صُنع في أميركا
ليلى عماشا*
مع عودة النبض إلى دعوات مقاطعة البضائع الأميركية، تكثر مشاركات الناشطين على منصات التواصل حول ما يجب مقاطعته وحول أسماء المنتجات الأميركية. هو جهد لا غبار عليه ويؤدي ولو بشكل بطيء إلى تحجيم الحضور الأميركي في أسواقنا.
حين نقول منتجات أميركية يتناهى إلى ذهننا سيل من المواد الغذائية والإلكترونية والألبسة والأحذية وسلسلات المطاعم والمقاهي المعروفة حول العالم.. وإن كانت مقاطعة هذه المنتجات في سبيل مواجهة الشرّ الأميركي تقوم على عدم شرائها أو حتى مقاربتها، فثمة منتجات أميركية أخرى لا يمكن مواجهتها إلّا بالاقتراب منها أكثر، حد الاشتباك.
أغرقت الصناعات الأميركية بلادنا، وهذه لائحة بأبرزها، وأحدثها، كي لا نغوص في الذاكرة عميقًا:
– الحرب على سوريا:
هي إحدى أكبر المنتجات التي صُنعت بشكل كامل في الولايات المتحدة الأميركية وشركائها الغربيين. اُسْتُخْدِم التكفيريون لتوزيع هذه البضاعة في البلاد. تعدّدت أسماؤهم كفرق عاملة في نفس الإطار والمسمّى الوظيفي. ارتكب هؤلاء ما يتخطى الوصف بالوحشية وبالهمجية وبالتعطّش للدماء. أكلوا الأكباد. أحرقوا الناس أحياء. قطعوا الرؤوس. مثّلوا بالجثامين. فجرّوا التجمعات. هجرّوا الناس… فعلوا كل ما أوكل إليهم المصنع فعله، إرهابًا ورعبًا.
مواجهة هذا البضاعة كلّفت ألف ألف التحام مع صانعها وموظفيه.. لم تنته الحرب، صارت في مرحلة إدراك الأميركي لفشله ولضرورة تصنيع بضائع أخرى تعوّض عليه خساراته المتلاحقة أمام صمود سوريا.
– الحرب على اليمن:
حاصر الأميركي وشركاؤه الغربيون اليمن، وأمعنوا في قتل أبنائه. هذه الحرب كانت أيضًا صناعة أميركية تمّ استخدام السعوديين وشركائهم في نشرها داخل اليمن: مجازر تتخطى المعقول إنسانيًا، حصار وتجويع، قتل سريع بالقصف والغارات وآخر بطيء بمنع الغذاء والدواء. مواجهة هذه البضاعة تمثّلت بصمود الأحرار في اليمن واشتباكهم اليومي ضدّ الأميركي ومَن ينوب عنه هناك. سنين طالت. لم تنته الحرب ولكن يوقن الأميركي اليوم أنّه هُزم عند أقدام أنصار الله في اليمن.
– الحرب على غزّة وكلّ فلسطين:
صوت المعركة حاضر وناصع، وصورتها تظهر العلامات التجارية الأميركية على كلّ جثمان طفل شهيد، على ركام البيوت والمستشفيات والمدارس، في صرخات المظلومين. يستخدم الأميركي وشركاه الغربيون الصهاينةَ في فرض هذه البضاعة بهدف تحويل غزّة إلى أرض لا تقاوم -هيهات- وجعلها عبرة لسائر حركات المقاومة. المذهل أن الأميركي لا يتعلَم من تجارب الماضي ولا يتعظ، يبني أوهامًا كاذبة ثم لا يليث أن يصحو على صفعة هزيمته فيبدأ مباشرة بالبحث عم سبل أخرى لتحصيل مكاسبه وأرباحه في إطار هيمنته على المنطقة. يفعل كل هذا جهارًا، ثم يحاضر بالإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان والالتزام بالقرارات الدولية وغيرها من الخزعبلات التي أوجدها ووظّف من يسوّق لها باسمه رغم أنّ صورته على المنتج تظهر قطرات الدم من أنيابه التي تمعن في الاستقواء على الأطفال والعائلات، وتظهر نظرات الرعب في عينيه وهو ينظر ناحية البرّ، وما أدراك ما البرّ في غزّة!
– الحرب على العراق:
طالت السنين ولم تزل حكاية اجتياح العراق من أوقح الصناعات الأميركية. ولم يزل الأميركي يحاول، وإن يائسًا، لملمة أشلاء جنوده سرًّا في العراق.. يكفي أن نتخذ سجن أبو غريب كمثال على هذه ال”صنع في أميركا” لأجل العراق، ونضيف عليه لعبة التشرينيين الذي يستخدمهم الأميركيون في إطار هذه الصناعة، والذين يهدفون إلى أن تحقّق أميركا “بالثورة” ما لم تحقّقه بالاجتياح. الخسائر الأميركية في العراق فرضت عليه تغيير خطّته. هُزم بشكل مدوّ ويكابر. لكن المكابرة لا تغيّر في واقع الحال وفي دقة المشهد شيئًا.
– الحرب على لبنان:
منذ ما قبل التحرير عام ٢٠٠٠ إلى اليوم، وكل ما بينهما من حروب وحصار وفتن وافتعال أزمات وحصار وغيره، هي صناعة أميركية واضحة.. ولا داعي للخوض في تفاصيل الاشكال والأغلفة المتعدّدة التي استخدمتها أميركا في محاولة التسويق لبضاعتها، ومنها القتل والترهيب والمحاصرة و”الثورة” والفتنة. وقد استخدمت هنا كل ما تملك من أدوات: الإسرائيلي والتكفيري والمرتزقة من السياسة والإعلام والمؤثرين كما جنّدت سفارتها فرقًا من مختلف المستويات للعمل الناعم على عزل المقاومة وتغريب بيئتها. ببساطة، الذاكرة ممتلئة بحكاية هزيمة الأميركيين في لبنان، سواء بمقارعة أدواتهم وهزمها أو بشكل مباشر ولعل التوابيت التي عادوا بها ذات ١٩٨٣ تشهد.
هذه البضائع المتمثّلة بالحروب المتفرّقة هي في الواقع بضاعة واحدة، حرب واحدة، صُنعت في مصنع الشرّ الأميركي وشركاه. مقاطعتها تكمن في مواجهتها، في تحديها، في التصدّي لكل مفاعيلها، في قتالها، في التمسّك باليقين بأنّ الصراع مع الأميركي في المنطقة سينتهي بخروجه منها بغير عودة. هي معركة الحق والباطل، لا منطقة وسطى بينهما ولا خيارات رمادية ولا تلّ..
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب