السياسية || محمد محسن الجوهري*

في أواخر العام 1915، وتحديداً في 26 ديسمبر وقعت بريطانيا، عبر (السير بيرسي كوكس)، المعتمد السياسي البريطاني في منطقة الخليج، مع عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حاكم نجد آنذاك، معاهدة "دارين" التي نصت على دعم الأخير للاستيلاء على كامل الجزيرة العربية، باستثناء المستعمرات البريطانية في الخليج مقابل أن يوقع على تنازلٍ خطي لبريطانيا بالتخلي عن فلسطين لليهود، وأن يكون حليفاً للكيان اليهودي.

وضمنت المعاهدة تقديم امتيازات مالية لابن سعود من ثروات الجزيرة العربية النفطية، وأن يكون رئيساً مطلقاً على قبائلها، وأن ذلك يسري على بأبنائه وخلفائه بالإرث من بعده، على أن يكون ترشيح خلفه من قِبله ومن قِبل الحاكم بعده، وألا يكون هذا المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه، خاصة فيما يتعلق بهذه المعاهدة.

وقد أورد المؤلف المصري، الدكتور إيهاب عمر في كتابه الخليج البريطاني (كيف صنعت بريطانيا دول الخليج العربي) تفاصيل مرعبة عن المعاهدة، وكيف قَبَّل بن سعود يد المعتمد البريطاني كوكس عندما أبلغه بنية المملكة المتحدة في تنصيبه ملكاً على الجزيرة العربية، وليس فقط إمارة نجد، مقابل أن يخنع للوصاية الإنجليزية وأن يبقى طيَّعاً للسياسات الأجنبية طيلة حياته، وكذلك خلفائه من بعده، كما تعهد عبدالعزيز بالمشاركة في احتلال فلسطين، وتشريد سكانها العرب من أرضهم، وإخضاعها لليهود.

ولمن أراد الاطلاع على تفاصيل المعاهدة، وغيرها من اتفاقيات العار بين بريطانيا وحكام الخليج، فكتاب الدكتور إيهاب عمر متوفرٌ على اليوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي بنسخٍ مختلفة منها المسموعة والمقروءة وفيها الكثير من التفاصيل التي جمعها المؤلف من مصادر غربية، وتؤكد أن أنظمة الخليج لا تزال قيد الاحتلال الغربي حتى اليوم.

وهذا يفسر تواطؤ آل سعود مع الكيان الصهيوني ومشاركتهم العلنية له في إبادة الشعب الفلسطيني، سواءً بالتمويل المادي وفك الحصار عن الكيان، أو اعتراض الهجمات الإيرانية واليمنية عليه، إضافة إلى معاداة أي طرف يدعم استقلال الشعب الفلسطيني أو يزوده بالسلاح لتحقيق ذلك، كإيران وغيرها.

وبالتالي، فإن احتلال ثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى، ما كان ليتم لولا احتلال الإنجليز الحرمين الأوليين، عبر حليفهما المتصهين عبدالعزيز آل سعود، ومن ثَّم أبنائه من بعده وجميعهم عملاء للكيان الصهيوني وحلفاء لواشنطن، كما أنهم شركاء في كل جرمية تنفذها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وما هو حادثٌ اليوم ليس إلا امتداد لخانة آل السعود التاريخية للإسلام والمسلمين.

والأدهى من ذلك، أن عبدالعزيز ليس العميل الأول من أسرة آل سعود لبريطانيا، فالبند السادس من معاهدة دارين ينص على الآتي: "يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل، بأن يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة، وألا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهؤلاء ستعين فيما بعد".

أي أنه - كما سائر حكام الخليج - ينحدر من أسرة موغلة في العمالة الإنجليز كابراً عن كابر، وأن الدولتين السعوديتين، الأولى والثانية، تأسستا من قبل الإنجليز وللأهداف الاستعمارية ذاتها، كما أن الوهابية، ومؤسسها محمد بن عبدالوهاب، هي الأخرى صنيعة الإنجليز لضرب العالم الإسلامي من الداخل، والتمهيد لاحتلال العالم العربي والمقدسات الإسلامية بما فيها المساجد الثلاثة، وهو بالضبط ما كشفت عنه مذكرات (المستر همفر) المنشورة أواخر القرن التاسع عشر، وهي الأخرى متاحة على الشبكة العنكبوتية.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب