الشيطان الأمريكي
إيهاب شوقي
كشفت الأزمة الإنسانية الكبرى الناجمة عن الزلزال في تركيا وسوريا، حجم النفاق العالمي، وشكلت مصداقًا جديدًا للطبيعة الشيطانية للنظام الأمريكي الذي يتنصل من أتباعه ومريديه عندما يدعي أن حصاره الإجرامي لسوريا لا يشمل المساعدات، رغم زيف ذلك من عدة وجوه تشمل مايلي:
أولًا: رغم المأساة المشتركة للشعبين التركي والسوري، إلا أن حجم المساعدات وجهود الإنقاذ التي سارع العالم بتقديمها لتركيا لا يمكن مقارنتها بالفتات الذي تم تقديمه لسوريا، ولولا التدخل الإيراني والعراقي والجزائري في الساعات الأولى، لكانت المساعدات الفعلية ستكون صفريّة، رغم العديد من البيانات الجوفاء التي أعلنت التضامن وعرض المساعدات واكتفت بمساعدات خجولة ومعظمها ممنوعة من دخول المعابر التي يسيطر عليها التابعون لأمريكا والذين لا يتحركون سوى بأوامر مباشرة منها.
ثانيًا: لم يكسر الحصار بشكل فعلي سوى إيران التي لا تخشى العقوبات، ولا تلتزم بالقوانين الأمريكية التي تسري فقط على العبيد، بينما تحركت الدول الأخرى بمنطق آخر يخلو من التحدي لأمريكا، وهو منطق العمل بالمذكرة الإرشادية للأمم المتحدة حول الامتثال المفرط للعقوبات الأحادية وآثارها الضارة على حقوق الإنسان، وهي مذكرة موجودة على موقع الأمم المتحدة وتقول إن الامتثال هو شكل من أشكال التجنب المفرط للمخاطر قد يتضمن حظر جميع المعاملات المالية مع دولة أو كيان أو فرد خاضع للعقوبات حتى عندما تكون بعض المعاملات مصرّح بها بموجب استثناءات إنسانية أو تقع خارج نطاق العقوبات.
ومنذ العام 2021، أوصي المقرر الخاص المعني بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، المصارف والمؤسسات المالية الأخرى ومقدمي الخدمات بالتصرف بروح ذلك القرار وتجنب الإفراط في الامتثال للعقوبات عندما يؤثر ذلك على حقوق الإنسان. ورغم أن المذكرة صدرت بخصوص الوضع في إفغانستان مع الانسحاب الأمريكي، إلا أنها تكتسب صفة التوصيات العمومية.
وبالتالي فإن أمريكا التي مررت خروج هذه المذكرة لمصلحتها لتخفيف وطأة الانسحاب من أفغانستان والسماح بدخول المساعدات لها، لا تستطيع الادعاء بأنها صاحبة فضل في عدم شمول عقوباتها للحالات الإنسانية، ناهيك عن عرقلتها عبر عملائها دخول ما توفر من مساعدات.
ثالثًا: أوضح قرار الخزانة الأميركية بأن الترخيص المؤقت بدخول المساعدات لسوريا، لا يشمل استيراد النفط ذي المنشأ السوري، ولا يشمل التعامل مع الأشخاص الذين فرضت عليهم عقوبات في سوريا، وهم مسؤولون ورجال أعمال، إضافة إلى مؤسساتهم ومصالحهم، إذ ستبقى العقوبات سارية بحق هؤلاء الأشخاص إضافة لاستمرار حظر استيراد النفط من سوريا.
والجميع يعلم أن مأساة الشعب السوري سابقة على وقوع الزلزال وأنها بسبب تلك العقوبات، وأن الزلزال كشف مدى اهتراء الوضع الإنساني وفقر الاستجابة الكافية واللائقة بالكارثة بسبب الصعوبات التي تعانيها الحكومة من جهة، ووضع الحصار والمعابر ورعاية الإرهاب والعملاء والاحتلال الأمريكي من جهة أخرى.
الجميع يعلم كذب أميركا وادعائها الفضيلة وهي راعية الرذائل، ولكن الحديث يطول عن العرب، ومقارنة سلوكهم تجاه تركيا وسلوكهم مع سوريا تفرض نفسها رغمًا عن كل من يحاول عدم تسييس الكارثة والتعاطي معها بمنظور إنساني فقط.
سوريا لا تتسوّل من أحد وهي صاحبة أفضال ولها حق مشروع على الجميع، وعلى كل من يخشى كسر الحصار والعقوبات أن يخجل من إنسانيته، وأضعف الإيمان أن يعمل بموجب المذكرة الإرشادية ولا يمتثل امتثالًا مفرطًا يضر بحقوق الإنسان!
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع