قراءة متأنية لمرثية بن حبتور بالفقيد علي يافعي رحمه الله
محمد الجوهري*
لطالما كان بن حبتور برغم بعده جسدنا عنا لكن عقله وقلبه ووجدانه يظل متعلقا بنا وبتفاصيل كل ما يحدث لنا وبين ظهرانينا، وذلك هو ديدن الرجال العظماء الذين لا يعرفون التعامل بنفس مناطقي او جهوي، بل يجسدون سلوكا وثقافة القبول بالأخر وحقه في شراكة وطنية ندية تضمن للمعارضين والخصوم حقهم في الخلاف والاختلاف في الروئ والقناعات بكل أريحية ورحابة صدر، لا تعرف الحقد والبغضاء للقاصي والداني.
لم ولن يكن الفقيد الكبير بروف/علي احمد يافعي استثناء، في سلوك وثقافة صديقي دولة رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال بصنعاء ا.د.عبد العزيز بن حبتور، رجل الوفاء المحب لكافة رفاقه – زملائه – أصدقائه وحتى معاريفه، فالموقف النبيل من وفاة أ.د. علي يافعي ليس سوى امتداد طبيعي لأخلاق الرجال الأفذاذ، فالفقيد يستحق ان يذكر كقامة اكاديمية ووطنية سامقة تمتلك سيرة عاطرة، ومسيرة كفاحية مشرفة وطنيا وأكاديميا وعمليا، فيها نصيبا معتبرا من التراجيديا جعلته يتبؤ موقعه بأريحية في قلب كوكبة النخبة اليمانية العتيدة.
بالعودة إلى صلب مضمون مرثية د. بن حبتور هذه، التي خص بها المرحوم د.علي احمد يافعي غفرالله له، الذي نراه وقد ذهب ببراعة الكاتب المتمكن في تصوير مشاهد درامية ساحبا لها من مخيلة فذة تمتلك إحاطة بتفاصيل كينونية الفقيد وتعدد علاقاته القوية بمحيطه العملي كما هي كذلك بمجتمعه الذي افنى حياته في خدمة أبنائه، ثم وجدناه وبمهنية كيف استرسل في سرده بالغوص في تفاصيل ذاتية ميزت الفقيد واسرته الكريمة، مضيئا على الجوانب المشرقة التي تشكلت بضوئها شخصيته ووصمت حياة الفقيد بٱلق، لا بل انه وسع دائرة الإضاءة لتشمل اخوانه وابنائهم وأبناء عمومته، مجبرا القارئ الكريم على توقير الفقيد الكبير وٱل الوالي جميعا، وتلك شهامة تحسب للكاتب من دون أي شك.
بمدخل ابتكاري – استدراجي لصلب متن المرثية مكون من ثلاثة اسطر معلنا فيه بداية العلاقة بالفقيد يرحمه الله، ليلج متن المقال (المرثية) بيسر وسلاسة، موضحا كيف تعمقت علاقته بالفقيد طيب الله ثراه، شارحا لتفاصيل بنيوية مهمة استندت عليها تلك العلاقة بامتدادها في الزمالة المهنية والشراكة الوطنية في إدارة مؤسسات الدولة وشؤون المجتمع بالرغم من تباين الانتماءات السياسية لهما، مبينا بإنصاف قدراته القيادية و تأهيله العالي وانضباطيته الصارمة وهي بذاتها محددات حاكمة لجهة تحديد معدن الشريك وما يستحقه من تقيم منصف يستوجب معاملة تليق بمكانة الشريك كامل الندية، و واصل الكاتب مسترسلا مرة أخرى في حديث عن محكات عملية ومحطات مفصلية تختبر فيها معادن الرجال وملكاتها القيادية، موضحا ذلك من خلال تسطير ليوميات ووقائع واحداث تشاركاها منفردين او بمعية زملاء شكلوا معهما قوام عدد من الوفود الأكاديمية لعدد من الجامعات المرموقة عالميا، وكيف كان الفقيد يرحمه الله عند مستوى الثقة والأمانة المهنية عند المشورة وطلب الرأي منه، كما اود ان انوه بأن هناك تفاصيل أخرى احيل القارئ الكريم، الى نص المرثية للوقوف عليها.
في الجزء الأخير من متن المرثية استمر د. بن حبتور كذلك في الحديث عن مناقبية الراحل الكبير المتعدد، ولكن مع إضافة جملة من الاستحقاقات والتي تفترض قدر من العرفان والوفاء، ينهض بهما أفراد أسرته واخوانه ومحبيه لكتابة وتوثيق سيرة ومسيرة حياته الحافلة بالعطاء الإبداعي والجهد والعمل الإنساني الذي افنى عليهم حياته، ولم يفت الكاتب كذلك الإشارة إلى ضرورة أن ابحاثه وكتابه المنهجي الأكاديمي الطبي (الكتاب الجامعي) الذي حدثه عنه الفقيد (الكاتب)، مخاطبا كافة المعنيون بأمر ذلك الثوثيق حيث انهم يعرفون انفسهم وما يتوجب عليهم القيام به من عمل يخلد تاريخ المرحوم كقامة يجب ان تنصف، ويحفظ ذلك التوثيق في (ذاكرة جامعة عدن).
أما خاتمة المرثية احتوت على ثلاثة أجزاء: –
الأول: –
هو نوع من هاجس هوسي مغرم به الكاتب متجسد في عشقه واهتمامه بالتاريخ كسجل إنساني لا يجوز اهماله، والذي عبر عنه من خلال الحث على الاهتمام بذاكرة جامعة عدن ودورها في الحفاظ على كل ما انجزه منتسبيها لتفخر الأجيال القادمة بما قدمه المؤسسون الأوائل، مع العلم بان ذلك تقليد درجت عليه الجامعات العريقة ولسنا اقل منهم في شيء سوى فارق العمر الأكاديمي.
الثاني: –
دعاء حميمي ترحما علي الراحل الكبير، نسأل الله الاستجابة له.
الثالث: –
ٱيات من الذكر الحكيم كتبها الله في ميزان حسناتهما بتوفيق رضوانه.
ذلك كان مبلغ آحاطتي من القراءة المتأنية لمرثية بن حبتور في بن الوالي يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.
جامعة عدن*