أحمد الشريف*

بعد الرد الإيراني المباشر والصاعق على الكيان الصهيوني والذي شاركت في التصدي له دول كبرى هي: أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل ودول عربية صديقة لهذا الكيان اللقيط ومطبعة معه، وهو رد كسر معادلة الردع التي كانت إسرائيل تنفرد بها رغم محاولة التشويش الإعلامي عليه والتقليل منه، ازدادت عقدة الخوف لدى الحكام العرب والمسلمين من أن تتحول إيران إلى بطل قومي تلتف حوله الشعوب العربية والإسلامية فتتلاشى ما بقيت لهم من شعبية لدى شعوبهم وإن كانت غائبة أصلاً حيث لا وجود لها إلا في مخيلة وسائل إعلامهم الرسمية المسيرة من قبلهم والتي يشرفون عليها بأنفسهم لكيل المديح الزائف لهم.

وعليه فقد التزم الحكام العرب والمسلمين الصمت إزاء ما قامت به إيران من فعل عسكري شجاع أصاب عقر دار بني صهيون في مقتل وأصابهم بالذهول رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق وفي نفس الوقت نصرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة الجماعية من قبل الجيش الصهيوني على مدار الساعة مُنذ سبعة أشهر على التوالي ولم يكلف الحكام العرب والمسلمون أنفسهم حتى بتسجيل موقف من خلال إصدار بيانات على الأقل للتعامل مع ما قامت به إيران من عمل مشروع دفاعا عن النفس ونصرة للقضية الفلسطينية كحدث إعلامي وليس بالضرورة تأييده من قبلهم فهم أجبن من أن يفعلوا ذلك أو يتجرؤوا على مهاجمة إسرائيل.

ومن المفارقات العجيبة إن كثيراً من الأنظمة العربية والإسلامية سارعت للتعاطف مع إسرائيل والوقوف إلى جانبها محملة إيران مسؤولية ما قامت به من عمل دفاع عن النفس ومدعية أن إيران تريد إشعال الحرب في المنطقة بل وصل الشطط ببعض الأغبياء من الحكام العرب المتأمركين إلى أن يقولوا في تصريحات رسمية بأن إيران تعمل ضد القضية الفلسطينية وأن ما قامت به يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى وينقذ نتنياهو من ورطته ويحرف الأنظار عما يجري في قطاع غزة من إبادة جماعية يشارك فيها العديد من الحكام العرب من خلال سكوتهم ودعمهم لإسرائيل أملاً منهم في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس وخوفاً من أن تتحول حماس إلى قوة عظيمة أسوة بحزب الله في لبنان ومكون أنصار الله في اليمن.

ويزداد خوف الأنظمة العربية تعاظماً من الرد الإيراني الحاسم على أي تهور قد يقوم به الجيش الصهيوني لمهاجمة إيران أو مهاجمة مصالحها في المنطقة لاسيما بعد أن أكد القادة الإيرانيون بأن صبرهم الاستراتيجي قد أنتهى ودخلوا في خطوات عملية وهو ما جعل قادة الكيان الصهيوني يترددون في القيام بأي عمل قد يلحق بهم الأذى حيث أخذوا على محمل الجد تحذير ونصائح حلفاء لهم من الدول التي تساندهم وتحميهم في مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول عربية تعتبر نفسها الأب الروحي للكيان الصهيوني وتخاف عليه من أن يتعرض لهزيمة من قبل إيران والمقاومة الفلسطينية والمساندين لها في اليمن ولبنان والعراق وهم الذين يراهنون على هذا الكيان اللقيط لحمايتهم والدفاع عنهم والدليل أن إسرائيل لم تجرؤ على إعلان تحمل مسؤوليتها رسمياً للعملية التخريبية التي تعرضت لها أصفهان فجر الخميس الماضي.

وبالرغم من أن معادلة الردع قد تغيرت عقب دخول إيران على خط المواجهة وباتت حتى أمريكا أكبر داعم وحامي للكيان الصهيوني تدرك ذلك جيداً حيث أصبحت تطالب ربيبتها إسرائيل بضبط النفس كون التهور من قبل قادتها المتطرفين ليس في صالحها فقد يجر عليها الويل والثبور ويعمل على زوالها إلا أن كثيراً من الحكام العرب لا يزالون في غيهم يعمهون وغير مصدقين ما يجري على أرض الواقع من تحقيق انتصارات على الجيش الصهيوني الذي أعتاد أن يشن حروباً على عدد من الجيوش العربية في وقت واحد وينتصر عليها خلال أيام وهو ما جعل هؤلاء الحكام العرب المتخاذلون ينسجون حوله اسطورة الجيش الذي لا يقهر فصدقوها وتأصلت في نفوسهم ولذلك سببت لهم المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس بصمودها في وجه هذا الجيش ومقاومته ومنعه من تحقيق أهدافه التي دمر غزة وقتل سكانها من أجل تحقيقها ولم يفلح رغم مرور ما يقارب سبعة أشهر على حربه الظالمة صدمة عنيفة وصداع لم يشفوا منه، وانتقاماً منهم وقفوا إلى جانب الجيش الصهيوني وعملوا على مضاعفة الحصار على قطاع غزة من خلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية منها إلا بالقطارة حسب ما تقتضيه تعليمات جيش العدو الصهيوني.

وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه: إلى متى سيظل العرب صفر على الشمال في معادلة الردع التي يفرضها واقع اليوم بفضل بروز قوى وطنية امتلكت إرادة حرة وتبنت قضايا الأمة والدفاع عنها وحققت انتصارات لم يعهدها العرب سابقاً رغم كثرتهم وكثرة إمكانياتهم المادية والعسكرية والبشرية ولكنهم غثاء كغثاء السيل كما جاء في الحديث الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام بالإضافة إلى المساحة الجغرافية التي تحتلها دولهم المتصلة ببعضها والتي تعادل قارة ولا يوجد ما يمنع تواصل الشعوب العربية ببعضها أو التحرك فيها إلا الحدود الوهمية التي صنعها الحُكام بتعليمات من أسيادهم في الدول الاستعمارية الحامية لأنظمتهم العميلة التي لا تستطيع أن تقطع أمراً إلا بمشورتها وتلقي التعليمات منها؟!

وما يجري في اليمن وفي لبنان وفي العراق انموذجا سيشكل بداية لعهد عربي جديد يتفوق على العدو الصهيوني ويعيد للأمتين العربية والإسلامية مجدها وكرامتها بل ويعيد إلى الأذهان تلك الانتصارات والفتوحات التي حققتها الأمة الإسلامية عندما تربعت على عرش قيادة العالم لمئات السنين لأن العظماء من أبنائها المستقلين بقرارهم السيادي هم من كانوا يقودونها ولم يخضعون إطلاقاً لإرادة أعدائهم كما يفعل حكام اليوم المرتمون في أحضان من أوصلوهم إلى كراسي الحكم وتكفلوا بحمايتهم من أجل تنفيذ أجندات الخارج على حساب خدمة ومصالح شعوبهم غير مدركين بأن الشعوب التي ظلت مُغيبة لعشرات السنين أصبحت اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى وقادرة على أن تعصف بهم وتسحب البساط من تحت أقدامهم في أي لحظة وعليهم أن يعتبروا بالمارد المقاوم في عدد من الدول العربية وكيف استطاع أن يواجه ويتحدى دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وربيبتهما إسرائيل التي أصبحت تستنجد بهما إلى جانب دول أخرى لإنقاذها من هزيمة محققة على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية وهي التي كانت تدعي بأن جيشها أقوى جيش في المنطقة بل وفي العالم لكن ما يجري له في قطاع غزة من قبل فصيل مقاوم مؤمن بقضيته وبالدفاع عنها أثبت عكس هذا الادعاء تماماً وألحق به الذل والعار الذي سيظل يلازمه إلى ما لا نهاية.

* المصدر: 26 سبتمبر نت

* المقال يعبر عن رأي الكاتب