أمريكا تعيش عزلة دولية بسبب دعمها لكيان العدو الصهيوني
السياسية: عبدالله المراني
منذ بدأ العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة، إثر معركة “طوفان الأقصى” البطولية على كيان العدو الصهيوني في السابع من أكتوبر الماضي، اضطرت واشنطن أكثر من مرة لأن تقف لوحدها في المحافل الدولية للدفاع عن حليفتها ماتسمى بـ”إسرائيل”.
ويعكس تصويت الولايات المتحدة الأمريكية منفردة ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، ثم تصويت 153 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح “القرار”، مقابل رفض واشنطن وكيان العدو الصهيوني وثمان دول فقط، حجم العزلة التي يعاني منها “الموقف الأمريكي” على الصعيد العالمي.
ورغم هذه “العزلة”، إلا أن واشنطن وحدها ما زالت قادرة على تحدي العالم، وإبطال رغبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأكثر من ثلاثة أرباع دول العالم في إنهاء الحرب الدموية في قطاع غزة، والتي تهدد الأمن والسلام الإقليميين.
وكل هذا بسبب “الفيتو” الذي تملكه الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، وعدم امتلاك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لأي سلطة “إلزامية”، ما يضع مصير السلام العالمي رهن “مصالح ورغبات خمس دول تملك حق الفيتو”، ويمكن أن تستعمله حتى في القضايا والحروب التي تكون طرفا فيها.
وبطبيعة الحال هذا الوضع يشل دور الأمم المتحدة وهيئاتها، والذي يمثل حفظ الأمن والسلام العالميين أسمى أهدافها التي أسست من أجلها بعد الحرب العالمية الثانية في 1945.
وهو ما دفع عدة دول ومنظمات قارية وإقليمية للمطالبة بإصلاح المنظومة الأممية، على رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يرفع دوما شعار “العالم أكبر من خمس”، لإنهاء هيمنة “دول الفيتو الخمس” على قرارات مجلس الأمن الدولي، وبالتالي على مصير السلام العالمي.
وعندما تسلّم الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة قبل ثلاث سنوات أعلن بنبرة ملؤها الحماسة أنّ “أمريكا عادت!” لتحمّل مسؤولياتها الدولية بعد السياسة الانعزالية التي انتهجها سلفه دونالد ترامب، لكنّ واشنطن تجد نفسها اليوم في عزلة دولية متزايدة بسبب دعمها الراسخ لكيان العدو الصهيوني في عدوانه الهمجي على قطاع غزة.
وفي مجلس الأمن الدولي، على سبيل المثال، استخدمت أمريكا مرّتين متتاليتين حق النقض لمنع صدور قرارين يدعوان إلى “وقف إطلاق نار إنساني” في قطاع غزة.
لكنّ الدولة التي تدعي أنها الأقوى في العالم خرجت الجمعة، على استحياء، من عزلتها في مجلس الأمن الدولي بقرارها عدم وأد قرار يدعو إلى إدخال مساعدات إنسانية “على نطاق واسع” إلى القطاع المحاصر من قبل العدو الصهيوني .
وخلافاً للموقف الذي اتّخذه بعض من أقرب حلفائها مثل بريطانيا وفرنسا واليابان التي صوّتت لصالح القرار ــ امتنعت الولايات المتّحدة عن التصويت، وكذلك فعلت روسيا.
وقبل ذلك بأسبوع، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تجد الولايات المتّحدة بين سائر شركائها الأوروبيين سوى النمسا والتشيك في التصويت ضدّ قرار يدعو إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
ولا ينفكّ هذا الوضع ينعكس سلباً على صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم.
وتقول الخبيرة في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن ليزلي فينجاموري: إنّ “الطريقة التي يُنظر بها إلى كلّ هذا في بقية العالم هي أنّ الولايات المتّحدة تهتمّ ب”الإسرائيليين” والأوكرانيين”، وتعير اهتماماً أقلّ للشعوب غير الغربية.
وخلافاً لسلفه الجمهوري الذي دعم كيان العدو الصهيوني بدون أيّ تحفّظ، فقدّ بايدن صبره أكثر من مرة مع كيان العدو الصهيوني إلى حدّ أنّه أخرج إلى العلن خلافاته مع رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو.
وأسفر العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة، بحسب الحكومة الفلسطينية في غزة ، عن أكثر من 20 ألف شهيد، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من 53 ألف جريح.
وأثبتت حرب غزة أن الأمم المتحدة أصبحت عاجزة عن أداء مهمتها الرئيسية في حفظ السلام العالمي، فمجلس الأمن الدولي لم يتمكن من إدانة القصف العشوائي للمدنيين في قطاع غزة، ولا إدانة قتل النساء والأطفال الفلسطينيين، ولا حتى قتل موظفين أمميين.
وهذا الوضع الصعب والمصيري لمصداقية الأمم المتحدة، دفع أمينها العام أنطونيو غوتيريش، لاستعمال أقصى ما يملك من صلاحيات من خلال اللجوء إلى المادة 99 من الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، والتي لم تستخدم في تاريخ المنظمة الدولية إلا نادرا، والتي تمنحه حق “لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين”.
وحذر غوتيريش، مجلس الأمن، في رسالة بعثها له في السادس من ديسمبر الجاري، من أن الحرب في غزة “قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين”.
إلا أنه مع كل هذا الضغط الأممي والدولي، استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار صوتت لصالحه 13 دولة، وامتنعت بريطانيا على استحياء من التصويت، وجرى ذلك في يوم ثمانية ديسمبر.
وكانت صدمة قوية للعالم، علق عليها غوتيريش، بخيبة أمل.. قائلا: إن “سلطة ومصداقية مجلس الأمن الدولي تقوضتا بسبب عدم القدرة على تبني قرار وقف إطلاق النار في قطاع غز
عدم قدرة مجلس الأمن إصدار قرار لوقف الطريق نحو إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، يطرح تساؤلات حول الجدوى من منظمة أممية لا تستطيع القيام بأقل واجباتها لإنهاء الحروب والنزاعات الأكثر دموية في القرن ال21.
وكما كان فشل عصبة الأمم في منع الحرب العالمية الثانية بداية أفولها، فإن إخفاق الأمم المتحدة في إصدار قرار لوقف إطلاق النار ينهي الحرب الوحشية في غزة يضع مستقبلها على المحك.
الجدير ذكره أن دول العالم ملزمة أكثر من أي وقت مضى عن البحث عن بدائل أو مؤسسات جديدة أكثر عدلا وفاعلية في تحقيق السلام الدولي، أو على الأقل تحديث الأمم المتحدة بشكل لا يجعل حياة البشرية رهينة بيد عصبة صغيرة من الأمم، إذ لا يعقل أن يعلق السلام العالمي وحياة آلاف المدنيين بمصير دولة واحدة أو حتى خمس دول، في الوقت الذي يقتل الأطفال بالآلاف في غزة دون موقف دولي حازم.