دينا الرميمة

ثمة انتصارات أُخرى للطوفان الفلسطيني يقرأها المتابع للأحداث في غزة والعالم غير تلك الانتصارات العسكرية التي حقّقها أبطاله على الكيان الصهيوني، والذي لم يكن له من نصر يذكر سوى ركامات الدمار والجثث المتكدسة على طول وعرض غزة تشفي صدور قادات حكومته الممتلئة حقداً على الطوفان، على الرغم من الفارق الكبير في التسليح؛ ما جعلهم يعيشون أزمة ثقة مع الشعوب والحكومات الداعمة لهم في هذه الحرب، وهنا يكمن النصر الأكبر للطوفان الذي أثبت هو وأبطاله أن الكيان الصهيوني لم يكن ليصمد أمامهم لولا الدعم الأمريكي والغربي والتواطؤ العربي ولم يكن لتكون للصهاينة دولة تضمهم على أرض فلسطين لولا هذا الدعم الممتد منذ أول قدم لهم وطئت أرض فلسطين ولكل أسبابه من وراء هذا الدعم!!.

غير أن الطوفان وبحنكة أبطاله المقاومين الذين خاضوا المعركة بكل اقتدار وَإيمان صاحب الأرض بحتمية النصر، وأصبحوا يتلون بيانات انتصاراتهم موثقة بالصور، قد أثبتوا لداعمي الحرب أن النصر لن يصنعه دعمهم بل غضب أصحاب الأرض المتنامي على مدى سنوات الاحتلال حتى لحظة الطوفان الأولى، وَلن يهدأ غضبهم إلَّا بالتحرير.

أضف إلى أن ثبات وصمود سكان غزة وَتوثيقهم المُستمرّ بكاميرات تليفوناتهم للجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحقهم، ومن الأرض المحروقة نقلوا المعاناة بكافة أشكالها للعالم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أزالوا صدأ السنين من على قضيتهم المنسية، وأخرجوا الإنسانية من مخبئها الذي أدخلتها فيه الحكومات الغربية الداعمة لـ "إسرائيل"؛ فنهضت من سبات طويل تجوب الشارع تكفيراً عن ذنب هذا الدعم وجرم الصمت عن الكيان الصهيوني بعد أن تأكّـدت أن الخطر القادم على العالم ليس من الإسلام كما يروج له اللوبي الصهيوني إنما من هو من الصهيونية التي باتت تتحكم بالقرار العالمي وتطغى على كُـلّ معاني الحرية!!.

وما تلك الاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها الجامعات الأمريكية المطالبة بوقف الحرب والمندّدة بموقف الحكومة الأمريكية الداعم للصهاينة إلا نتاج الوعي الذي أحدثه الطوفان، وَباعتراف الإعلام الأمريكي الذي اتهم قادات حماس وحزب الله وأنصار الله أنهم وراء هذه الاحتجاجات وأن هؤلاء القادة يعقدون جلسات تدريب مع النشطاء السياسيين في أمريكا لإدارة هذه الاحتجاجات عبر مواقع التواصل، غير أن الواقع يثب أن الظلم الحاصل في غزة هو من استفز الشارع الغربي وَحرك هذه المظاهرات وانتصر للإنسانية التي نثروا قوانينها تحت أقدام الصهاينة، وهذا له دلالته الكبيرة على حجم التأثير الكبير لخطابات قادة المقاومة المستحثة لإنسانية الشعوب والمطالبة لهم بالضغط على حكوماتهم لإيقاف الدعم وَالحرب.

وعلى الرغم من حجم هذه الاحتجاجات التي تزداد يوماً بعد يوم ولم تعد خَاصَّة بطلاب الجامعات، بل انضم إليهم الكثير من الشعب الأمريكي وحاكتهم بقية الشعوب في الغرب ولم يُثْنِهم ما يتعرض له المحتجون من قمع واعتقالات وفصل من الجامعات، إلا أن الملفت للنظر أن الإعلام الأمريكي لم يتناولها بالشكل الكافي على عكس ما لو كانت مثل هذه الاحتجاجات في دول أُخرى خَاصَّة الدول المعارضة لأمريكا كإيران أَو سوريا؛ في دلالة كبيرة على تلاشي بريق الديمقراطية التي لطالما أوهمت بها أمريكا العالم، وهنا يبرز النصر الأكبر للطوفان الذي استطاع تغيير القناعات وجعل الغرب يكفرون بكيان "إسرائيل".

بيد أن ما يحز في النفس أن نرى الشعب الأمريكي والغربي اليوم بات أكثر غيرة على فلسطين ويتعرضون للقمع وَالاعتقال بينما العرب يغطون في نوم عميق إلَّا ما رحم ربي.

- المصدر: ملتقى الكتاب اليمنيين
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع