جهاد حيدر

 

لا تزال أصداء عملية القدس المزدوجة تهيمن على الجو السياسي والاعلامي في كيان العدو. وتعود هذه الاصداء إلى كونها أحبطت مفاعيل العمليات العدوانية التي نفذها جيش العدو في الضفة الغربية، وفي ظل إجراءات أمنية بلغت الذروة، مع إعلان وزير “الامن” بني غانتس نشر أكثر من نصف الجيش الاسرائيلي لحماية المستوطنين والعمق الاسرائيلي. إلا أن كل ذلك لم ينجح في الحؤول دون مواصلة العمليات النوعية التي توالت في الضفة الغربية، وارتقت الان الى الضرب في العمق الاسرائيلي عبر عملية تميزت في أسلوبها وتكتيكها ومكان تنفيذها.

قبل ذلك، جسَّدت عملية القدس المزدوجة ايضا ارادة الشعب الفلسطيني في مواصلة المقاومة ضد الاحتلال رغم كل الظروف الضاغطة بدءًا من الاحتلال واجراءاته القمعية التي يمارسها في كل يوم على أرض فلسطين، وصولا الى محور التطبيع مع كيان العدو الذي تتنوع ايضا أساليب ضغطه على الواقع الفلسطيني، عبر الاعلام والطوق الامني الذي يحول دون امدادهم بالقدرات والوسائل التي تُمكِّنهم من تطوير مقاومة الاحتلال والدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومخطط تطوير العلاقات مع اسرائيل التي تراهن عليها ايضا بهدف تيئيس الشعب الفلسطيني والخضوع للوقائع التي فرضها الاحتلال ويريد انتزاع شرعنتها من الشعب الفلسطيني.

 

وعكست التقارير الاسرائيلية إقرار أجهزة العدو بأن عملية القدس المزدوجة، باحترافية المنفذين، الامر الذي دفع الجهات المختصة الى وصفهم بالمدرَّبين. وتم استخلاص ذلك من التخطيط الذي كشفته كفاءة التنفيذ. ومن الواضح أن المقاومين الفلسطينيين على علم تفصيلي بظروف المنطقة التي تم فيها تنفيذ العملية، بما فيها الاجراءات الامنية التي نجحوا في اختراقها، حيث تختلف ظروف تنفيذ عملية تفجير عبوة ناسفة، عن تنفيذ عملية استشهادية لا يكترث فيها الاستشهادي لاكتشاف هويته أو تصويره من قبل الكاميرات. فيما الاسلوب الاول، يقتضي جمع معلومات استخباراتية مسبقة، وزرع العبوتين والانسحاب من دون التعرض للاعتقال، وبعد ذلك تفجيرهما عن بعد، خلال فترة قصيرة.

هذه المزايا الاحترافية، دفعت بعض المعلقين للقول إن العملية تستبطن مؤشرات على عمل منظمة ذات خبرة، ولن يكون مفاجئاً اذا ما اتضح لاحقاً أنها عمل خلية من القدس الشرقية، وربما من خلال مساعدة وتمويل خارجي. وما رفع القلق لدى الأجهزة المختصة هو اختراق الكاميرات من قبل “مجموعة هاكرز “عصا موسى” التي نشرت صور تفجير العبوة، والاخطر أنه تبين أن الكاميرات كانت معطلة الأمر الذي أفقد شرطة العدو التوثيق الذي يمكن الاستفادة منه في فهم ما جرى.

على نفس الخلفية، أتى كلام وزير الامن الداخلي عومر بار ليف، من أن “هذا حدث معقد أكثر بكثير، وليس أمرًا قرر شخص ما تنفيذه في الصباح”. وضمن نفس الاطار، يأتي تقدير الشرطة الاسرائيلية بأن “طبيعة الانفجارين تدل على تنظيم محنك”.

أثارت ظروف العملية، من التخطيط والرصد الى زرع العبوتين وصولا الى التنفيذ الآمن، الرعب لدى جهات التقدير والقرار في تل أبيب من امكانية تنفيذ مثل هذه العمليات، خاصة وأن المقاومين المنفذين هم داخل مناطق الـ48، ولم يتم القبض عليهم. ومن الواضح أنهم يتمتعون بحس أمني. هذا اضافة الى مروحة من التساؤلات لاحقت الرأي العام والمعلقين وايضا المؤسسات الرسمية، حول مصدر العبوات وكيف تم ايصالها الى العمق الاسرائيلي، وما هو حجم الكميات الموجودة وهل يوجد افراد ومجموعات غير المنفذين، وماذا لو تم تحويل هذه العبوات الى أحزمة ناسفة تتفجر في الباصات واماكن التجمعات بما يؤدي الى خسائر أشد خطورة. وسبق أن أثبتت التجربة أن عودة هذه الاجواء ستكون لها مفاعيلها الخطيرة على المناعة الاجتماعية الاسرائيلية وسلب المستوطن الاسرائيلي الشعور بالامن.

الرسالة الأهم لهذه العمليات وما سبقها وسيتبعها، أنها ترسّخ في الوجدان الصهيوني العام حقيقة أنه لا أمن للمحتلين في فلسطين، وأنه مهما تفاقمت الضغوط وتعاظمت الصعاب، وازدادت التضحيات فإن ذلك لن يمنع الشعب الفلسطيني من مواصلة مقاومته، التي تؤكد التجارب والتطورات التي تشهدها البيئة الاقليمية، أن آفاقها مفتوحة على المزيد من التطور والتصاعد كماً ونوعاً.

  • المصدر: العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع