وليد القططي*

جيل حسام اسليم ومحمد الجنيدي، وجميل العموري وعبدالله الحُصري وغيرهم كثير، الذي حمل راية الثورة والمقاومة وآمن بها طريقاً للتحرير والعودة، هو الجيل المُجدِد للمقاومة والاشتباك.

يُعدُّ الأدبُ والفنُ من أهم الوسائل التي نقلت رواية الثورة الشعبية الفلسطينية وعبّرت عن الذاكرة الوطنية الفلسطينية، والشعر من أهم الفنون الأدبية المرتبطة بالثورة الفلسطينية والمُعبّرة عن الذاكرة الوطنية، واتخذت البندقية – سلاح الثورة الأساسي – بأسمائها المختلفة رمزية خاصة في شعر الثورة الفلسطينية وذاكرة الشعب الوطنية، منذ بداية مقاومة الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني قبل النكبة.

وقد تعمّقت رمزية البندقية بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن العشرين، بعد اتخاذها نهج الكفاح المُسلّح وسيلةً وحيدة لحرب التحرير الشعبية، فأنشد شعراء الثورة متخذين البندقية ورصاصها رمزاً للثورة وإشارةً للمقاومة. ومن أمثلة ذلك: “أعطيني جعبة وبارودة، ردّ على البارود بارود، طل سلاحي من جراحي، كلاشينكوف خلّي رصاصك بالعالي، يا فدائي خلي رصاصك صايب… وأنشودة شدوا زناد المرتينة”.

أنشودة “شدوا زناد المرتينة” لشاعر الثورة الفلسطينية المناضل محمد حسيب القاضي التي مطلعها “شدّوا زناد المرتينة بصدر العدو.. شدّوا الزناد.. وهيا مع الثورة وبالثورة توحّدوا.. شدّوا الزناد.. هذه ثورتنا وهذا دربنا.. حرب الجماهير حربنا.. وقضيتنا ما يحلها غير المرتين المرتين… هيا تنظّم وتسلّح يا شعبنا.. وكافحوا يا شعبنا وتصاعدوا.. خلوا المرتينة مشدودة بصدر العدو”.

“المرتينة” بندقية بريطانية قديمة استخدمها الثوار في عملياتهم الفدائية، والمعاني المستوحاة من الأنشودة تُلخّص مرتكزات الثورة الفلسطينية، وهي: الكفاح المُسلّح طريق التحرير الوحيد، والوحدة الوطنية على أرضية الثورة، ومشاركة كل الجماهير في الثورة، واستمرارية الثورة كشرط للنصر.

ولقد دعا الشاعر الثائر إلى المعاني النضالية والقيم الثورية نفسها في قصائد أُخرى ولا سيما التي تنادي بديمومة الثورة والنضال واستمرارية المقاومة والجهاد ومنها: استمروا يا صحابي استمروا، بأيدي رشاشي وبدي أضلني ماشي، ثوّار ثوّار لآخر حدّ، خذ سلاحي يا رفيقي ولتقاتل يا رفيقي في سلاحي، المجد للثورة… أوصيك فلتكمل طريقي وأحمل سلاحي يا رفيقي”.

المعاني النضالية والقيم الثورية التي دعا إليها الشاعر الثائر محمد حسيب القاضي المُركّزة في ديمومة الثورة والنضال واستمرارية المقاومة والجهاد حتى التحرير والعودة آمن بها الشعب الفلسطيني وتمسّك بها بأجياله المتعاقبة، التي تسلّمت راية الثورة جيلاً بعد جيل، وما يحدث اليوم في فلسطين خاصة في الضفة الغربية التي تتكرّس فيها المعادلة القرآنية “فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ” يومياً، وما بين ارتقاء شهداء الثورة المقاومين والمشتبكين، وبين العمليات الفدائية المتواصلة تُصبح المعادلة واقعاً يومياً ونهجاً فدائياً.

وما حدث مع الشهيدين حسام اسليم ومحمد الجنيدي في نابلس قبل أيام وما تبع استشهادهما من عمليات فدائية في حوّارة وأريحا خير دليل على ذلك، فقد رفضا الاستسلام وأصرّا على مواصلة القتال والاشتباك، وأوصيا شعبهما الثائر ورفاقهما في السلاح بمواصلة الكفاح والتمسك بالبندقية – رمز الثورة الفلسطينية – والسير على نهج الشهيدين “الوديع والنابلسي” وكل الشهداء تماماً كما فعل الشيخ الشهيد عز الدين القسام عندما أوصى إخوانه بالصمود والمقاومة قائلاً: “هذا جهادٌ.. نصرٌ أو استشهاد.. موتوا شهداء”…

جيل حسام اسليم ومحمد الجنيدي، ومن قبلهما جميل العموري وعبد الله الحُصري وغيرهم كثيرون، الذي حمل راية الثورة والمقاومة وآمن بها طريقاً للتحرير والعودة، هو الجيل المُجدِد للمقاومة والاشتباك، الذي تشتد عزيمته مع ارتقاء كل شهيد، ويصلب عوده مع اعتقال كل أسير، الجيل الذي أعطى أرضه عمره، وصنع بالدم فجره، وفتح لوطنه جُرحه…

الجيل الذي آمن بالله ووعده بالنصر، وتسلّح بمجد التاريخ، وغضب الحاضر، وأمل المستقبل، ووعد الآخرة، وحتمية النصر. الجيل الذي يُدرك أنه لا يفلُّ حديد الكيان الصهيوني إلّا حديد الثورة، ولا يكسر شوكة الاحتلال إلّا شوكة المقاومة. الجيل الذي أثبت أننا ما زلنا قادرين على الإساءة لوجوه بني “إسرائيل” الكالحة وإشعال النار في كيانهم الهش، الجيل الذي أبدع النهوض المعجز، وصنع الثورة من لحمه ودمه، الثورة التي من آمن بها وبديمومتها سوف يحيا بحرية وعزة وكرامة، ومن كفر بها وركن إلى السكينة فلن يُغادر حياة القيد والذلة والمهانة.

الثورة المستمرة نص عليها الميثاق الوطني الفلسطيني في بنده العاشر ونصه: “العمل الفدائي يُشكّل نواة حرب التحرير الشعبية الفلسطينية، وهذا يقتضي تصعيده وشموله وحمايته، وتعبئة الطاقات الجماهيرية كافة… ضماناً لاستمرار الثورة وتصاعدها وانتصارها”.

وقد نصت عليه الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين انسجاماً مع الميثاق الوطني الفلسطيني وتشرّباً لروح الثورة الفلسطينية ونصها: “النهج الثابت للجهاد والمقاومة هو استمرار المواجهة مع العدو الصهيوني واستنزاف طاقاته وقدراته وزعزعة أمنه واستقراره لإجباره على الرحيل عن أرضنا وصولاً إلى التحرير الكامل لفلسطين”.

ودور “الجهاد الإسلامي” وفق نظريته الثورية هو إبقاء جذوة الجهاد مشتعلة ونار المقاومة مُلتهبة، والقيام بدور الطليعة في قتال العدو لتحريض الجماهير على المقاومة وتثوير الشعب ضد الاحتلال من خلال وجود المجاهدين في مقدمة الجماهير مقاومة وتضحية، ومن خلال استراتيجية مشاغلة العدو بنار المقاومة وصولاً إلى معركة التحرير الفاصلة.

استراتيجية مشاغلة العدو الجهادية التي تبنتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نظرية وممارسة منذ نشأتها وضع أساسها المفكّر الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس الحركة وأمينها العام الأول، عندما نادى بإبقاء جذوة الجهاد مشتعلة في فلسطين حتى إنجاز وعد الآخرة بتحرير فلسطين على يد مجاهدي الشعب الفلسطيني ودعم كل الأمة العربية والإسلامية.

وانسجاماً مع هذه الرؤية قال الشقاقي رداً على تصريح الزعيم الراحل ياسر عرفات مُهدِّداً قادة الكيان الصهيوني بعد تعثّر المفاوضات بأنه سيستقيل ليشغل مقعده أحد أعضاء “الجهاد الإسلامي”. فقال الشقاقي: “حركة الجهاد الإسلامي لم تنطلق مطلع الثمانينيات لاحتلال مقعد أحد، بل انطلقت لاحتلال المقعد الذي رفض أن يشغله أحد..

الإسلام المقاتل المجاهد، حيث الأشواك، والدرب الطويل، حيث التضحية والفداء. وهذا المقعد يحتله اليوم ثوار ومجاهدو الشعب الفلسطيني المرابطون على خط النار في الضفة والقطاع وكل فلسطين.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع