تم تدويل الصراع اليمني, حيث بدء باخذ بُعداً اقليمياً, وذلك بعد أن قامت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة- وهما اثنتان من أغنى الدول في المنطقة – بقيادة تحالف عسكري مكون من عشرة دول عربية سنية, حيث اخذ هذا التحالف على عاتقه مهمة قتال الحركة الحوثية, كما يحظى هذا التحالف برعاية الولايات المتحدة الأمريكية, وبريطانيا وفرنسا, الموردون الرئيسيون للأسلحة.
فرانسوا بورغا ، مدير البحوث (الفخري) في المركز الوطني للبحوث العلمية, والمدير السابق للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى والمركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية في العاصمة صنعاء في الفترة ما بين 1997-2003 ، يرى أن الفصائل اليمنية يمكن أن يتوصلوا إلى اتفاق حول تقسيم السلطة في حالة لم يتم التلاعب بملفات الصراع على السلطة بشكل مصطنع اليوم من قبل القوى الأجنبية.
بقلم: ستيفاني فونتنوي
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ:
= الصحيفة: لماذا لا يزال الصراع في اليمن مستمراً في سرد فصوله منذ أربع سنوات وهي فترة طويلة, حيث أصبح جزءاً من الحروب المنسية؟
– فرانسوا بورغا: يكمن السبب في عدم الامتثال المطلق من كلا المعسكرين المتنافسين, فاليمن ليس بعيداً فحسب, فهو أيضا واحد من افقر دول العالم, في حين يضم التحالف العربي في طياته اثنتين من أغنى الدول العربية في المنطقة: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, حيث يتلقون الدعم المطلق من قبل حلفاءهم في الغرب, ثم يكافح الرأي العام قضية تحديد الخط الفاصل بين “الجيد” و “السيئ”، وإتباع نموذج واحد بشكل أو بأخر من الإسلام السياسي في كلا المعسكرين.
= الصحيفة: هل اطلق الغرب العنان لهذين الحلفين – المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – في هذه الحرب التي تعصف باليمن؟
– فرانسوا بورغا: تعتبر صياغة “دعه يعمل” ضعيفة للغاية, إذ وافق مسؤول فرنسي على نطق هذه المعادلة البليغة: “نحن شركاء في هذه الحرب”, لأننا: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا العظمى وفرنسا نوفر الجزء الاكبر من الخدمات اللوجستية العسكرية لدول التحالف العربي السني بقيادة المملكة السعودية.
ومن جانبنا, فإننا نقوم بتزويد التحالف العربي بالتصوير العسكري عبر الأقمار الاصطناعية الذي يسمح بتحديد الأهداف على أرض المعركة وتصويب المقذوفات ” الصواريخ” الجوية.
أضف إلى ذلك, فقد فرضت قوات التحالف العربي حظراً برياً وبحرياً وجوياً على اليمن, والذي عمل على اعطى هذه الأزمة بعدا إنسانيا حادا بشكل خاص.
= الصحيفة: بالرغم من كون اليمن الواقعة في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية والتي تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً, إلا انها لطالما وُصفت بأنها دولة فاشلة. من الذي يمثل السلطة الشرعية في اليمن اليوم؟
– فرانسوا بورغا: الحكومة الشرعية، فمن الناحية النظرية, تكمن السلطة الشرعية اليوم في يد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، المنفي في الرياض، فهذه الحكومة الشرعية الآن مجرد غطاء قانوني للاحتلال الإماراتي المتواجد في جميع أنحاء الجزء الجنوبي من البلد.
ومن الناحية القانونية, فأن البلد في واقع الأمر خاضع لسلطة الميليشيات، والأيديولوجية السلفية لتنظيم القاعدة في أماكن أخرى، والتي يتم تجنيدها وتمويلها من قبل الإمارات من أجل القتال إلى جانب حطام الجيش الوطني والمرتزقة الذين تم استقدامهم من أمريكا الجنوبية, ناهيك عن وجود “الفيلق الأجنبي” الذي أنشأه الإماراتيون في العام 2010 لضمان الدفاع عنهم, ففي جنوب اليمن لدينا قصة خيالية كاملة.
تحظى المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون، بمركزية أكبر للقرار السياسي الداخلي, ومن ناحية أخرى، فقد انهارت كل مقومات الحياة العامة للدولة والبنية التحتية العامة للبلد, حيث لم يعد بمقدور صناع القرار دفع رواتب موظفي الدولة منذ عامين أو أكثر, وذلك بموجب الحظر المفروض على البلد.
وبشكل خاص, فالوضع في الجنوب ليس احسن حالاً عما هو عليه في الشمال, إذ تطبق صيغة الدولة المفلسة مخالبها على كافة ارجاء البلد.
= الصحيفة: ما هو أصل هذه الحرب؟
– فرانسوا بورغا: يمكن إرجاء أصل الصراع الدائر في البلد بشكل معقول إلى فترة الربيع اليمني, حيث نجحت موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدها البلد في العام 2011 في انتزاع السلطة من يد الرئيس السابق “على عبد الله صالح”, ثم بدأ “خصوم” الرئيس السابق بتقسيم سلطته في “حوار وطني” أشرفت عليه الأمم المتحدة.
نتج عن ذلك الحوار الوطني صياغة دستور فدرالي يقضي بتقسيم البلد إلى سته اقاليم, ولكن عملية الانتقال السلمي وصلت إلى طريق مسدود بعد أن اكتشفت الحركة الحوثي أنهم اصبحوا ضمن اقليم محاصر لا يمتلك أي منفذ بحري, وبالتالي لن تمكنوا من الوصول إلى البحر الأحمر … وبالتالي إلى ميناء الحديدة. بمعنى, فقد بدأت الأزمة في اليمن بالفعل مع بروز مسألة السيطرة على ميناء الحديدة أو على الأقل الوصول إلى الميناء من قبل سكان المناطق الشمالية.
= الصحيفة: هل الصراع له بعد ديني؟
فرانسوا بورغا: ويعتمد ذلك على حسب الظروف المحيطه وذلك عندما لم تعد الصلة الوطنية تجدي نفعاً, حيث يتشبث ممثلو هذا الصراع بالروابط الثانوية.
ومن الواضح تماماً أن الارتباط الطائفي، من جهة جماعة الحوثي، أو الطبقة الأرستقراطية السياسية الزيدية القديمة (احد فروع المذهب الشيعي) في المناطق الشمالية، أو الجنوب الذي يخيم عليه السلفية الشافعية، ففي بعض النواحي يعتبر هذا هو خط التقسيم.
ومن الجدير بالذكر, أن تاريخ اليمن الحديث, بما في ذلك الثورة 26 من سبتمبر من العام 1962 التي قام على اثرها النظام الجمهوري, وإعادة توحيد شطري البلد في العام 1990 ، يثبت إلى حد كبير قدرة اليمنيين على التغلب على هذا الانقسام الطائفي بين الشيعة الزيديون والشافعيون السنة.
= الصحيفة: ما هي حقيقة الدور الذي تلعبه طهران إلى جانب قوات الحوثي؟
– فرانسوا بورغا: اليوم, لا يوجد أي وجود عسكري إيراني في اليمن, ما يمكن أن نتخيله هو أن الذخيرة وقطع الغيار التي جعلت من الممكن تحديث بعض صواريخ “سكود” القديمة قد وصلت عبر البحر والحدود العمانية، لكن في نفس الوقت لا نمتلك أي إثبات على تقديم إيران الدعم العسكري إلى الحركة الحوثية.
إن الحرب ضد إيران هي في الواقع جزء أساسي وحيوي من التواصل السعودي والإماراتي في هذا الصراع. ولماذا من المهم أن تشارك هذه الدول إيران؟ لأننا إذا قمنا بإشراك إيران ، فإننا نقوم بتعبئة دولة إسرائيل التي لديها هاجس معادٍ لإيران وبالتالي لحليفها الأمريكي القوي.
= الصحيفة: لهذا يضيف الصراع الرغبة القوية لأبناء الجنوب في الاستقلال؟
– فرانسوا بورغا: في اليمن، وخاصة في المناطق الجنوبية يتم أضعاف الدولة من خلال عملية “استخدام المرتزقة” المجموعات السياسية, وهكذا، أحيى الدور الإماراتي بشكل نشاط الجبهة الجنوبية المتعصبة.
ومن غير المحتمل في الواقع أن استراتيجيتهم لإنهاء هذه الأزمة تمر عبر انفصال الجنوب الذي سيصبح بعد ذلك محمية تابعة لهم، بسبب طموحاتهم التجارية والسياسية.
= الصحيفة: ما هو الدور الذي يلعبه الغرب (الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا) في هذا الصراع؟
– فرانسوا بورغا: يقدم الغرب الدعم بشكل صريح ونشط ليلبي الطموحات السعودية والامارتية, لسببين:
يكمن السبب الأول بشكل واضح بأنه سبباً تجاري، فالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تعتبران بمثابة أهم عملاء صناعة الأسلحة, والثاني هو الذي ذكرته للتو.
فهذه الحرب يمكن تسميتها “حرباً معادية لإيران”، حيث إنها تستفيد من دعم الجبهة الإسرائيلية الأمريكية, كما أنها سلبية لكل أولئك الذين لا يجرؤون على معارضة ذلك، مثل فرنسا.
= الصحيفة: كان يعتقد أن مع قضية اغتيال المعارض السعودي “جمال خاشقجي” في أكتوبر الماضي في مدينة اسطنبول التركية، سوف تعمل علة ممارسة العديد من الضغوطات, ولكنه في الاخير لم يتم ذلك …
– فرانسوا بورغا: سلط بعض المراقبين الضوء على لماذا أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بشكل مفاجئ سحب القوات الأمريكية من سوريا في ديسمبر المنصرم؟ولماذا توقف الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عن تحريك السكين داخل جرح ولي العهد السعودي الامير “محمد بن سلمان” في قضية اغتيال جمال خاشقجي؟
وبالنسبة لي، ليس من المستحيل على الإطلاق أن يكون هناك اتفاق بين رئيسي الدولتين.
فمن جانبه, وافق الرئيس الأمريكي على ايقاف الدعم لأعداء أردوغان المطلقين والمتمثلين في أكراد سوريا، وفي المقابل إنهاء سلسلة من التنازلات والكشف عن المظاهر التي جعلت من المستحيل على الأميركيين نشر علاقة عمل مع الامير محمد بن سلمان .
إن الاضطرابات الأخيرة التي ضربة العلاقة بين الرئيس ترامب والرئيس أردوغان لا تتعارض بالضرورة مع هذه الفرضية.
= الصحيفة: في رأيكم, ما هي النقاط التي من خلالها يمكن إيجاد مخرج من الأزمة اليمنية؟
– فرانسوا بورغا: يتضمن الخروج من هذه الأزمة أولاً سحب التدخل الخارجي الهائل, بالطبع, فهذا ينطبق على إذا كان هناك تدخل إيراني، فإنه يجب أن يتوقف, ولكني أود أن أظهر مدى ذلك, وعلى محمل الجد، يجب على التحالف السعودي-الإماراتي “السني” أن يوقف التزامه العسكري والسماح للجبهات الرئيسية الثلاث من النسيج السياسي اليمني في مواجهة بعضهم البعض.
ولكن هذا ما يعارضه معسكر الحكومة الشرعية، و حلفائه في حزب التجمع اليمني للإصلاح (القريب من جماعة الإخوان المسلمين) والذي يجب أن يتوافق مع الحركة الحوثية.
تكمن الجبهة الثانية في التيار الانفصالي الجنوبي والذي يستغلها الإمارات في خلق توتر مع النسيج السياسي الكامل مع الشمال.
وأخيراً ، سيكون من الضروري جداً مهاجمة المؤسسة الراسخة للجماعات السنية الراديكالية: تنظيم القاعدة أولاً ، ومن ثم تنظيم الدولة الاسلامية أو ما يعرف بداعش, ولن يكون أي شيء مما سبق ذكره سهلاً، ولكن ينتابني شعور قوي في أن اليمنيين يستطيعون التغلب على انقساماتهم.
وهذا يتطلب من المجتمع الدولي أن يمتلك الشجاعة لممارسة وفرض ضغط أكثر وضوحاً على عملائه السعوديين والإماراتيين لوقف تدخلهم.
= الصحيفة: هل أنت متفائل؟
– فرانسوا بورغا: بالنسبة لنا, سوف تكون الضغوط علينا سهلة جداً, لأننا نحن من ندير بشكل كبير الجهود الحربية للمملكة العربية السعودية, حيث يمكننا الضغط على الرياض من أجل وقف العمليات العسكرية، ولكننا لم نقم بذلك بالفعل, ومن الواضح تماما أن الفيتو الأمريكي الصريح سيكون كافيا لوقف الصراع في اليمن في غضون 24 ساعة.
وتذكروا ما قاله دونالد ترامب في خطابه عن حليفه السعودية الثري: “أنت تعلم جيداً أنه بدون دعمنا العسكري، لن تبقى لمدة أسبوعين في السلطة”.
• صحيفة “L’Écho” اللبلجيكية الناطقة بالفرنسية