.. في ذكرى رحيل صمّاد اليمن
السياسية: بقلم // صادق سريع
رجلٌ استثنائي يمتلك كاريزمية غير عادية، لفت أنظار من حوله، وجذب أفئدة أبناء شعبه، جمعت شخصيته بين هموم المواطن والضمير الحي، وروح المسؤولية، وصفات القيادة، وحنكة القائد والإداري الناجح والعسكري الشجاع، والمعلم المُلهم، وأحقية منصب الرئيس، فكان رجل دولة بامتياز.
رجلُ لم يأتِ به الحظ إلى كرسي الرئاسة، بل أتى كرسي الرئاسة إليه، يوم تسلّم رئاسة المجلس السياسي الأعلى في 6 أغسطس 2016، أصبح الثائر المجاهد الحافظ الشهيد صالح الصماد رئيساً للجمهورية اليمنية في مرحلة توصف بالأخطر في تاريخ اليمن في ظل حرب عدوانية، وحصار ظالم مستمر إلى اليوم، تقف خلفها أقذر أنظمة الإمبريالية والصهيونية العالمية بقيادة خفية تتزعمها الولايات المتحدة، ودول الغرب و”إسرائيل”، وغطاء عربي متصهين تقوده مملكة قرن الشيطان، وفراعنة المنطقة تحت ما يُسمى “تحالف استعادة الشرعية”.
رجلٌ استثنائي في مرحلة استثنائية بدأ في تأسيس مشروع الأمة الدفاعي والاستراتيجي والنهضوي، كمنقذ لليمن تحت شعار: “يد تبني ويد تحمي”، لمواجهة المستعمرين الجدد ومشاريعهم الاستعمارية، في ظل مرحلة انتقالية تحت وابل القذائف، وحمم الصواريخ، وأزيز رصاص آلة حرب تحالف الشر (العرب-صهيو-أمريكي).
كان رجلاً من رجالات القرآن، جمع بين الإيمان والجهاد والصدق والشجاعة والرجولة والشهامة والزهد والتواضع والفطنة والبساطة والكرم والصبر والأمانة والإخلاص في العمل، وحسن المعاملة، والتعامل بروح المسؤولية تجاه وطنه وشعبه، وقريباً من الله ووطنه، فكان الله قريبه منه ثم الوطن، وليس ذلك غريبا على رجلٍ نشأ وترعرع في رحاب “مسيرة قرآنية”، ونهل من علوم وروحانية المدارس الدينية والعلمية منذ صغر سنه حتى حفظ القرآن عن ظهر قلب.
ورجلاً وطنياً ومجاهداً مغواراً أحب الجهاد وقدسه وإحياء سنته، شارك المجاهدين خنادق الجهاد، ولا أصدق من عبارته الشهيرة التي صدق قائلها: “مسح الغبار عن نعال المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا”.
وفي زيارته لإحدى جبهات الحدود، يوم 27 يونيو 2017، قال: “من هنا، من هذه الجبهات سنُخضع العدو السعودي – الأمريكي، ومن هنا سنجبره على إيقاف عدوانه”.
وقال أيضاً: “لم نفتح القصور ليأتي الناس إلى زيارتنا، بل قلنا سنأتي نحن لزيارة رجال الرجال في جبهات القتال”.
وهو القائل: “لن تكون دماؤنا أغلى من دمائكم، ولا جوارحنا أغلى من جوارحكم”.
ومن أقواله المأثورة، التي تثبت حبه للوطن: “كل من يشتري أرضاً أو يبني عقاراً هذه الأيام – أي أيام الحرب – اكتبوا على جبينه كلمة سارق وفاسد وخائن دماء الشهداء”.
وما أكثر الكلمات والجُمل والعبارات والخطابات والمواقف الشهيرة، التي أطلقها صمّاد اليمن، حين قال: “لا يوجد -بإذن الله- ما نختلف عليه، وصالح الصماد إذا استشهد غد أو آخر الشهر ما مع جهالة أين يرقدوا، وهذه نعمة عظيمة بفضل الله”.
واستشهد فعلاً، ونال ما تمناه فعلاً، ولحق بقوافل شهداء الوطن فعلاً.
وهو القائل: “لا يشرفنا إلا أن نعود إلى شعبنا حاملين لراية النصر أو محمولين على أكتاف الرجال شهداء”، هكذا قالها، وكذلك عاد محمولا على أكتاف الرجال شهيداً حائزاً على أرفع وسام شرف منحه الله إياه، ليسجل أسمه باسم شهيد الوطن، وتخلد ذكرى استشهاده مناسبة وطنية، تُحيا كل عام إلى ما شاء الله، ودمه الطاهر وقوداً يشحذ همم أحرار اليمن، أولئك الرجال الذي باعوا أرواحهم من الله، فربحوا تجارته.
خلال عامين فقط، أثناء فترة حكمه لليمن، صنع الرئيس الشهيد الذي لا يملك منزلا، تحولات كبيرة في اليمن على كافة المستويات، حيث أطلق الرئيس الصماد، الذي استطاع بحكمته السير بين الألغام، في الـ 26 من مارس 2018، مشروع لبناء اليمن الجديد، يقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى، تكمن في توحيد الجهود الوطنية وتعزيز الصمود الشعبي، وبناء مؤسسات الدولة، والثانية بتأهيل الجيش وتشجيع التصنيع العسكري، واليوم تحققت تلك الأهداف الصمادية، وتغيرت المعادلات الدولية، وأصبحت اليمن رقماً صعباً تفرض شروط المنتصر على أعتى أمبراطوريات كوكب الأرض.
وفي خطابه الوداعي الأخير، كشف الشهيد الصماد عن معلومات مفادها أن الولايات المتحدة هي من تدير معركة الساحل، وأن السعودية أداة تنفذ أجندتها.. مخاطباً السفير الأمريكي لدى اليمن، ماثيو تولر، بالقول: “سنستقبلُكَ على خناجرِ بنادقنا”، فكانت تلك الرسالة بداية مرحلة عملية اغتياله.
وبعد عمليات تعقب وملاحقة استمرت سنوات، وتخصيص مبلغ 20 مليون دولار، كجائزة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه، اغتال تحالف العدوان المطلوب رقم “2”، الرئيس الشهيد صالح الصمّاد، في الثالث من شعبان 1439، الموافق 19 أبريل 2018، بعد انتهائه من لقاء معلن عقده في محافظة الحديدة،
فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حيا..
الخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى، والنصر لليمن..
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب