المسجد الأقصى وفترة الاعتداءات.. الأسباب والنتائج؟
السياسية:
منذ يوم الأحد، بدأ المستوطنون بالاقتحامات خلال موسم الأعياد اليهودية، من خلال تنظيم اقتحامات ضخمة إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وقد شهدت هذه الاقتحامات أداء طقوس تلمودية وتوراتية، وتأتي هذه الأعمال ضمن سياق الصراع الديني المشتعل حول المسجد والمدينة المقدسة.
وتُستغل هذه الفترة من الأعياد اليهودية من قبل جماعات المستوطنين لممارسة طقوس دينية وتلمودية داخل المسجد الأقصى، وتتضمن هذه الطقوس الصلوات والأدعية والصيام وذبح القرابين والنفخ في البوق وأمورًا أخرى، وتُستخدم هذه الأعمال كوسيلة لتهويد المكان وتطبيق سيطرة جديدة عليه، إضافة إلى تقسيمه زمنيًا ومكانيًا، وفي الأحد القادم، ستنطلق اقتحامات المستوطنين بمناسبة “عيد رأس السنة العبرية”، الذي يمتد لمدة يومين، حيث يخطط المستوطنون لتنظيم اقتحامات ضخمة إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة، ويتضمن هذا الاحتفال نفخ البوق في المسجد ومحيطه.
أعيادٌ لتدنيس الأقصى
تتبع “عيد رأس السنة العبرية” فترة تعرف بأيام التوبة، حيث يقوم المستوطنون بالدخول إلى المسجد الأقصى مرتدين ثيابًا بيضاء توراتية، وفي نهاية هذه الفترة، يأتي الاحتفال اليهودي الثاني المعروف بـ “عيد الغفران” التوراتي في 25 سبتمبر.
وفي “عيد الغفران”، يسعى المستوطنون إلى تقليد طقوس القربان وتحقيق أرقام قياسية لعدد المقتحمين في المسجد الأقصى، إضافة إلى محاولة نفخ البوق في المدرسة “التنكزية” في اليوم التالي، ويبدأ “عيد العرش” في 30 سبتمبر ويمتد حتى 17 أكتوبر، ويعتبر واحدًا من أعياد الحج التوراتية المرتبطة بالـ “الهيكل المزعوم”. وخلال هذا العيد، يحاول المستوطنون إدخال القرابين النباتية إلى المسجد الأقصى وزيادة عدد المقتحمين ليصل إلى أكثر من 1500 مقتحم على مدى عدة أيام متتالية.
وتتواصل التحذيرات الفلسطينية المقدسية من خطورة الطقوس الاستيطانية التي يقوم بها المستوطنون في المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس، خلال الأعياد اليهودية المقبلة.
وأكدت الدعوات الفلسطينية على ضرورة أن يشد الفلسطينيون رحالهم نحو المسجد الأقصى في هذا الوقت، بهدف إفشال مخططات المستوطنين والمحاولات المستمرة للتهويد في حق المسجد المبارك ومدينة القدس المحتلة، كما تهدف هذه الدعوات إلى دعم المقدسيين والمرابطين الذين يتعرضون لمضايقات متكررة من جيش الاحتلال.
وعلى هذا الأساس، أكد الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في مدينة القدس المحتلة، محمد حمادة، أن الشعب الفلسطيني موحد في دعم المسجد الأقصى ومواجهة العدوان، مشددًا على أن العدو لن ينجح في كسر هذه المعادلة.
مضيفاً: “إن اقتحامات المستوطنين للأقصى تمثل استمرارًا للعدوان وتجاوزًا للحدود فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، وهي أعمال تدنيسية تهدف إلى تشويه صورة المقدسات والتصاعد الاحتلالي، وإن المقاومة مستمرة حتى تحقيق تحرير أرضنا وزوال الاحتلال”، حيث إن مواصلة العدوان على المسجد الأقصى ستجعل الشعب الفلسطيني مستمراً بالتصدي لهذا العدوان برباط وثبات، على الرغم من العوائق التي يضعها الاحتلال لمنع وصول المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك.
وأكد أن الشعب لن يترك المسجد الأقصى وحيدًا، مشيرًا إلى أن تكرار الاعتداءات على المسجد الأقصى لن يصبح عادة طبيعية بأي حال من الأحوال.
الأقصى خط أحمر بالنسبة للفلسطينيين
لا شك أن المسجد الأقصى هو خط أحمر بالنسبة للشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، وتجسد الأهمية الكبيرة والقدسية التي يحملها المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين وللعالم الإسلامي بشكل عام، وخاصة أن استمرار أي عدوان إسرائيلي على القدس المحتلة والمسجد الأقصى يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات والصراع في المنطقة.
وعبر التاريخ، شهدت المناطق المقدسة في القدس العديد من المواجهات والصراعات نتيجة لتصاعد التوترات بين الفلسطينيين والمحتلين الإسرائيليين، والمسجد الأقصى يعد ثالث أقدس المواقع الإسلامية بعد مكة والمدينة، ولذلك، أي تصاعد للعنف في هذا المكان يمكن أن يشعل العاطفة والغضب في العالم الإسلامي بأسره.
ومن هنا تنبع أهمية المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي من قبل الفلسطينيين، ويعتبر الكثيرون أن المقاومة بجميع أشكالها هي وسيلة للتصدي للاحتلال وللدفاع عن الأرض والهوية الفلسطينية، وتشمل هذه المقاومة العديد من الأشكال، بما في ذلك المظاهر السلمية مثل الاحتجاجات والحركات الاحتجاجية، وكذلك المقاومة المسلحة، ومن بين التحديات الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين تأتي في مقدمتها وجود المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
تلك المستوطنات تهدف إلى توسيع الاحتلال وتقليل مساحة الأراضي الفلسطينية المتاحة للفلسطينيين، وهذه التحديات تلزم الفلسطينيين بالتصدي لهجمات المستوطنين والمحافظة على الأمن والاستقرار في المناطق الفلسطينية، وإضافة إلى ذلك، تُعتبر القدس ومقدساتها ذات أهمية كبيرة في الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
الكيان وذاكرته الضعيفة
القدس المحتلة تُعَدُّ واحدة من المواقع الدينية والثقافية الأكثر أهمية في العالم، وترتبط بالعديد من الهويات الدينية والثقافية، وتحظى مدينة القدس بمكانة خاصة للفلسطينيين، وإنهم يسعون جاهدين للحفاظ على هويتهم وحقوقهم في المدينة، ويرون في القدس رمزًا للوحدة والتراث الفلسطيني العريق، ومن الواضح أن أبطال فلسطين ملتزمون بشكل دائم بواجبهم في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم شعبهم بالكامل، إنهم يؤكدون بثبات على أنهم لن يسمحوا للاحتلال الصهيوني بالسيطرة على فلسطين، وقد أكدوا في العديد من المناسبات أنه لن يكون هناك أي اتفاق سلام أو وقف لإطلاق النار فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى.
وبشجاعة، جددوا التأكيد على حق الفلسطينيين في أداء الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى، وهم مستعدون لمواجهة المستوطنين الصهاينة وأنصارهم ومنع أي اعتداءات من قبلهم في أي سياق قد يكون ضروريًا، ويظهر الإسرائيليون في تعاملهم مع الشعب الفلسطيني تحت الظروف الصعبة والمظلمة أنهم يعانون من فقدان في الذاكرة.
من الصعب أن ننسى “انتفاضة الأقصى” أو المعروفة أيضًا باسم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت في أعقاب زيارة رئيس وزراء الكيان السابق، أرئيل شارون، للمسجد الأقصى في نهاية عام 2000، واعتبرها الفلسطينيون حينها تدنيسًا لأرض المسجد الطاهر، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والتصدي من قبل شبان فلسطين لتلك الزيارة، ومع وجود 3000 جندي صهيوني لحماية الأقصى، شهدت تلك الفترة تصاعد التوترات والمواجهات العنيفة بين الفلسطينيين والاحتلال.
وفي اليوم التالي، شهدنا تصاعدًا مروعًا للعنف حينما قامت قوات العدو الصهيوني بإطلاق النار على المصلين دون رحمة قبل انتهاء صلاة الجمعة، ونتج هذا الهجوم مواجهات عنيفة في ساحات المسجد الأقصى بين المصلين الأبرياء وجنود الاحتلال، ما أسفر عن استشهاد 7 أشخاص وإصابة 250 آخرين بجروح.
انتقلت هذه الاحتجاجات الشديدة إلى جميع أنحاء فلسطين، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تقتصر على مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
تلك الأحداث شكلت بداية لما أصبح يعرف بالانتفاضة المباركة الثانية، حيث قدم الفلسطينيون آلاف الشهداء والجرحى في دفاعهم الشجاع عن وطنهم وقضيتهم، واليوم، تظل انتفاضة الأقصى مصدر إلهام للأجيال الفلسطينية، داعية إلى مواصلة النضال والمقاومة ضد محاولات القمع والاستعباد، وبعد مرور أكثر من عقدين على انطلاق انتفاضة الأقصى، لا يبدو أن شعور الفلسطينيين قد تغير بقدر كبير، وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني يُصنف عالميًا ككيان عنصري، وبني على العنف المفرط والجريمة غير المسبوقة، باعتباره منذ تأسيسه في 14 أيار عام 1948، إلا أنه اعتمد دائمًا على العنف والإرهاب في سياسته.
وإن إجراءات الاحتلال ضد المسجد الأقصى تشكل مؤشرًا خطيرًا بشكل استثنائي، يبدو أن الاحتلال يسعى من خلال هذه الهجمات المتكررة إلى جذب الانتباه إلى هذا المكان الذي يعتبره مهمًا للفلسطينيين والعالم الإسلامي عامةً، وإن هذا السلوك يشير إلى رغبة الاحتلال في السيطرة على المسجد الأقصى وكامل مدينة القدس، علاوة على ذلك، تكرر دخول وزير الأمن القومي للاحتلال، إيتمار بن غفير، إلى باحات المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلال مرارًا وتكرارًا، ما يمثل انتهاكًا آخر في سلسلة من انتهاكات كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى.
الخلاصة، تزداد رغبة سلطات الاحتلال في اقتحام المسجد المبارك باستمرار واستفزاز المشاعر الفلسطينية، ويبدو أن الصهاينة يتجهون نحو تصعيد جديد في القدس بعد ارتفاع حدة الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين، فيما تحذر فصائل المقاومة من أن استمرار هذه الجرائم قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة احتمال وقوع مرحلة خطيرة للغاية، حتى مسؤولين إسرائيليين قد حذروا من هذا التصعيد الأمني، مدركين خطورة سياسة حكومتهم والعدوانية الصهيونية، ومع ذلك، يبدو أنه من المهم أن يفهم أصحاب هذه الأرض أنهم يواجهون تحديات كبيرة وضغوطًا دولية للتصدي لسلوك الاحتلال والدفاع عن مكانة المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر