السياسية:

 

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

ودّعت مدينة عدن ومن ضاحية المعلا بحزنٍ كبير البروفيسور/ علي عيدروس السقاف، في يوم السبت الموافق 22 أبريل 2023م، ودّعته الوداع وإلى الأبدي الأخير بعد حياةٍ زاخرة بعطاءٍ ثري وخصب في المجالات العلمية والثقافية والإنسانية، ودّعته بألمٍ شديد ووجعٍ طاغ على فقدان تلك الهامّة الإنسانية العملاقة من أبناء عدن ولحج (الوهط) واليمن عموماً، كيف لا تتألم الأمكنة الموجوعة والفضاء المحيط بها على وداع أحد أبرز الشخصيات العلمية والثقافية بالمدينة، وأحد الرموز العلمية الكبيرة التي ساهمت في تأسيس وتطوير جامعة عدن، ذلك الصرح العلمي العملاق في مطلع السبعينات من القرن العشرين!.

تعرفت عليه عن قُرب في العام 1981م، أي قبل ثلاثون عاماً في الإدارة المركزية لجامعة عدن، وكان يومها عميداً لكلية ناصر للعلوم الزراعية، وبعدها عميداً للشؤون التعليمية بالجامعة، وعملنا معاً من خلال موقعي في إدارة تجهيزات الجامعة، وكُنا معاً أعضاء في المكتب التنفيذي للجامعة “المسير اليومي والأسبوعي للنشاط الإداري الأكاديمي الروتيني الذي يدير ويوجّه العمل بين دورات مجلس الجامعة”، وكنت عضواً فيه ممثلاً عن منظمة الحزب الاشتراكي اليمني آنذاك.

وكانت هناك نخبة من الأكاديميين الأجلاّء يديرون ويقودون العمل الأكاديمي بالجامعة في بداية التأسيس وهم:

البروفيسور الحبيب/ علي عيدروس السقاف.

البروفيسور الحبيب/ محمد عبدالله الجفري.

البروفيسور الحبيب/ احمد زين عيدروس السقاف.

البروفيسور/ عبدالله علي القرشي.

البروفيسور/ عبدالمجيد عبدالله العراسي.

البروفيسور/ صالح عوض عرم.

الدبلوماسي/ أحمد علي مسعد الشعيبي.

الأخ الحبيب/ محمد العيدروس.

الأخ الحبيب/ حسين محمد العطاس.

الأخ/ عبدالحميد سلام العطار.

الأخ/ علي محمد باحشوان.

البروفيسور/ عبدالوهاب عوض باكويران.

الأخ/ عبدالهادي محمد طاهر العبسي.

والجميع اشتغل وعمل في ظل رئاسة جامعة عدن من قِبل البروفيسور المثقف والمؤرخ الكبير/ سالم عمر بكير رحمة الله عليه واسكنه الجنة.

ومعظم هؤلاء القامات العلمية قد توفاهم الله، نترحم عليهم وندعو لهم بالمغفرة ويسكنهم الله في جناته الواسعة، وهم الرعيل الأول الذي تحمّل على اكتافه عبء تأسيس وتطوير جامعة عدن، وعدد من هؤلاء الأساتذة الكرام لازالوا يواصلون العمل الأكاديمي حتى يومنا هذا، متعهم الله بالصحة وأطال في اعمارهم.

لقد تميز نشاط البروفيسور/ علي عيدروس السقاف، الإداري والبحثي والتدريسي بالعديد من المميزات الظاهرة أبرز أوجهها الآتي:

ـ أولاً: الانضباط الحاد جداً في تأديته لمهامه التنظيمية اليومية إلى درجة أن الجميع من الزملاء يتندر عليه في حضوره المبكر لمواعيد الاجتماعات.

ـ ثانياً: من بين القلائل الذي يقرأ ملفات ومواد بنود الاجتماعات بعناية شديدة، ويقدم الملحوظات النقدية التقييمية عليها.

ـ ثالثا: يتحدث في الاجتماعات بلغة عربية سليمة ولا يخلط المفردات اللُغَوية باللهجات المحلية، وينتقد بشدة من يقدمون التقارير بلغةٍ ركيكة ومفردات عامية متداولة في السوق، ويقول صراحة للجميع أننا أساتذة بالجامعة ويجب أن نتحدث بلغة عربية سليمة، كي نتميز عن العوام (الدهماء).

ـ رابعاً: قدّم مشاريع مكتوبة عملاقة في مجال تطوير العمل الأكاديمي للجامعة، هي اليوم معظم القوانين واللوائح الأكاديمية التي تتكئ عليها العملية البحثية والأكاديمية والتعليمية في جامعة عدن.

ـ خامساً: قدّم في مسيرته البحثية الطويلة أزيد من أربعين بحثا علمياً رصيناً مجازاً في مجال علم الزراعة، وهي ثروة علمية معرفية كبيرة متراكمة ستفيد طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية كلها، ونحتاج فحسب إلى أن نجمعها ونوثّقها ونطبعها كي لا تتناثر بين أرفف ومتاهات المستودعات وأرفف المكتبات المهملة ولا يستفيد منها أحد.

ـ سادساً: أنجز أربعة كتب دراسية أكاديمية تدريسية لطلاب كلية ناصر للعلوم الزراعية، ولبقية طلاب الاختصاص في الجامعات اليمنية، تضاف إلى نتاجه العلمي الثري.

ـ سابعاً: ترك لطلابه ومحبيه واصدقائه بصمات إنسانية جميلة من شخصيته الدمثة والمرحة والجادة معاً، من خلال اشرافه العلمي على طلاب الماجستير والدراسات العليا، ستبقى محفورة في أذهان كل من تعامل معه لعقودٍ قادمة دون أن تُمحى أو تُنسى.

إنني شخصياً أعيش حُزن مُركّب عميق على فقدان هؤلاء الكوكبة من العلماء الأجلّاء الذين تركوا بصمات واضحة في جبين التجربة الإنسانية في جامعة عدن ومدينة عدن واليمن العظيم عموماً، حُزن على رحيلهم الأبد ، وحُزن أنني لم أستطع أن أقوم بواجب العزاء عليهم، وأن أتشرف في وداعهم الخالد كأبسط واجب ملقى على عاتقي كزميل لهم ومسؤول رافقتهم لعقودٍ من الزمن، وعشنا معاً وأكلنا العيش والملح معاً ومع ذلك لم اتمكن من وداعهم، لسبب بيّن وظاهر  وهو هذا العُدوان الوحشي الغاشم السعودي – الإماراتي – الأمريكي، والحصار الذي فرضوه على شعبنا اليمني مُنذ ثمان سنوات، وصنعوا الحواجز العسكرية الوهمية بين المحافظات، ولهذا لم نتمكن زيارة احبائنا من فقدناهم في عدن.

تغمد الله الحبيب البروفيسور/ علي عيدروس السقاف، بواسع رحمته، وألهم أهله ومحبيه وطلابه ومريديه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني بالجمهورية اليمنية صنعاء