بثينة عليق*


يبدو واضحاً أن يمناً جديداً يولد منذ تفعيل أنصار الله دورهم في الحياة السياسية اليمنية. وقد جاء اتخاذ قرار إطلاق جبهة الإسناد لغزة من صنعاء كمؤشر لإضافي على التحولات الكبرى التي يعيشها اليمن.

شكلت هذه الجبهة علامة فارقة في معركة طوفان الأقصى، إلا أن استهداف مسيرة يمنية لـ أم الرشراش "تل أبيب" خلال الأسبوع الماضي اعتبر حدثاً مفصلياً، إلى درجة أن مصدراً في الجيش الصهيوني وصف هجوم المسيرة التي سميت يافا بأنها "بمنزلة 7 أكتوبر جديد لأنظمة الدفاع الجوي الصهيوني "، وأن هذه العملية تنذر بانتهاء عصر "السماء الصافية"، في إشارة إلى طبقات أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي "إسرائيل".

قبل طوفان الأقصى، لم يكن اليمن بعيداً عن الاهتمام الصهيوني ربطاً بالاستراتيجية الصهيونية التي تنص على الهيمنة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

الأطماع الصهيونية التي تُرجمت خلال سبعينيات القرن الماضي بسيطرة "إسرائيل" على عدد من الجزر الإثيوبية جنوب البحر الأحمر، دفعت اليمنيين إلى نشر قوات في جزيرتي حنيش الكبرى وجبل زقر عام 1977.

العام 1995 شهد تطورات لافتة على هذا الصعيد. قامت البحرية الإريتيرية، وبإشراف خبراء "إسرائيليين"، بمهاجمة جزر حنيش اليمنية بزوارق بحرية وطائرات صهيونية . وقد سجل أن تحركات أرتيريا في البحر الأحمر تأتي بالتنسيق مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى تحول منطقة جنوب البحر الأحمر إلى مجال نفوذ أميركي ـ صهيوني .

في تلك المرحلة، لم يصدر أي رد فعل يمني كبير إزاء هذه الإجراءات الصهيونية . بقيت الأمور على حالها إلى حين دخول أنصار الله إلى المشهد السياسي اليمني، والذي وصل إلى ذروته عام 2014. لم يكن إطلاق أنصار الله صرختهم الشهيرة "الموت لأميركا، الموت لـ"إسرائيل" مجرد عمل إعلامي استعراضي. أدرك "الإسرائيليون" أن اليمن يمر بتحولات كبيرة.

مع بداية العدوان السعودي على اليمن، تعاطى "الإسرائيليون" كأن الحرب حربهم. كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت في تلك الفترة أن الحرب في اليمن تدخل في "مصلحة "إسرائيل"، وهي فرصة لقطف الثمار".

في آب 2020، نُشرت دراسة في مجلة "معراضوت" الصهيونية تظهر الاهتمام الصهيوني باليمن وحيثياته. ذكرت الدراسة أن المعركة في اليمن جزء من الصراع الإقليمي على الهيمنة على الشرق الأوسط بين إيران و"الائتلاف العربي السني"، و"أن انتصار الحوثيين سيمنح طهران سيطرة على معبري المياه الاستراتيجيتين من مضائق هرمز ومضائق باب المندب".

وفي سياق الربط بين أنصار الله وحزب الله، طرحت الدراسة السؤال التالي: "ماذا يستطيع الحوثيون تعلمه من حزب الله؟ وماذا يستطيع حزب الله أن يتعلم من تجربة اليمن؟"

مجالات الاستفادة والدروس المستقاة من قبل الطرفين تتعدد وتتوزع بحسب الدراسة الصهيونية بين "الساحة البحرية واستخدام المسيرات والدفاع الجوي". وتقول المجلة الصهيونية : "إضافة إلى المعلومات والتجربة التي راكمها حزب الله، تراكمت تهديدات مباشرة لـ"إسرائيل" ومصالحها من جانب الحوثيين".

وتخلص الدراسة إلى أن المعركة على الهيمنة على الشرق الأوسط في اليمن قد تجر "إسرائيل" إلى داخل قلب المعركة، وتوصي أصحاب القرار في "إسرائيل" بأن يتابعوا التطورات في ساحة القتال في اليمن.

ولكن يبدو أن المتابعة لم تؤتِ ثمارها. يظهر الأداء الصهيوني ، كما التطورات اللاحقة، أن الفهم الصهيوني لليمن لم يكن دقيقاً، ما يشير إلى ضعف في التحليل وفي تفهم المعطيات اليمنية. سوء الفهم والتقدير وصل إلى ذروته بعد طوفان الأقصى.

أفاد تقرير نشره معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني في جامعة "تل أبيب" في شهر كانون الأول من العام الماضي بأنَّ "عدة عوامل قد تجعل الحوثيين يقلصون استهدافهم لـ"إسرائيل"، وأضاف أن المسافة بين اليمن و"إسرائيل" التي تصل إلى نحو 2000 كلم حتى إيلات في أقصى جنوب "إسرائيل" هي العامل الأول الذي سيدفع بهذا الاتجاه.

التقدير ذاته تكرر في موقع ماكو العبري الذي حسم أنّ "جماعة أنصار الله غير مهتمة بفتح جبهة مع إسرائيل". أما صحيفة معاريف، فذهبت إلى حد طمأنة الجمهور الصهيوني إلى أن "مدى الطائرات التي يمتلكها الحوثيون يبلغ 800 كيلومتر، وأنها لن تتمكن من حيث المبدأ من استهداف إسرائيل".

جاءت الطائرة يافا لتظهر الخلل في التقديرات الصهيونية . قد يكون أحد أسباب عدم الفهم هو التغيرات الكبيرة التي شهدتها الساحة اليمنية. لقد أخرجت الرمال اليمنية المتحركة الكثير من المفاجآت، وصولاً إلى تحول قضية التخلص من التبعية الخارجية إلى خيار شعبي ومصيري.

أظهر اليمنيون شجاعة في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم، ما أطاح الكثير من التصورات والمسلمات التي سادت في العقود الماضية.

خاض اليمنيون ما يشبه حرب التحرير الوطنية التي أدت إلى خلق ديناميات أهلية ولدت الكثير من عناصر القوة والاقتدار، وأثبتوا أن العداء لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية مسألة ترقى إلى مستوى الالتزام العقائدي والأخلاقي والوطني، وأن قرار دعم غزة لا تراجع عنه، وأن سقوف الدعم أعلى مما يتوقعه كثيرون.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب