحُ قريب.

* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه