الحديث عن "السلام" أداة من أدوات الحروب
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في أشهر كتاب عن الحرب النفسية والذي حمل عنوان "تشكيل مواقف الرجال"، يقول الخبير الفرنسي "جاك إلول": إن الحديث عن السلام ليس إلا صورة من صور العدوان غير المباشر، بحيث يفقد الخصم سيطرته على الرأي العام والبيئة الحاضنة له، ويظهر أمام أنصاره بمظهر الرافض لوقف العنف".
وبما أن الغرب هو المسؤول عن شن مثل هذه الحروب، فإن الحديث عن مفاوضات سلام مع الكيان الصهيوني حالياً ليست إلا لكسب الوقت، وأداة من أدوات العدوان المباشر الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني المظلوم، ووسيلة لإظهار قوى المقاومة الفلسطينية بمظهر الرافض للسلام، وكل ذلك لفصلها عن بيئتها الحاضنة في قطاع غزة، وتفكيك التلاحم الشعبي الذي يعزز موقف المقاومة.
ما يعزز هذا الرأي أن رعاة المفاوضات سواءً في الدوحة أو القاهرة، هم عملاء معتقين للكيان الصهيوني، ولهم دور كبير في حمايته ودعم بقائه في المنطقة، ولو كانوا رعاة سلامٍ فعليين لضغطوا من اجل تخفيف وطأة الوضع الإنساني في قطاع غزة، ولما رضوا بأن يحاصر سكان القطاع من الغذاء والدواء في الوقت الذي يمدون فيه الكيان بكافة أسباب الحياة.
ويقول "إلول" أيضاً إن الحديث عن السلام شكل من أشكال الحرب النفسية، وإذا ما لجأ إليها خصمٌ ما، فإنه يعاني من خلل في المعطيات الميدانية، ما يضطره أن يلجأ للحديث عن السلام لكسب الوقت عبر حلفائه، وكل ذلك لتحقيق أهداف استراتيجية.
ولهذه الأسباب فإن المفاوضات الدائرة حالياً في القاهرة، وقبلها في الدوحة لن تجلب السلام لغزة، كما لم تفعل خلال العشرة الأشهر الأخيرة، كما أنها تكشف عن خللٍ في قوى العدو الصهيوني جعلته يقبل بالمفاوضات، وهذا الخلل قد يكون قاتلاً إذا ما فُعل بالشكل الصحيح، على يد المقاومة الفلسطينية، ولا شك أنها تعرف نقاط ضعف العدو، وعليه تبني مواقفها السياسية الرافضة للاستسلام والخنوع.
وفي اليمن، تسعى الأطراف المعادية للبلاد إلى افتعال أزمات مستمرة لإفشال أي توصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، وإنهاء العدوان الذي شنته الرياض وأبو ظبي على اليمن قبل تسع سنوات، وفشلتا في تحقيق أيٍ من أهدافه المعلنة.
وهذا التراخي في محادثات السلام يكشف أن الحرب على اليمن ليست سعودية أو إماراتية، فليس في صالح الطرفين الدخول في عداء مفتوح مع اليمن، لما لذلك من تداعيات كارثية على مستقبل الاقتصاد في البلدين، ولكنَّ خضوع النظامين للإملاءات الصهيونية جعل منهما أداة رخيصة لتنفيذ أجندات غربية تخدم فقط مصالح الصهاينة في المنطقة.
وكل ذلك يثبت أن الحرب في اليمن وفلسطين واحدة، يديرهما عدو واحدة ضد قضية واحدة وما الأنظمة العميلة إلا أدوات يستخدمها ذلك العدو لتعويض خسائره المادية، وسيستغني عنهما في الوقت المناسب، وحسب ما تقتضيه مصلحته لا مصلحة عملائه، ومن الطبيعي عندها أن يشعر ولي العهد السعودي باقتراب نهايته مع اقتراب التطبيع العلني بين الرياض وتل أبيب، ومن الصعب عليه أن ينجو من المخطط العبري، حيث لا أمل في النجاة لمن ينخرط في خدمة الصهيونية العالمية، وما مصير السادات إلا شاهد عملي على قبح المؤامرة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب