في اليمن وفلسطين.. منصات مشبوهة تحت يافطة "الإعلام المستقل"
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ليس هناك إعلام مستقل على الإطلاق في العالم، وهذه حقيقة يعرفها كل مزاولي المهنة، كما ليس هناك وسيلة إعلامية أنشئت بلا غرض سياسي، حتى تلك التي تعنى بالترفيه والطرب والجنس، كلها تعمل لخدمة أهداف سياسية محددة، فالترفيه في حد ذاته سلاح لحرف الشعوب عن الاهتمام بقضاياها المركزية، كما هي الحالة السعودية اليوم في زمن محمد بن سلمان والمرافقة لسياسة التطبيع العلني مع اليهود.
قبل سنوات، أبلغني أحد الزملاء الصحفيين عن منصة إعلامية محايدة على الشبكة العنكبوتية، تدفع بسخاء للكتاب وتشجع الإعلاميين الجدد على الانخراط في مهنة الصحافة وكل ذلك لأسباب خيرية، حيث لا دوافع سياسية لتلك المنصة.
ومع البحث وجدت أن المنصة تعمل بتمويل من جهات غربية كثيرة، أبرزها: منظمة دعم الإعلام الدولي (IMS)ومؤسسات المجتمع المفتوح (OSF) والمؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية (EED) وجميعها تتبع لجهات ودول غربية، وتزعم أنها مؤسسات تشجع على الديمقراطية، والتنوع الفكري وحقوق الأقليات، وغيرها من الشعارات البراقة التي ترفعها عادة المنظمات المشبوهة.
مؤخراً، تابعت البعض من تلك المنصات العربية مثل "خيوط" و"درج ميديا"، فوجدت أنها تتماهى مع الإعلام الغربي المؤيد للكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، وأغلب الكتاب يروجون للدعاية الإسرائيلية "بأن المقاومة الفلسطينية افتعلت الأزمة مع الكيان في أكتوبر الماضي، وكيف أن على الشارع العربي، الفلسطيني بالذات، أن يحكم صوت العقل، وألا ينجر خلف دعاوات العنف والإرهاب".
ومن المحزن بل والمخجل، أن تشاهد كتاباً من اليمن وفلسطين ينتقدون الخط السياسي المناهض للاحتلال والهيمنة الغربية على العالم العربي، وكل ذلك من أجل بعض المال، وحتى تظهر أصوات عربية تروج للتطبيع والتصهين تحت عناوين كالسلام والتنمية والتقدم، وللأسف أن أغلبهم يعملون من الأراضي الفلسطينية، أو من اليمن، خاصة العاصمة صنعاء، حيث يتحرك أولئك بكل حرية، رغم أنهم منخرطون في مشاريع صهيونية واضحة.
وإذا فتشنا خلف الجهات الغربية الداعمة، سنجد أيضاً أنها تمول بعض مؤسسات المجتمع المدني في صنعاء، وتدعم مشاريع ترون الانحلال الأخلاقي بذريعة التقدم والتطور، ومثل هذه التوجهات مرفوضة في مجتمعنا، وتتعارض مع قيمنا الدينية والأخلاقية.
والكارثة أنها تعمل في معظم الدول العربية، وبالأهداف المشبوهة نفسها ومن هنا وُجدت الأصوات المؤيدة لـ"إسرائيل" من الداخل العربي، وبتنا نسمع الكثير من أبناء أمتنا ينادون بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ويجاهرون بالعداء للشعب الفلسطيني المظلوم ويحملونه مسؤولية العنف في المنطقة.
كما لم تترك تلك المنظمات سائر الجهات الثقافية على حالها، فهي تتدخل في السياسة والتاريخ والعادات والتقاليد وغيرها، وتقدم لنا الرؤية اليهودية في كل ذلك، كالحديث عن التاريخ اليمني القديم كان يهودياً، وأن الحضارات الشرق- أوسطية كانت غير عربية في أغلبها بهدف لتفكيك الوحدة العربية، وتجزئة الشعوب أكثر مما هي عليه اليوم.
ولا سبيل من تبني موقف سياسي مناهض لتلك الأصوات والمنصات الإعلامية المشبوهة فهي غير مستقلة، ولها أهداف سياسية معادية لهويتنا الدينية والوطنية، وتطبل للعدوان على بلداننا من اليمن وحتى فلسطين، ولا بد للجهات المختصة على الأقل من حجب مواقعها وإغلاق الجهات المتواطئة معها في أمانة العاصمة، وليس في ذلك أي إضرار بحرية الرأي، بل إسكات لأصوات معادية لليمن والعروبة، وللجميع أن يراجع تلك المنصات وتتبع العاملين بها لمعرفة تاريخهم ودوافعهم.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب