بقلم/ د.يوسف الحاضري

يوضح الله الخالق انه لو أنزل القران بما فيه من نور وهدى وقوة على جبل لرأيناه خاشعا متصدعا من خشية الله كما يوضح في آية أخرى (وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) وايضا قال (انا عرضنا الأمانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) وقال (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن) وهذه آية تتحدث عن ردة فعل الجبال لأفعال تفاعلت معها تارة خشية وخوف من الله وتارة غضبا لمعصية يعصى بها الله من منطلق معرفتها مقام الله وقدره وعظمته وتارة اشفاق من مسئولية تجدها الجبال عظيمة فوق قدرتها وطاقتها وتارة تسبيحا وتنزيها وعبادة لله عز وجل مما يعكس امتلاك الحجارة مشاعر غير اننا كبشر لا نعي ونرتبط بهذه المشاعر ولا نشعر بها وهذا في الأساس حال بقية المخلوقات الأخرى سواء التي نصنفها بالكائنات الحية او الكائنات الجماد وهذه التصنيفات وفقا لرؤيتنا ولكن وفقا لملك الله وما ومن خلقه فالرؤية أخرى .

عندما وصف الله قلوب المنحرفين عن الحق من البشر قارنها الله بقسوة الحجارة ليقرب لأذهاننا مستوى القسوة ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ) وليس للمقارنة لذا أستطرد في حديثه قائلا ( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) حيث ان الحجارة تتصف بصفات الخشوع والخضوع لله وهذه لا تتوفر الا فيمن يمتلك صفة الليونة وليس القسوة وهذا ما وضحه الله في سبب أن قلوب هؤلاء اشد من قسوة الحجارة بعدة صفات للحجارة ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَـمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَـمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْـمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَـمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) فصفات (التفجر وخروج الخير منها ) و (والتشقق وخروج العون منها) و( الهبوط خشوعا لله) لا نجدها في قلوب الفاسقين كما انها اعمال ارادية من الجبال والحجارة وليست اجبارية من الله ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فلو كانت مجبرة ما كان الله سيعرض عليهن الامانة وانما سيجبرهن بها عوضا عن ان الله لن يباهي الناس بأنها تسبح بحمده ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) وغير ذلك من توضيحات وادلة وبينات في هذا الجانب .

بعد كل ذلك يظهر لنا جميعا اننا نعيش في بيوتنا تحت وبين الحجارة وبقية الاشياء التي خلقها الله وكلها تسبح وتخضع وتخشع لله سبحانه وتعالى وتتأثر هذه باعمالنا سواء من خير او شر، فعندما نسبح لله ونطيعه ونرتبط به فعلينا ان ندرك انها تسبح معنا كما وضح الله ذلك في تسبيحهن مع نبي الله داوود وهذا يعني انه يتشكل ويتكون هناك إرتباط بيننا وبينها بطريقة وصورة ما لا نعلمها الله يعلمها فقط ندرك ذلك بعيدا عن البحث عن صورة ذلك الإرتباط ، وبالمقابل عندما نعصي الله بأي شكل من الاشكال فإنها تتميز من الغيظ ضدنا وترغب ان تنطبق علينا الا انها مأمورة من الله في الصبر علينا ولا تمتلك السلطة في ذلك وهذا ما وضحه الله في انها ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) عندما يعصى الله ( أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ) في وقت ان كثير من الناس خاصة المسلمين لا يمتلكون ولو جزء من غيرة وغضب الجبال والحجارة وغيرها انتصارا لله عندما يعصى لدرجة ان بعضهم لا يستطيع ان يقوم بعملية المقاطعة التجارية لتلك الدول التي تستهزأ بالله والقران والانبياء وتتعامل بكل بلاهة وبرود مع الأمر وكأن الله غافل عما يفعل هؤلاء والتي ربما وصلت قلوبهم الى قساوة اشد من قسوة الحجارة الخاشعة الخاضعة لله سبحانه وتعالى .

الموضوع ذو شجون والحديث عنه لا ينتهي بل اعتبر هذا المقال مجرد عصف ذهني واثارة للعقل والقلب للحديث والبحث اكثر واوسع فيه في شتى المجالات والله هو الهادي لسبيل الرشاد.

  • كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
    abo_raghad20112@hotmail.com
  •  المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع