"القوة مقابل القوة والإرهاب مقابل الإرهاب"
السياسية || محمد محسن الجوهري*
بعد 400 سنة من الاحتلال الإنجليزي لإيرلندا، وتسببه بإبادة أكثر من ثلث سكانها وتهجير ثلثاً آخر، وجد الشعب الإيرلندي في الحرب العالمية الأولى فرصته للتخلص من الحكم الإنجليزي المجرم، وبدأ ثورته المسلحة وتأسيس نواة "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، والذي نجح في عامه الأول بتدمير 700 موقع للقوات البريطانية على الجزيرة، معتمدين على أسلوب حرب العصابات بسبب الفارق الكبير في العتاد والإمكانات.
ومع دخول العام 1919، بلغ عدد أفراد الجيش الإيرلندي نحو 100 ألف مقاتل، بينهم عشرون ألف امرأة، وهذا الرقم يعكس حجم السخط الشعبي في البلاد، جراء القمع العرقي والطائفي الذي مارسه الإنجليز ضدهم لمئات السنين، وكان سبباً في هلاك معظم سكان إيرلندا.
ورداً على انتصارات الشعب الإيرلندي، أعلن وزير الحربية الإنجليزي "وينستون تشيرشل" (رئيس الوزراء لاحقاً) استراتيجية أسماها: "القوة مقابل القوة والإرهاب مقابل الإرهاب"، بعد تأسيسه لقوة عسكرية شارك جميع أفرادها في الحرب العالمية، وكلف تلك القوة بقتل وتعذيب أكبر عدد ممكن من الإيرلنديين لخلق هزيمة نفسية قد تردعهم عن المطالبة بالاستقلال والحرية.
ونجحت تلك القوة في ارتكاب مجازر مروعة بحق الشعب الإيرلندي حيث تحولت شوارعها إلى ساحات إعدام ممتلئة بالجثث المتناثرة، إلا أنها فشلت في كبح طموحه نحو الحرية، بل عمق القمعُ الإنجليزي العداء مع الإيرلنديين، وزاد من قناعتهم بوجوب التخلص من الاحتلال مهما كانت الخسائر، وهنا تدخلت كل فئات الشعب في الانتفاضة الشعبية، وعم الإضراب كل المؤسسات المدنية، تحت شعار (نحن أمة إيرلندية) رداً على محاولات بريطانيا الدائمة لفرض هويتها الدينية والثقافية على إيرلندا.
وخلال تلك المرحلة، نجح الكاتب المسرحي الإيرلندي الشهير (تيرينس جيمس ماكسويني Terence James MacSwiney) في لفت أنظار العالم إلى النضال الإيرلندي ضد الإنجليز، ما أثار تضامناً واسعاً مع القضية الإيرلندية، وتسبب بالمزيد من السخط ضد السياسات البريطانية، والتي لجأت إلى اعتقال ماكسويني، وتعذيبه حتى الموت، ليتحول إلى أيقونة للكفاح ضد التاج البريطاني في معظم مستعمراته، بما فيها الهند حيث أُعجب المهاتما غاندي بتجربته، وألهمته ليكون ماكسويني آخر في بلده.
وأصبحت مقولته الشهيرة "موتي سيضر الإمبراطورية البريطانية أكثر من حياتي" مكتوبةً على كل حائطٍ في إيرلندا وسائر المستعمرات البريطانية، وألهمت الشعوب لاستعادة حريتهم وأوطانهم من الإنجليز دونما مبالاة بالموت ووسائل التعذيب.
وفي عام 1922، خضعت بريطانيا لرغبة الشعب الإيرلندي، ووقعت مع الثوار "المعاهدة الإنجليزية الأيرلندية" والتي اعترفت فيها بقيام الجمهورية الإيرلندية الحرة، ورحيل الإنجليز إلى الأبد عن الأرض الإيرلندية، بعد احتلال دام قرابة 400 سنة، سعت فيها بريطانيا إلى فرض احتلال شامل على جميع المستويات ثقافياً ودينياً، ولم يتبق خلالها للإيرلنديين إلا أقل من 14% من أرضهم خلال تلك الحقبة.
ولذلك نجد الشعب الإيرلندي يتضامن اليوم مع الشعب الفلسطيني، ويرى أن مأساة العرب هناك هي استنساخ لمأساتهم، وأن الإنجليز يقفون وراء تسليم أرضهم لليهود، والدفاع عنهم بكل الوسائل، إضافة إلى مساعي إبادة الشعب الفلسطيني بالقتل والتهجير.
وكما نجح الإيرلنديين في تحرير أرضهم منتصرين على استراتيجة "القوة مقابل القوة والإرهاب مقابل الإرهاب، فإن الشعب الفلسطيني العربي المسلم سينجح في تحرير أرضه بالقوة، ومهما كانت التضحيات، وفي النموذج الإيرلندي الكثير من الدروس والعبر، ليس للعرب وحدهم، بل لليهود المحتلين، كون ما ينتظرهم في أرض فلسطين سيفوق معاناة الإنجليز في إيرلندا، والقادم أسوأ إذا أصروا على البقاء فيها.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب