هل يفتح التوتر الأميركي ـ السعودي بابًا لوقف العدوان على اليمن؟
شارل أبي نادر*
ليست المرة الأولى التي يتم فيها تبادل أسرى بين دول العدوان على اليمن ومرتزقتها من جهة، وبين حكومة صنعاء من جهة ثانية، فقد حصلت عدة عمليات تبادل أسرى بين هذه الأطراف حتى الآن، أي منذ حوالي السبع سنوات ونيّف تقريبًا. ولكن يبدو أن ملف الأسرى هذه المرة، والتابعين لكل الأطراف ـــ أكثر بقليل من الألف أسير التابعين للعدوان، وأقل بقليل من الألف تقريبًا من الأسرى التابعين لوحدات صنعاء ـــ يأخذ أبعادًا مختلفة، تؤشر إلى احتمال أن يكون مرتبطًا (ملف الأسرى) بأكثر من ملف آخر، أو إلى احتمال لأن يؤسس لمقاربة أكثر من ملف آخر من ضمن الملفات التي سبَّبها العدوان حتى اليوم.
في الواقع، هناك الكثير من التساؤلات التي تحيط بهذا الملف اليوم، والتي توحي بأن هناك تغييرًا ينتظره.
هل يسلك حتى النهاية؟ وهل يسلك وحده بشكل منعزل أو منفصل عن الملفات الأخرى ودون أن يتأثر أو يؤثر ببعضها لا سلبًا ولا ايجابًا؟ أم أنه يسلك ويكون مدخلا لمقاربة وحلّ عدة ملفات، لها ايضًا طابع انساني مثل فتح مطار صنعاء أو ملف رفع مستوى دخول الحاجات الضرورية عبر مرفأ الحديدة دون التقييدات الحالية، والتي تدخل عمليًا تحت عنوان ملف رفع الحصار، أو مثل ملف مشكلة عدم دفع مرتبات موظفي وعسكريي حكومة صنعاء؟
هذا لناحية التفاوض والبحث بين السعودية وحكومة صنعاء، حيث الفارق عن المقاربات السابقة واضح، في الشكل وطريقة التفاوض لناحية تبادل الوفود وتحديدًا وصول وفد أمني سعودي الى صنعاء، وذهاب وفد أمني يمني الى السعودية، وأيضًا في المضمون، حيث للمرة الأولى يتم فيها ـ وخاصة من قبل الجانب السعودي ـ فتح المجال للطرف الآخر بالتدقيق والبحث بأكبر قدر ممكن في أسماء الأسرى وحقيقة أوضاعهم الصحية والانسانية، أو ظروف وأمكنة أسرهم. ولكن أين هو الدور الأميركي في مقاربة كل هذه الملفات؟ وهل يمكن أن تسلك بسهولة وسلاسة دون تدخل أو رعاية أميركية؟
لا شك بتاتًا، أن العدوان على اليمن هو أبعد من مشروع سعودي فقط، ولا يمكن أن يكون نتيجة قرار سعودي فقط ولأهداف سعودية بحتة. صحيح أنه يبدو في الشكل العسكري والعملياتي سعوديًا، ولكنه أطلق سياسيًا من واشنطن، وبإشراك الامارات العربية المتحدة كطرف ثان أساسي أيضًا في التحالف. وأهداف هذا العدوان الفعلية تدخل ضمن أهداف الاستراتيجية الأميركية بامتياز، حيث تتناول السيطرة على العقدة البحرية الأكثر حساسية في العالم وسرقة ثرواتها، ومنع ايران من أن يكون لها طرف حليف أو طرف غير خصم في منطقة مؤثرة اقليميًا ودوليًا، والأهم بين هذه الأهداف، يأتي البعد المرتبط بالمصلحة الإسرائيلية استراتيجيًا واقتصاديًا وايديولوجيًا وأمنيًا وعسكريًا.
انطلاقًا من هذه الأهداف الاستراتيجية للعدوان على اليمن ذات البعدين الأميركي والاسرائيلي، يمكن تلمس الدور الأميركي الأساسي في حل أو عدم حل هذه الملفات جميعها، والتي سوف تفضي بالنهاية إما الى وقف العدوان وايجاد تسوية سياسية شاملة، وإما الى استمراره بوتيرة مشابهة للسابق لناحية شراسة المعارك، أو استمراره بوتيرة الجمود والتعليق دون حسم، مع إبقاء الحال على ما هي، لناحية الحصار والضغوط الاقتصادية والاجتماعية وابقاء الأزمة السياسية معلقة بشكل تشبه من خلاله وضعية التقسيم بين الشمال والجنوب.
لناحية السعودية، لو كان القرار لها في وقف أو متابعة العدوان، ربما اليوم يمكن أن نستنتج أنها قد تذهب نحو وقفه وايجاد تسوية سياسية، والأسباب في ذلك كثيرة وواضحة، وهي:
أنها اقتنعت مؤخرًا (رغمًا عنها طبعًا)، وبدأت تعترف بقدرة الجيش اليمني، أولًا على الثبات والانتصار عسكريًا على مناورتها العدوانية بمختلف أشكالها ومواقعها، وثانيًا بقدرته على الردع والحاق تأثيرات سلبية ضخمة في بنيتها النفطية والاقتصادية، والتي تشكل عماد قدراتها في مختلف المجالات، خاصة أن قدرات الجيش اليمني اليوم في الدفاع الجوي وفي القدرات النوعية الأخرى، أصبحت في مستوى قريب من الجيوش القادرة، نعني قدراته في الصورايخ الباليستية والمجنحة أو في المسيّرات الفعالة بمختلف نماذجها ومهامها.
السبب الآخر الذي يدفعنا للاستنتاج بأن السعودية قد تذهب نحو وقف العدوان ـــ طبعًا لو كانت وحدها مقررًا رئيسيًا في ذلك ـــ هو ما يتم تداوله جديًا في أروقة الكونغرس أو الإدراة الأميركية، عن قرار قريب لوقف المساعدات العسكرية الأميركية للسعودية، مع تعليق أغلب الصفقات غير المكتملة حتى الآن، وهذا الأمر فيما لو حصل، سيكون مستحيلًا على السعودية امتلاك أية قدرة على متابعة العدوان والعمليات العسكرية بنفس الوتيرة السابقة، خاصة أن عماد العدوان كان القوة الجوية، وهذه القوة (الجوية السعودية) ستكون غير موجودة أبدًا دون مساعدة فعليّة من الأميركيين أو الغربيين بشكل عام، لناحية الصواريخ الموجّهة والقنابل الذكية أو لناحية مزاحف اطلاق الصورايخ أو المعلومات الاستخبارية الدقيقة الخاصة بادارة عمليات الاستهداف الجوي وتحديد وملاحقة الأهداف العسكرية والمدنية.
ولكن، كان القرار بالعدوان على اليمن قرارًا أميركيًا، ووقفه أيضًا لن يكون إلا بقرار أميركي. ويبقى السؤال الأساسي: كيف يمكن لواشنطن أن تجعل من ملف العدوان على اليمن فرصة جدية ومؤثرة للضغط على الرياض، بسبب موقف الأخيرة كمساهم رئيسي في إخراج قرار (أوبك +) بتخفيض انتاج النفط، والذي اعتبرته واشنطن من أشكال الدعم الفعّال لموسكو في معركتها بمواجهة الغرب الأطلسي على خلفية الحرب في أوكرانيا؟
فإذا كانت واشنطن تعتبر أن وقف العدوان على اليمن والعمل من خلال عدة اتجاهات اقليمية أو دولية لفرض تسوية في غير مصلحة وموقع الرياض، هو شكل من أشكال الضغط على السعودية، فسيتوقف العدوان، واذا كانت واشنطن تعتبر أن متابعة العدوان، وفي نفس المستوى من المراوحة ومن التورط دون أفق، والذي يستنزف السعودية يومًا بعد يوم، هو شكل من أشكال الضغط على الرياض، ستستمر واشنطن في ادارة وتوجيه ورعاية العدوان.
يبقى الفاصل في كل هذا الوضع المعقد، موقف وقرار حكومة صنعاء التي كما يبدو اتخذت قرارًا نهائيًا لا رجعة فيه، فإما وقف العدوان والحصار والذهاب نحو تسوية مقبولة، وإما اطلاق العنان لقدراتها النوعية من صواريخ ومسيّرات عبر استهداف حركة النقل البحري في باب المندب والبحر الأحمر، وفرض واقع جديد وصادم على الغرب الأطلسي، المحتاج بقوة اليوم لطاقة المنطقة، ولكي تصل هذه الطاقة إلى دوله بهدوء بعيدًا عن التوتر العسكري والأمني.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع