السياسية: رفيق خوري *

ليس أمراً قليل الدلالات أن يبدو الصراع العربي – الصهيوني وكأنه صار مختصراً في صراع فلسطيني – صهيوني، ولا أن يتغير كثير في الصراع العربي – الصهيوني ويدور كثير في الصراع الفلسطيني – الصهيوني من دون أي حل لقضية فلسطين، والمشهد ناطق بانقسام بين الضفة الغربية تحت السلطة الوطنية التي جاء بها “اتفاق أوسلو” بقيادة “فتح”، وبين قطاع غزة الذي سيطرت عليه “حماس” بانقلاب عسكري، وتخوض بين حين وآخر معركة مع كيان إسرائيل تنتهي باتفاق على وقف النار بمسعى مصري.

كيان إسرائيل في سلام بارد مع كل من مصر والأردن، وسلام حار اقتصادياً مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، وعلاقات مع قطر وسلطنة عمان، وحال حرب مع سوريا ولبنان ومع إيران بشكل غير مباشر، وبقية الدول العربية لا تزال رسمياً في حال عداء مع الكيان الإسرائيلي ، والسؤال هو من هي الدول الأكثر إفادة للفصائل الفلسطينية في السعي إلى حل الخلافات والصراعات بينها، ثم في تسهيل الطريق إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني – الصهيوني؟

هل هي الدول التي لها علاقات مع كيان إسرائيل؟ أم الدول التي خاضت أكثر من حرب معها؟ أم الدول المصرة على الطابع العربي للصراع؟

دروس التجارب مكتوبة على الجدار سواء في مادة المصالحة الفلسطينية أو في مادة التسوية السياسية لقضية فلسطين، شيء من تكرار المحاولات ولو فشلت، وشيء من تكرار الفضائل لازدواجية المواقف: استعداد لإجراء المصالحة واستبعاد لتطبيق الاتفاقات، والكل يتمنى وإن كان يضع يده على قلبه في التوقعات أن يكون مصير “إعلان الجزائر” مختلفاً عن مصير ما سبقه، فهو السابع بعد “إعلان مكة” و”إعلانات القاهرة”، وكلها التزامات واضحة حول إنهاء الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في الداخل، وإعادة تشكيل منظمة التحرير بدخول “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إليها وانتخاب مجلس وطني فلسطيني، لكن كل شيء بقي حبراً على ورق.

ذلك أن المسألة بالغة التعقيد في العمق ومختصرها أمران كبيران، إضافة إلى أمور شخصية وفئوية وعلاقات مع دول، فأولهما أن الخلاف بين “فتح” و”حماس” صراع على السلطة ولو تحت الاحتلال، وثانيهما أن الوجه الآخر للصراع على السلطة هو الخلاف بين مجموع الفصائل الفلسطينية على الوسيلة لاستعادة الأرض المحتلة، بين فريق يراهن على التسوية السياسية في إطار القرارات الدولية، وفريق يراهن على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر بالقوة.

لكن الرهانات تصطدم بالوقائع، فلا السلطة الوطنية التي خاضت كل أشكال المفاوضات مع كيان إسرائيل برعاية أميركية حصلت على تسوية مقبولة، ولا معارك “حماس” و”الجهاد الإسلامي” مع الكيان الإسرائيلي من غزة قادت أو تقود إلى تحرير فلسطين، ولا دعوات السلطة الوطنية إلى مفاوضات برعاية “الرباعية الدولية” بعد التجربة المرّة مع أميركا قابلة للتحقق، لا سيما في أعقاب التصاعد في التباعد الأميركي – الروسي جراء حرب أوكرانيا، ولا “محور المقاومة” الذي تقوده إيران رافعة شعار “إزالة كيان إسرائيل” يريد أو يستطيع شن مثل هذه الحرب، فضلاً عن أن موجة اليمين الشعبوي المتشدد المرتفعة في الكيان قادت بنيامين نتنياهو إلى خوض الانتخابات التي تجري للمرة الرابعة خلال عامين تحت شعار “لا للتسوية مع الفلسطينيين ولا دولة فلسطينية”.

الانطباع السائد أن القمة العربية في الجزائر ستعمل على تطبيق “إعلان الجزائر” الفلسطيني، لكن الأنظار تتجه نحو الضفة الغربية واحتمال أن تندلع “الانتفاضة الثالثة” بعد الأولى في عام 1987 والثانية عام 2000، ففي الضفة جيل فلسطيني جديد لا علاقة له بالفصائل القديمة ويقاتل الاحتلال بعمليات منفردة، وبين التوقعات أن تصبح العمليات منظمة تخطط لها قيادة سرية، بحيث يحدث نوع من تراكم التضحيات بما يقود إلى ثمن وطني وسياسي لشعب فلسطيني لا يزال يقاتل ويزرع الأرض دماً منذ 100 سنة من دون الحصول على حصاد.

الانتفاضة الأولى قادت الى “اتفاق أوسلو”، والثانية أدت إلى عودة شارون لاحتلال ما انسحب منه في الضفة الغربية، ولا أحد يعرف ما تقود إليه الثالثة وإن كان هناك من يتصور أنها تهدد السلطة الوطنية.

المصدر: اندبندنت عربية
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع