خسائر العدو في غزة فاقت التوقعات.. هل يستطيع الصمود أكثر؟
شارل أبي نادر*
تفرض المؤسسة العسكرية الصهيونية رقابة مشددة على نشر الرقم الحقيقي لأعداد القتلى والمصابين لديها، بهدف إخفاء خسائرها الفادحة التي تتكبّدها بمواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، ولكن من خلال المتابعة الموضوعية والدقيقة التي تصدر عن المقاومة الفلسطينية، أو من خلال التحليل الواقعي والحقيقي للمقاطع الحية من ميدان المواجهة، من أفلام ومشاهد ولقطات مصورة، والتي توثّق استهدافات هذه المقاومة لوحدات العدو، فإنّ حجم خسائر الأخير تجاوزت ما كان متوقعًا، ليس ما كان يتوقعه هو فقط، بل ما كانت تتوقعه المقاومة وحلفاؤها أيضًا.
صحيح أن ثقة المقاومة الفلسطينية وحلفائها بقدراتها ثابتة وموجودة بقوة، وصحيح أن التحضيرات لهذه المعركة لناحية البنية الدفاعية أو لناحية مستوى الأعمال القتالية وإدارة المناورة الدفاعية للمقاومة، كانت مدروسة وكافية ومناسبة لسقوط عدد كبير من الخسائر للعدو في حال قرر اقتحام غزة وإحيائها – كما حصل ويحصل فعلًا – ولكن عمليًا، لم يكن أحد يتوقع أن يستمر العدو في حربه المجنونة كل هذه المدة الطويلة، والتي قاربت حتى الآن الثمانين يومًا، في الوقت الذي دائمًا كانت المدة القصوى لكل حروبه واعتداءاته، لا تتعدى الـ٣٣ يومًا – كما حصل في حربه على لبنان في تموز ٢٠٠٦ – إضافة إلى أن أهم بند من بنود عقيدته العدوانية (العسكرية) هو الحرب الخاطفة، والتي لا يستطيع تحمّل عكسها بتاتًا، خالفه بامتياز في هذه الحرب الطويلة.
فما هي أسباب سقوط هذا العدد الكبير من الخسائر في الأرواح ومن المصابين لدى العدو؟ وما هي الأسباب التي تجبره على تحمّل هذا الحجم الضخم من الخسائر حتى الآن؟ والتي وصلت الى مستوى غير مسبوق من القتلى والمصابين بين ضباطه وجنوده، والتي كانت دائمًا خطًا أحمرَ بالنسبة إلى المجتمع الصهيوني بكامل طبقاته ومكوناته، وخاصة بالنسبة إلى السلطة أو للمعارضة على حد سواء؟
لناحية أسباب هذه الخسائر الضخمة لدى العدو، يمكن ومن خلال العودة سريعًا إلى بعض هذه الخسائر في الساعات الأخيرة، حيث اعترف العدو بنفسه بسقوط ١٤ قتيلًا من الضباط والجنود، وهذا العدد طبعًا هو أقل بكثير من العدد الحقيقي، يمكن الإشارة إلى مقطع منقول عن صحافي في إحدى وسائل إعلام العدو، يبين تفاصيل بعض قتلى العدو وطريقة سقوطهم، حيث جرى توثيق المقطع الآتي:
قال مراسل الشؤون العسكرية لموقع “واينت” الصهيوني يوآف زيتون، إنّه: “خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، قُتل 13 جندياً، منهم 8 خلال الساعات القليلة الماضية، وهم 4 من اللواء السابع قُتلوا بقذيفة “آر بي جي” استهدفت ناقلة جند مصفّحة من نوع “ناميرا” من مسافة صغيرة في خان يونس جنوبي قطاع غزّة، وأما الجنود الأربعة الآخرون، قُتل اثنان منهم خلال استهداف سيارة “هامر” كانوا يستقلونها بعبوةٍ ناسفة كانت مزروعة إلى جانب الطريق، مع العلم أنّ هذه هي المرّة الثانية التي يُستهدف فيها “هامر” خلال أسبوع، والقتيلان الآخران قُتلا بعد تفجير بيت مُفخخ من قبل المقاتلين الفلسطينيين قرب النصيرات وسط قطاع غزّة”.
انطلاقًا من معطيات الصحافي الصهيوني المذكور “زيتون”، فإن إحدى أهم أسباب هذه الخسائر الضخمة للعدو أن وسائل المقاومة التي أسقطت قتلى العدو المذكورة تتعدد ضمن مروحة واسعة من الأسلحة الفتاكة، بين القاذفة “م.د ار بي جي” وبين العبوة الناسفة الموجهة على طريق وبين تفجير منزل بعبوة مفخخة، يُضاف إليها وسائل أخرى، تفعل فعلها في الميدان بامتياز، مثل القاذفة ياسين ١٠٥ مضادة للدروع أو الياسين ضد التحصينات أو ضد الأفراد، أو القاذفة “تاندوم” ضد الآليات وضد الأفراد أو مثل العبوات البرميلية أو التلفزيونية وغيرها من عبوات من صناعة القسّام أو من صناعة سرايا القدس. وكل هذه القدرات الفتاكة تفرض نفسها في الميدان وتحت عنوان “فتاكة” لأنها تُستعمل في كل جغرافيا التوغل الصهيوني ، أي في كل مناطق ومدن ومحاور وأحياء القطاع، والأهم من كل ذلك لأنها تُستعمل بشراسة مقدسة قل نظيرها، وبالتزام إيماني فاق كل التوقعات، بمواجهة عدو قوي ومجهز بأحدث الأسلحة المتطورة، ويمارس أعنف مستوى من التدمير الحاقد والفاقد للإنسانية والمتخطي لكل قيود القوانين الدولية والإنسانية وقوانين الحرب، تدميرٌ لم تشهده حرب في التاريخ، ولم تشهده منطقة في العالم.
أما لماذا يتحمّل العدو هذه الخسائر الضخمة في أرواح ضباطه وجنوده أو هذا العدد الكبير من المصابين والمعاقين بين عسكرييه، فيعود ذلك إلى أنه دخل في مستنقع الهزيمة غير المتوقعة، وانسحابه اليوم منه، كمن يطلق رصاصة في رأسه، وأي تراجع من دون تحقيق أهدافه من الحرب من إنهاء بنية حماس العسكرية وتحرير الأسرى بالقوة، أو على الأقل من دون تحقيق ولو إحداها- حيث لم يتحقق أي منها حتى الآن- سيكون كارثيًا على موقفه وعلى موقعه، خاصة أن القيمين على حربه الإجرامية التدميرية اليوم من وزراء في حكومة أصوليين متشددين، وعلى رأسهم نتنياهو، سيكون مصيرهم المحاكمة لأنهم سببوا ما سببوه للكيان من أهوال لم يشهدها تاريخه، وسيكون مصيرها أيضًا الزوال من الحياة السياسية في الكيان.
من هنا، تهرب حكومة العدو إلى الأمام في حرب مجنونة خاسرة، وتعمل على إبعاد اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحرب، ولأطول مدة ممكنة. ومن هنا أيضًا، تتدحرج خسائر العدو بشكل هستيري في مسار قاتل، لن تكون تداعياته سهلة عليه بتاتًا بعد انتهاء هذه الحرب، والتي لا بد وأن تنتهي عاجلًا أم آجلًا.
* المصدر: العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب