السياسية/ تقارير: مرزاح العسل

 

في إحدى الليالي قبل ثلاثة آلاف يوم من الآن ودون سابق إنذار، ونحن كنا في أمان الله ورعايته، أعلن السفير السعودي من واشنطن عدوان بلاده الهمجي والبربري على اليمن السعيد، بالتحالف العسكري مع عدد من الدول التي دخلت تحت عباءة المال السعودي والأمريكي، وبدعم أمريكي بريطاني مباشر ورعاية دولية غير منقطعة النظير، بدعوى إعادة ما تسمى بـ”الشرعية” والتي أصبحت اليوم أكبر كذبة مفضوحة عالمياً.

وفي يوم الـ12 من شهر يونيو الجاري، صادف اكتمال ثلاثة آلاف يوم من إجرام مملكة آل سعود في اليمن، في عدوان همجي سقطت فيه كل الأقنعة، وانكشف خلاله زيف الإنسانية ونفاقها في العالم أجمع.

العدوان السعودي المدعوم أمريكياً بدرجة أساسية انطلق تحت ما يسمى بـ”عاصفة الحزم” لكنه دمر كل أرجاء اليمن، حيث تم خلاله القصف بأكثر من نصف مليون غارة وقذيفة أطلقتها طائرات وقاذفات ومدافع وبارجات دول العاصفة العدوانية، ولم يسلم من غاراته لا البشر ولا الشجر ولا حتى الحجر، وتم استهداف معظم المدن والقرى اليمنية وبُناها التحتية ومنشآتها وجسورها وطرقها ومستشفياتها ومدارسها.

ففي الـ26 من شهر مارس عام 2015م، قادت مملكة آل سعود تحالفا عسكريا مكون من 17 دولة خليجية وعربية وغربية “على رأسها أمريكا وبريطانيا” في حرب إجرامية بشعة على الشعب اليمني، لم ير التاريخ مثيلاً لها، أحرقت الأخضر واليابس وتركزت في قصف كل شيء حيوي في المدن والقرى اليمنية.

وسرعان ما فرضت دول العدوان حصارها الخانق على كل الموانئ والمطارات والمنافذ البرية اليمنية وبشكل مطبق وشامل ومنعت وصول الأدوية والوقود والغذاء والسلع الأساسية إلى البلاد، وجعلت اليمن معزولا عن العالم أجمع، وأحدثت دمارا هائلاً وارتكبت مذابح ومجازر وفظاعات لا نظير لها في حروب الدنيا كلها، وبالحصار الجائر أحدثت أسوأ مجاعة وموت في التاريخ الحديث.

العدوان السعودي الأمريكي لم يسلم منه الإنسان اليمني في كل مناحي حياته العملية والعلمية والعسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك وهو احتلال الجزر والموانئ اليمنية والسيطرة عليها كلياً ونهب مواردها، ونهب الثروات اليمنية من نفط وغاز، وتم نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن بهدف السيطرة على الموارد اليمنية، ما تسبب في أكبر كارثة إنسانية للموظفين اليمنيين ومن يعولون، بانقطاع مرتباتهم بشكل كلي منذ سبتمبر 2016م وحتى يومنا هذا، وكانت الموارد اليمنية تذهب إلى بنوك دول العدوان بكل وقاحة.

وها هي وكالة “رويترز” أكبر وكالة أنباء في العالم قد خرجت قبل أيام بخبر يتحدث عن إمكانية إعلان إفلاس البنك المركزي اليمني في العاصمة المزعومة عدن.. مُدعية قرب نفاد المخزون النقدي الاحتياطي في خزائن البنك، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التخبط والسياسة الهوجاء الذي تقودها دول العدوان بهدف زعزعة والقضاء على ما تبقى من الاقتصاد اليمني.

وبحسب إحصائيات موثقة فقد ارتكبت مملكة آل سعود خلال هذه الفترة من العدوان جرائم لا مثيل لها بالتاريخ كله، حيث اُستشهد أكثر من 50 ألف يمني بالقصف والحرب العسكرية، فيما اُستشهد أكثر من 200 ألف يمني بالحصار والجوع والأوبئة، وكل ذلك حدث أمام مرأى ومسمع وصمت العالم المنافق أجمع.

وبعد ثلاثة آلاف يوم من العدوان تسببت عاصفة الحرب والحصار التي طال أمدها على الشعب اليمني في إيجاد أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، أو ما يوصف بأسوأ المجاعات في التاريخ الإنساني، بحسب وصف الأمم المتحدة نفسها، وانكشفت خلالها كل الذرائع والعناوين الزائفة ولم تعد مقبولة، كما انكشفت خلالها بيانات وإحصاءات المذابح والمجازر التي ارتكبها التحالف المجرم بحق اليمنيين، وأصبحت عاراً كبيراً في جبين المعتدين وفي جبين الإنسانية.

وبحسب تقرير حديث لمنظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل، صدر السبت الماضي، فقد تجاوزت حصيلة ضحايا هذا العدوان السعودي الأمريكي الهمجي من النساء والأطفال فقط نحو 13 ألفاً و641 شهيدا وجريحاً حتى نهاية مايو المنصرم.

وأفادت المنظمة في تقريرها بأن “عدد الشهداء بلغ ستة آلاف و357 منهم ألفان و454 امرأة وثلاثة آلاف و903 أطفال، فيما تجاوز عدد الجرحى سبعة آلاف و284 جريحاً، منهم ألفان و979 امرأة وأربعة آلاف و305 أطفال”.

كما أورد تقرير المنظمة إحصائيات كبيرة ومُخزية في جرائم العدو السعودي الأمريكي في الاغتصاب، والاختطاف، واعتقال وتعذيب عدد من النساء اليمنيات، كما أورد إحصائيات كبيرة للمنشئات المدمرة من مدارس ومستشفيات وطرق وجسور ومرافق حيوية في كل مناحي الحياة.

وطالبت المنظمة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والهيئات الحقوقية والإنسانية بتحمّل مسئوليتها القانونية والإنسانية تجاه الانتهاكات، والمجازر البشعة التي حدثت وتحدث بحق المدنيين في اليمن.. داعية أحرار العالم إلى التحرّك الفعّال والإيجابي لإيقاف العدوان وحماية المدنيين، وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في كافة الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين، ومحاسبة كل من يثبت تورّطه فيها.

وبعد تسع سنوات من الحرب والعدوان والحصار وبعد أن فشلت في حربها العسكرية، بدأت دول العدوان تسلك طُرقاً أخرى خلال الفترة الأخيرة، وباتت تتجه نحو الاقتصاد ومعيشة الناس وأقواتهم، وشرعت تمس أساسيات حياتهم التي ساعدتهم على البقاء صامدين خلال الأعوام الماضية.

وعلى الرغم من تداول أنباء عن جولة جديدة من المفاوضات في صنعاء مع السعودية فيما يتعلق بالملف الإنساني وصولاً إلى حل سياسي شامل، إلا أنه يبدو أن أمريكا نجحت في فرملة الخطوات السعودية نحو عقد اتفاق سلام مع صنعاء، بعد أن كانت هذه المفاوضات قد خلقت بما حققته من تقدم نسبي أجواء إيجابية، ويبدو كذلك أن السعودية استجابت للضغوط الأمريكية، وتنصلت عن التزاماتها التي كانت قد قطعتها الشهر الماضي.

ومع استمرار مماطلة دول التحالف وعلى رأسها السعودية، والتحركات الأمريكية الرافضة للسلام تؤكد صنعاء مجدداً رفضها لبقاء حالة اللا حرب واللا سلم، كما ترفض تعلل السعودية بالضغوط الأمريكية، وتؤكد عزمها على اتخاذ الخيارات التي تجبر الطرف على الآخر على السلام العادل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا… بعد ثلاثة آلاف يوم من الإجرام السعودي في اليمن على مرأى ومسمع العالم.. هل ما زالت السعودية ودول تحالفها وداعميها الأمريكان والبريطانيين مُصرون على مواصلة هذا النهج وهذا الإجرام؟ أم أنه آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها وتحقيق سلام شامل وعادل لليمن واليمنيين والمنطقة بأسرها؟!.

سبأ