"إعلان بكين".. الاتفاق على إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية
السياسية: مرزاح العسل
بعد محادثات جادة جرت في الصين منذ يوم الأحد الماضي.. وقع نحو 14 فصيلاً فلسطينياً اليوم الثلاثاء، "إعلان بكين"، وهو عبارة عن اتفاق يقضي بإنهاء الانقسام والقطيعة، ويُعزز الوحدة الفلسطينية بتشكيل "حكومة مصالحة وطنية مؤقتة" لإدارة غزة بعد الحرب.
وأفادت شبكة التلفزيون الصيني العالمية (سي.جي.تي.إن) في منشور لها على وسائل التواصل الاجتماعي، اليوم، بأن 14 فصيلا فلسطينيا في المجمل بينهم قادة حركتي فتح وحماس التقوا أيضا بممثلين لوسائل الإعلام بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وهذا ما أكده وزير الخارجية الصيني ونقلته وسائل إعلام رسمية صينية.
وجرى التوقيع على الاتفاق في الحفل الختامي لحوار المصالحة بين الفصائل الفلسطينية الذي استضافته بكين منذ يوم الأحد وحتى اليوم الثلاثاء، وذلك بعد أن التقى ممثلون عن فتح وحماس في بكين في أبريل الماضي لبحث جهود المصالحة لإنهاء نحو 17 عاما من الخلافات.
وقالت الفصائل الفلسطينية في بيان مشترك: إنّها اتفقت على "الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة، تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقًا لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة طبقًا للقرار 194".
وأكد بيان الفصائل على "حقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ونضالها من أجل تحقيق ذلك بكل الأشكال المتاحة".
وأشار إلى "تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة".
وقال البيان: إن الحكومة المرجوة "ستبدأ بتوحيد المؤسسات كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار القطاع، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد".
كما اتفقت الفصائل على "مقاومة وإفشال محاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني، وفقًا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ورأي محكمة العدل الدولية"، وتوافقت على "العمل على فك الحصار الهمجي عن غزة والضفة، وأهمية إيصال المساعدات الإنسانية والطبية دون قيود أو شروط"، فضلًا عن "دعم عائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيته وممتلكاته".. بحسب البيان.
وجاء لقاء بكين بدعوة من الحكومة الصينية التي تلعب دوراً متزايداً في منطقة الشرق الأوسط.. لكن الإعلان، في جوهره، لم يختلف عن إعلانات سابقة جرى برعاية دول مثل مصر والجزائر وروسيا وقطر وتركيا.
ويتزامن عقد هذا الاجتماع مع الحرب الصهيونية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتي أسفرت عن استشهاد وإصابة نحو 129 ألف فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، ويواصل العدو الحرب متجاهلاً قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
وفي هذا السياق أعلن القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موسى أبومرزوق أن الحركة وقعت مع فتح وفصائل فلسطينية أخرى، اتفاقية "للوحدة الوطنية" خلال اجتماع في الصين.
وقال أبو مرزوق في بيان له اليوم: "اليوم نوقع اتفاقية للوحدة الوطنية، نقول إن الطريق من أجل استكمال هذا المشوار هو الوحدة الوطنية.. نحن نتمسك بالوحدة الوطنية وندعو لها".
بدوره عبر عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران في بيان له، عن تقديره للجهود الكبيرة التي بذلتها الصين لاستضافة الحوار والتوصل إلى مثل هذا الإعلان.
ونقل البيان عن بدران قوله: "هذا الإعلان يأتي في توقيت مهم حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لحرب إبادة خاصة في قطاع غزة".. مشدداً على أن "إعلان بكين خطوة إيجابية إضافية على طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية".
وأشار بدران إلى أن "أهم نقاط الاتفاق كانت على تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني تدير شؤون الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وتشرف على إعادة الإعمار، وتهيئ الظروف للانتخابات، وهذا كان موقف حماس الذي دعت إليه وعرضته منذ الأسابيع الأولى للمعركة".
كما أكد أن "هذا يضع سداً منيعاً أمام كل التدخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لفرض وقائع ضد مصالح الشعب الفلسطيني في إدارة الشأن الفلسطيني بعد الحرب".
ويشار إلى أنه في أبريل الماضي اجتمعت حركتا حماس وفتح لأول مرة في بكين لمناقشة جهود المصالحة لإنهاء نحو 17 عاما من الخلافات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُعلَن فيها أن وفداً من حماس زار الصين منذ بدء الحرب في غزة.
وكثف المسؤولون الصينيون جهودهم في الدفاع عن الفلسطينيين في المحافل الدولية في الأشهر القليلة الماضية، إذ دعوا إلى عقد مؤتمر سلام فلسطيني صهيوني على أوسع نطاق ووضع جدول زمني محدد لتنفيذ حل الدولتين.. ويمثل الاتفاق الجديد هذا انقلابا دبلوماسيا لبكين ونفوذها المتزايد في الشرق الأوسط، بعد أن توسطت في اتفاق تاريخي بين السعودية وإيران العام الماضي.
في السياق ذاته، قال مسؤول دائرة العلاقات العربية والدولية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إحسان عطايا في بيان له: إن ما ورد في البيان الختامي للحوار الفلسطيني في الصين الذي تم تسريبه إلى الإعلام "غير دقيق"..
وأوضح أن حركة الجهاد الإسلامي رفضت أية صيغة تتضمن الاعتراف بـ"إسرائيل" صراحةً أو ضِمناً، كما أنها لم توافق على إدراج صيغة تنص على القرارات الدولية التي تؤدي إلى الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال الغاصب.
وطالبت حركة الجهاد بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ"إسرائيل"، كما طالبت "بتشكيل لجنة طوارئ أو حكومة طوارئ لإدارة المعركة في مواجهة الإبادة الجماعية ومخططات التصفية للقضية الفلسطينية"، بحسب تصريح عطايا.
من جهته، أفاد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيبدأ مشاورات مع كافة الفصائل لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة وفقا لإعلان بكين.
وحمل "إعلان بكين" جملة من التفاهمات السياسية العامة، لكنه لم يضع آليات تنفيذية وجداول زمنية، ما جعل الكثير من المراقبين والمسؤولين يرون فيه واحداً من التفاهمات السابقة التي جرى التوصل إليها بوساطة جهات خارجية دون توفر إرادة سياسية لتطبيقه.
وقال أحد المشاركين في لقاءات بكين لصحيفة "الشرق": إن "اللقاء في الصين كان عاصفاً، وظهرت فيه خلافات جوهرية، لكن لم يكن من اللائق العودة من تلك البلاد البعيدة دون بيان عام يرضي المضيف الصيني، ولا يثير غضب الشارع الفلسطيني".
وأضاف: "ظهرت خلافات جوهرية بين الحركتين بشأن إنهاء الانقسام، تتعلق بالسلطة والقانون والسلاح الشرعي الواحد، وأساليب النضال".
وتابع قائلاً: "ترى فتح أن السلطة يجب أن تكون موحدة، والسلاح موحداً بيد رجال الأمن فقط، بينما ترى حماس أننا في مرحلة تحرر وطني تتطلب من الفصائل حمل السلاح والمقاومة".
وأوضح أن "هناك خلافات سياسية جوهرية أيضاً تتعلق بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع "إسرائيل"، والتي تتمسك بها فتح، بينما تطالب حماس بالتخلي عنها بعدما ثبت فشلها في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية خاصة إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس".
وكانت حركتا التحرير الوطني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) قد توصلت منذ عام 2007 إلى مجموعة من الاتفاقيات الهادفة إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام الداخلي، لكن هذه الاتفاقيات لم تلق طريقها إلى التطبيق بفعل عراقيل مختلفة، وأبرز هذه الاتفاقيات: اتفاق مكة 2007، والورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014.
ويعتبر اتفاق الشاطئ من أهم اتفاقات المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وقد سمي بهذا الاسم لأن جلسات الحوار عُقدت في منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، وأعقب ذلك اتفاق القاهرة 2017، واتفاق تركيا 2020م.. اجتماع الجزائر 2022، واجتماع موسكو للمصالحة الفلسطينية 2024، واجتماع بكين في شهر أبريل 2024.
في المقابل.. وفي أول رد فعل صهيوني رأى العدو الصهيوني أن الاتفاق الذي أبرمته الفصائل الفلسطينية في الصين لتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة توحد المؤسسات الفلسطينية بمثابة "أمر لن يحدث".
وقال ما يسمى بوزير الخارجية الصهيوني، "يسرائيل كاتس": إن "إعلان بكين" الذي وقعته حركتا "فتح" و"حماس" للمصالحة وإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، سيبقى حبرا على ورق.. متوعداً بتدمير حكم حركة حماس في قطاع غزة، على حد زعمه.
فيما يقول رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو: إن هدفه هو "تدمير حركة حماس".. ويعارض أن يكون لها أي دور في إدارة غزة بعد الحرب.
الجدير ذكره أن الساحة الفلسطينية تعاني انقساماً سياسياً وجغرافيا منذ العام 2007، حيث تسيطر حركة حماس وحكومة شكلتها على قطاع غزة، في حين تدير الضفة الغربية المحتلة حكومة شكلتها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس، وعلى مدى سنوات طويلة عقدت لقاءات عدة بين الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كان آخرها اجتماعات الجزائر في أكتوبر 2022، ولقاء بمدينة العلمين المصرية في 30 يونيو 2023، دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادّة تحقق هدفها.