السياسية:

وإذ تتهيأ منطقة الشرق الأوسط لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، وقبلها إلى كيان إسرائيل، تطفو أسئلة مرافقة على السطح، تتعلق بما تسعى إليه إدارته، بما ينتظره الشركاء الإقليميون منه، وما قد يكون ممكناً أم غير ممكن في المعادلات الدولية والداخلية الأميركية، حالياً. هذا المقال سيحاول تلخيص الأجوبة المتوافرة.

ماذا يريد بايدن؟

إدارة الرئيس بايدن، كما كتبنا سابقاً، باتت لها أجندتان متوازيتان تجاه ملاعب المنطقة، أقله في ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني من ناحية، و”الشركاء الإقليميين” من ناحية أخرى. فمنذ انتقال البيت الأبيض من الرئيس السابق دونالد ترمب إلى بايدن في يناير (كانون الثاني) 2021، أسرع الفريق المفاوض الذي عمل مع إدارة الرئيس باراك أوباما سابقاً، إلى إطلاق آلية العودة إلى الـ “JCPOA” عبر محادثات فيينا، ونجح في دفع الإدارة إلى وضع ملف الاتفاق “فوق كل اعتبار”. فسقطت بقية الملفات إلى الطبقات السفلى من السياسة الخارجية، ما سمح للوبي الإيراني أن يؤثر أكثر في الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، على حساب ملفات اليمن والعراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى الأمن الخليجي.

أما بعد اندلاع حرب أوكرانيا، فانفجرت أزمة النفط والغاز، وشعر الشعب الأميركي بها، فكان لا بدّ للإدارة أن تبحث عن البديل، أي الخليج، وهذا الأخير تموقع ذاتياً لحماية ذاته من نظام إيراني مستأسد في الإقليم منذ الحرب في شرق أوروبا، لذلك، تحركت الإدارة لاسترجاع ثقة العرب وكيان إسرائيل، عبر إعادة التواصل معهم. ولكن كيف يمكن لفريق بايدن أن يربط بين الخيطين: التقدم باتجاه توقيع اتفاق مع طهران من ناحية، وإعادة الربط مع التحالف العربي بقيادة السعودية وكيان إسرائيل اللتين سيزورهما الرئيس هذا الأسبوع؟ التقييم الحالي الآن هو أن المعادلة داخل واشنطن تدعو لإنجاح الزيارة مهما كلف الأمر، لأن الإدارة بحاجة ماسة إلى مصدر للطاقة لتنظيم الأسواق، وهي بحاجة لإعادة الثقة للعلاقات الأميركية الإقليمية، ونضيف أنها بحاجة لإنجازات كهذه قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكن، في الوقت نفسه، إدارة بايدن لم تتخلَ بعد عن الاتفاق النووي، ما يعني أن الرئيس وطواقمه وحلفاءه يريدون إعادة كسب العرب وكيان اسرائيل، ولكن من دون خسارة إيران.

ماذا يريد التحالف؟

المملكة العربية السعودية، ومعها دول التحالف، تريد من الإدارة توجهاً جديداً يعيد الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، ويأخذ في الاعتبار عينه مصالح الأمن القومي لحلفاء واشنطن، في مقابل مساعدة الولايات المتحدة في مواجهة الأزمات الإقليمية والعالمية، ولا يخفى على أحد أن الملف الأكبر بالنسبة للعرب هو دور إيران في المنطقة، أي أن الرياض، والعواصم المتحالفة معها كانت، ولا تزال، مستعدة لمواجهة الأخطار المشتركة الإرهابية، لكن ذلك يتناقض مع تمويل غربي للتسلح الاستراتيجي الإيراني، وهو ممكن عبر سيولة الاتفاق النووي، وهنا لبّ الموضوع. فالمنطقة لا تبخل في التزاماتها الدولية وشراكتها مع واشنطن، كما فعلت في الماضي بخاصة منذ عام 1991، ولكن سخاء إدارتي أوباما وبايدن مع النظام الإيراني ومع “الإسلامويين”، على حساب الحلفاء، قد ضغط على التحالف العربي و”جفّله” منذ حوالى عقد، وهذا هو ما يبغي الشركاء من بايدن: عودة الشراكة إلى ما كانت عليه في عهد ترمب، أو الرئيس جورج بوش الابن وجورج بوش الأب، وحتى إلى سنوات الرئيس بيل كلينتون. فهل بايدن قادر على إجراء تغيير كهذا؟

ماذا تريد إسرائيل؟

في كيان إسرائيل، أزمات سياسية ودستورية، وانتخابات آتية، ولكن مختلف الحكومات الصهيونية لها مطلب مركزي واحد من واشنطن، أياً كانت الإدارات وأكثريات الكونغرس: وضع حد للبرنامج النووي الإيراني، وإعطاء ضوء أخضر لاستهداف الصواريخ البالستية، وفي سنة انتخابية بامتياز، يتحول “أصدقاء كيان إسرائيل” في أميركا إلى “كتلة ضرورية”، بالتالي، فزيارة رئاسية للدولة الصهيونية تبدو مهمة على بعد أشهر من نوفمبر.

ما الممكن؟

ما تريده الأطراف، من الإدارة، إلى التحالف العربي، فكيان إسرائيل، باتت معروفة ولا تحتاج إلى تفسير، ولكن السؤال يبقى ما هو الممكن تحقيقه بنظر المعادلات المعقدة الإقليمية، والدولية، والداخلية الأميركية؟ وهل من نتائج يمكن تحقيقها أصلاً من الرحلة الرئاسية؟ الجواب هو لا ونعم في الوقت نفسه، إذ لا نرى إمكانية أن تقوم الإدارة، من دون زلزال سياسي، أن تنقلب على الاتفاق النووي فتخسر جزءاً من الحزب داخل الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، معاً.

إذاً، فالسعودية والتحالف، وكيان إسرائيل من ناحية ثانية، ستقدم الكثير لبايدن، ولكن ستحصل على أقل، كضمانات أمنية ودفاعية، وأسلحة، ولوجستيات، وانتشار أميركي إذا دعت الحاجة، لكنها لن تحصل على حرب أميركية ضد إيران، في هذه المرحلة، ربما تحصل كيان إسرائيل على “ضوء برتقالي” لعمليات محدودة ضد “حزب الله” في سوريا، وتقبل الإدارة بإجراءات محدودة ضد انصار الله في اليمن، وربما باستمرار عدد من العقوبات على إيران. في الخلاصة، على إدارة بايدن أن تلتزم بشيء ما يخرج المعادلة التي تحكمت بها عقيدة أوباما إلى معادلة جديدة في التعاطي مع الشركاء في المنطقة. هل ترتقي معادلة ما بعد زيارة المنطقة، وبخاصة المملكة، إلى ما كانت عليه في فترة ترمب، أي ضوء أخضر ضد الاتفاق النووي والتوسع الإيراني؟ من المستبعد فوراً، في ظل وجود كتلة الضغط المؤيدة للاتفاق داخل الإدارة. ولكن، هل بإمكان بايدن أن يقنع السعودية وحلفاءها من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى بقبول عقيدة أوباما مع بعض التعديلات؟ ذلك مستحيل حالياً، فالمملكة غيّرت سياستها الخارجية واضعة أمنها القومي أولاً، وأطلقت تحالفاً عربياً موحداً في موقفه، ويفاوض ككتلة واحدة. وإسرائيل وضعت خطاً أحمر، حيال الممارسات الإيرانية، والطرفان أبلغا هذه الرسالة الإقليمية، إما عبر القنوات الثنائية، وإما عبر الجبهة “الإبراهيمية”، والرسالة وصلت إلى الإدارة.

أما البيت الأبيض، فهو يعرف أن هذا الكونغرس، وبخاصة الكونغرس المقبل، يرى أن المصلحة القومية للولايات المتحدة تستدعي وجود حلفاء يمكن الاتكال عليهم أمام التحديات الدولية، وأن القيادة الإيرانية لا يمكن الثقة بها بشكل كامل من دون إصلاحات. لذا، فالرئيس بايدن هو أمام خيار كبير: إما أن يعود إلى واشنطن مع سلة فارغة، وهو أمر لا يريده، وإما أن يعود بجعبة تحالفية إقليمية. فبماذا سيعود؟
سنرى.

بقلم:وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب