هل أصبحت مصر بلا أنياب؟
إيهاب شوقي*
تتجه الأنظار دومًا نحو مصر ودورها التاريخي المقاوم ووزنها السكاني والوجداني لدى الشعوب العربية والإسلامية وتحديدًا في أوقات المعارك الكبرى.
ولا شك في أن الشعب المصري لم يتناقض مع هذه الأشواق العربية، فهناك وعي كامن بالعدو الحقيقي ثبت مع غياب التطبيع الشعبي على مدى العقود التي تلت اتفاقية السلام المزعومة، وتتجدد مع الأجيال الصاعدة التي تحرص على المقاطعة، وتتجلى بين حين وآخر في جنود يطلقون النار على الصهاينة غير عابئين بمصيرهم بعد هذا الخرق للسلام الرسمي المزعوم.
وعندما يتعلق الأمر بفلسطين وتحديدًا بغزة، والتي كانت وديعة مصرية تخضع للحكم الإداري المصري، وانتزعت منها مع سيناء، فإن الأنظار تتركز أكثر فأكثر على مصر، وخاصة أن المنفذ الوحيد العربي والإسلامي لفك الحصار الصهيوني عن غزة هو منفذ رفح الخاضع لسيادة مصرية وفلسطينية، وبالتالي فإن استخدامه كورقة حصار لا يحمل إلا أحد معنيين، وهما، إما تواطؤ مصري مع الاحتلال، أو عجز مصري عن فتح المعبر وإبراز السيادة المصرية وترجمة التعاطف المصري المعلن مع أهالي غزة المحاصرين والذين ترتكب معهم أبشع الجرائم المنافية للقانون الدولي والأعراف.
وعندما ترد مصر رسميًا على مطالب فتح المعبر وإدخال المساعدات، فإن ردها، بكل أسف، لا يقنع أحدًا، حيث تقول إن مصر تفتح المعبر بينما يغلقه الصهاينة وإن استهداف المعبر من الجانب الفلسطيني هو ما يمنع المساعدات!
وهنا يتم تجاهل عدة أمور:
أولًا: لا يحق للصهاينة إغلاق المعابر وفقًا للقانون الدولي النساني، ووفقا لاتفاق أوسلو 1993 وهو عبارة عن ثماني اتفاقيات، أبرزها اتفاقية المعابر في 15 نوفمبر 2005، والتي تتعلق بتنظيم عمل معبر رفح وعبور الفلسطينيين وتحديدا في قطاع غزة.
وبالتالي فإن الإغلاق يلغي الاتفاقية ولا يحق لمصر الحديث عن السلام مع العدو ويحق لها خرق بنود الاتفاقيات معه، أو على الأقل التلويح بذلك.
ثانيًا: محور صلاح الدين أو ممر فيلادلفيا هو عبارة عن شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله 14 كلم من البحر الأبيض المتوسط وحتى معبر كرم أبو سالم، ويقع على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وقد أُنشئ بموجبه اتفاق مصري – إسرائيلي، سُمي “اتفاق فيلادلفيا”، لوقف عمليات التهريب وتدمير الأنفاق الموجودة بعد أن أصبحت منطقة الحدود خاضعة للفلسطينيين.
وفي عام ٢٠٠٤، أصدر الكنيست قرارًا أحاديًا بالانسحاب من قطاع غزة لجميع المواطنين والقوات الصهيونية الموجودة في القطاع، ودخل القرار حيز التنفيذ في أغسطس/آب 2005.
ومن أجل القيام بعملية الانسحاب كان يتوجب على “إسرائيل” الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) أيضًا.
وفي ذلك الوقت، نشأت معارضة كبيرة داخل وزارة الحرب الصهيونية للقيام بإخلاء المحور وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية تتمثل في “تسليح غزة وتهديد ذلك لأمن إسرائيل”.
لكن وعلى الرغم من تلك المعارضة، انسحبت “إسرائيل” من المحور، ووقّعت الاتفاق مع القاهرة.
ومن أبرز بنود الاتفاقية ما يلي:
– بموجب تلك الاتفاقية، سُمح لمصر بنشر 750 من حرس الحدود على امتداد الطريق لحراسة ذلك الشريط.
– نص الاتفاق على أن القوات المصرية هي “قوة مخصصة لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود” وليست قوة عسكرية.
– كما نص على أن هذه الاتفاقية “لا تلغي أو تعدل اتفاقية السلام المصرية الصهيونية عام 1979، مع الإبقاء على حالة المحور وصحراء سيناء كمناطق منزوعة السلاح”.
ويشمل الاتفاق 83 بندًا، ويصف تحديدا البعثة والتزامات الأطراف، بما في ذلك أنواع معيّنة من الآلات والأسلحة المسموح بها والبنية التحتية.
وكان الجانب الفلسطيني من الحدود خاضعًا لسيطرة السلطة الفلسطينية، وذلك حتى تَسَلُم حماس للسلطة عام 2007.
واعتبارًا من أبريل/نيسان 2013، عززت مصر قواتها على الحدود مع قطاع غزة، وتم إغلاق جميع الأنفاق في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر.
وهنا يتم تجاهل البنود الخفية للاتفاق والتي لا يعرف عنها أحد شيئًا، وهل هي تعطي السيادة الكاملة للعدو الصهيوني على المعبر؟
ماذا لو أدخلت مصر القوافل في شاحنات مرفوع عليها العلم المصري وهددت بأن أي استهداف لها هو استهداف لمصر وجيشها؟ هل باتت تخشى أي مواجهة مع العدو رغم تجرؤ العدو على خرق الاتفاقيات ومنها اتفاق المعابر؟
يبدو أن هناك بنودًا سرية لا يعلم عنها أحد، وأن مصدر سرّيتها هو أنها مخجلة ولا تتناسب مع مصر ومكانتها ودورها.
إن من أحلام الأمن القومي الصهيوني هو بقاء مصر كامنة وراء حدودها، ومن أحلام بن جوريون إضعافها ومعها سوريا والعراق، باعتبار ذلك هدفًا استراتيجيًا لاستقرار الكيان.
فماذا حدث بمصر لتتحول من فك كبير يمكنه ابتلاع الكيان، إلى فك بلا أنياب؟ وهل بالفعل أصبحت المقولة البائسة الخالية من المنطق والاستراتيجية والتي تقول إن حرب أكتوبر هي آخر الحروب من المسلمات الاستراتيجية؟ وهل قطع العلاقات مع العدو أو إدخال المساعدات إلى غزة بات يعني إعلانًا للحرب؟ لم تعد تخشى “إسرائيل” مصر لهذه الدرجة؟
من يراقب تجنب الكيان للحرب مع اليمن، الذي يشن الهجمات على “إسرائيل” ويحتجز سفنه في البحر الأحمر، ومن يرى عمليات المقاومة اللبنانية اليومية التي توقع القتلى في صفوف العدو، وخشية العدو من فتح جبهة إضافية، فإنه يحزن من الموقف المصري الخائف من تجرؤ العدو على فتح جبهة لمجرد إدخال المساعدات، وهو أضعف الإيمان بالقضية وثوابتها.
* المصدر : موقع العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب