اليمن: حرب منسية وأزمة إنسانية
السياسية – متابعت :
بقلم: كارلو مارينو(موقع ” agoravox” الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
خارطة اليمن شكلها مستطيل, فهذا البلد يعتبر من افقر بلدان العالم, يقع في الطرف الجنوبي من منطقة شبه الجزيرة العربية, يتشارك جميع حدوده الشمالية مع المملكة العربية السعودية, بينما يتشارك حدوده الشرقية بأكملها مع سلطنة عُمان, كان اليمن في الفترة ما بين العام 1962 إلى العام 1990، عبارة عن كيانين منفصلين: دولة في الشمال كانت تعرف باسم الجمهورية العربية اليمنية، حكمت بطريقة استبدادية من قبل الرئيس علي عبد الله صالح, وفي الجزء الجنوبي، هيمنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي عاشت في كنف النظام الماركسي, وبعد توحيد شطري اليمن في مايو من العام1990 ، شارك العديد من أبناء الجنوب بشكل نشط في الحركة المطالبه بالاستقلال السياسي, وحتى اليوم لا تزال هذه الحركة مستمرة في العمل ضد الحكومة المركزية.
شهد اليمن في العام 2011 ، اندلاع موجة احتجاجات عارمة أثارها ما يسمى بالربيع العربي, اضطر الرئيس صالح على اثرها إلى التنحي عن سدة الحكم التي ظل متحكماً بها لما يقرب من 30 عاما, وتوالت الاحداث في البلد حتى اندلعت حرب أهلية بين متمردي التيار الشيعي الأقلية القاطنة في المناطق الشمالية للبلد وبين التيار السني الموالي للحكومة, و أن تمكن المتمردون الحوثيون من اجتياح العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 استطاع التيار الشيعي فرض فترة جديدة في صنعاء, حيث سيطر عليها وعلى معظم المحافظات الشمالية وصولاً إلى المحافظات الجنوبية.
وفي العام 2015 كان اليمن على موعد مع بدء عمليات التدخل العسكري لقوات التحالف العربي في مارس من العام نفسه ، والذي أطلقته المملكة العربية السعودية, حيث كان الهدف من هذا التدخل منع ما تعتبره الرياض عادةً الفناء الخلفيّ لها من الوقوع في أيدي المتمردين الشيعه حلفاء إيران في المنطقة،فضلا عن ذلك فقد اصبح البلد مسرحاً مفتوحاً أمام الجماعات الإرهابية.
عملت الرياض بشكل نشط في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي خلال السنوات العشر إلى خمسة عشر سنة الماضية, فهي تسعى إلى إقامة كيان اقتصادي وسياسي وعسكري, إذ يكمن الدافع وراء هذه الاستراتيجية الحاجة إلى السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي, في حين تعتبر هذه الاستراتيجية سبباً لهذه الحرب المتأججة في اليمن, واليوم يعيش اليمن حرباً بالوكالة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومن جانبها, أطلقت الرياض برنامج الولاء (المال مقابل الولاء) مع النخب المحلية في منطقة شرق أفريقيا.
أخذ الصراع في اليمن بعداً إقليمياً منذ العام 2015، أي بعد اعلان التدخل العسكري لدول التحالف العربي متعدد الجنسيات والمنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية, والذي تضم في طياتها مصر وبعض دول الخليج، حيث أخذ هذا التحالف على عاتقه تقديم الدعم للقوات الحكومية المسلحة ضد المتمردين الحوثيين المعروفين رسميا تحت مسمى “أنصار الله”.
تمكن المتمردون الحوثيون من بسط سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية، بينما استقر الرئيس هادي وحكومته في مدينة عدن الجنوبية.
تعتبر الحرب اليمنية واحدة من “الحروب المنسية” الأكثر دموية، حيث شهدت لعدة أسابيع معارك ضارية بين المتمردين الحوثيين الذين يدافعون عن أنفسهم وبين القوات اليمنية المدعومة من قبل قوات التحالف العربي بقيادة الرياض على مدينة الحديدة, إذ تعتبر مدينة الحديدة المطلة على ساحل البحر الأحمر نقطة ولوج ومرفأ أساسي تصل اليه سفن الشحن والمساعدات الإنسانية.
وفي الواقع يعيش البلد حالة طوارئ, فقد اصبح البلد بحاجة ماسه للمساعدات الإنسانية, على الرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة من قبل الامم المتحدة والمجتمع الدولي, وقد تكللت تلك الجهود المبذولة بالنجاح في العاصمة السويدية ستوكهولم، حيث تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية بين المتمردين الحوثيين وبين الحكومة خلال محادثات السلام الأولى التي رعاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث.
ففي الواقع, ما يحدث في اليمن هو حرباً بالوكالة بين ايران “الشيعية” والسعودية “السنية”, بيد أنه بأيدي يمنية خالصة, فمن خلال هذه اللعبة الخطيرة يسعى كلا الطرفين إلى فرض سيطرته الاقليمية.
بمعنى آخر, ففي اليمن يتواجه العالم السني مع العالم الشيعي, والذي أدى الى فرض عواقب وخيمة القت بظلالها على المنطقة الاقليمية برمتها.
تحتل الجمهورية اليمنية موقع جغرافي استراتيجي هام في المنطقة، حيث تطل من الجهة “الشرقية” على البحر الأحمر, بينما تطل من الجهة الجنوبية على خليج عدن، فهذه المرآة البحرية تعتبر نقطة عبور لجميع الناقلات القادمة من الخليج الفارسي.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من القصف والصراع بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية، اصبح اليمن ساحة لمعركة سقط فيها الآلاف من القتلى, ناهيك عن سقوط البلد في شرك أزمة إنسانية اكتوى بنيرانها الشعب اليمني, جُلهم من الأطفال.
ومن جانبها, أشارت منظمة إنقاذ الطفولة، إلى أن 22 مليون شخص بحاجة ماسه إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 120 ألف طفل يواجهون خطر الوقوع في شرك المجاعة.
ينتمي الحوثيون “الزيود”إلى التيار الشيعي إلا أنه بعيد إلى حد ما من الفروع الأخرى، فهم طائفة شيعية مميزة جداً تمثل حوالي 35٪ من اجمالي عدد السكان المسلمين في اليمن.
لطالما خيم الانسجام على الطائفة الزيدية والسنية لفترة طويلة, حيث أنهم كانوا يقيمون شعائرهم الدينية جانباً إلى جنب دون تمييز في نفس الجامع, كما كانت تربطهم علاقات اجتماعية وطيدة.
بالإضافة إلى أزمة الغذاء والحرب التي يصطلي بنيرانها اليمن, يعيش البلد أيضا حالة مفارقه, كونه يعتبر نقطة عبور للمهاجرين الذين يصلون عن طريق البحر الأحمر و القرن الإفريقي من أجل الوصول إلى ممالك الخليج.
من جهة، تهيمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على العالم الشيعي, فهي من تعمل على تموّيل ودعم المتمردين الحوثيين بشكل غير رسمي, ومن جهة أخرى تعتبر المملكة العربية السعودية الاب الروحي والمرشد الكوني للعالم السني.
وفي خضم هذه الكارثة، هناك استراتيجيات القوة التي لا علاقة لها باللاهوت والمذهب, فهذه الاستراتيجيات لا تهتم سوى بالسلطة والنفوذ.
دخلت الملكية السعودية المشهد اليمني من أجل دعم الرئيس هادي, وذلك ليس فقط بسبب توسع الحوثيين الشيعة الذين تمكنوا من السيطرة على نصف مناطق البلد, فقد ارقت تداعيات القضية اليمنية مضجع الحكومة السعودية, وذلك نظراً لما يمكن ان يؤثره التيار الشيعي المنتشر في جميع ارجاء المنطقة, حيث يرى المذهب الشيعي في طهران انها الحضن الدافئ لأولئك الذين كانوا دائماً أقلية في العالم الإسلامي.
كما يتشدق السعوديون بالقضية الأمنية, وهذا هو السبب الرئيسي لتدخلهم في اليمن, فإلى جانب الحدود الطويلة التي تتقاسمها المملكة السعودية مع اليمن، ترتبط المشكلة بحقيقة أن تقوية التيار الشيعي في اليمن يمكن أن يلقي بظلاله على الأقلية الشيعية في بعض مناطقها والتي تتحدى بشكل دوري سلطة النظام الملكي السني.
توجد فجوة بين التيار الشيعي والسني، فكلاهما قادران على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، بينما ينظر إلى طهران والرياض على أنهما منارة لكلا المذهبين.
ففي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يعتنق السواد الاعظم من السكان المذهب الشيعي, كما يهيمن المذهب الشيعي على أعلى المناصب المؤسسية في الدولة “المرشد الأعلى” آية الله علي خامنئي، والذي تربع على راس هذا المنصب لما يقرب من 30 عاما.
في حين تعتبر المملكة العربية السعودية موطن الإسلام السني, نظراً لأحتوها على الأماكن المقدسه في الدين الاسلامي “مكة المكرمة والمدينة المنورة” ، فهذان المكانان شهدا ولادة و وفاة نبي الاسلامي “محمد”.
أصبح التعايش بين التيار السني والشيعي في بلدان المنطقة صعب للغاية، بالرغم من كون التيار السني يمثل 85٪ من اجمالي عدد المسلمين.
يعود أصل هذا التوتر بين التيارين منذ العام ” 632 م” وهو العام الذي توفي فيه النبي محمد, حيث تتم الإشارة إلى أولئك الذين يطلقون على انفسهم “السنة” على أنهم خلفاء النبي وصحابته, ومن جانبهم, ادعى الشيعة المستقبليون، أن واحداً من أقرباء النبي محمد هو من يستطيع أن يحكم الإسلام، وهكذا تم تعين الامام علي ابن عم النبي “محمد” وصهره.
شهد العام 680م في مدينة كربلاء العراقية، مقتل الامام الحسين بن علي على يد جماعة السنة, ومنذ ذلك الحين، تم فصل المسارات بين روحي الإسلام إلى الأبد، مع اعتناق الغالبية العظمى للمذهب السنّي وتمركز السلطة السياسية والدينية في أيديهم.
وفي انتظار عودة الإمام الثاني عشر أحد أحفاد الامام علي، قرر المذهب الشيعي الاسترشاد بآيات الله والمرشدين والزعماء الروحيين الذين تلقوا التعاليم الدينية في أهم الجامعات القرآنية.
وعلى العكس من ذلك، لا يعتمد المذهب السني على الأدلة والمرشدين والزعماء الروحيين, باستثناء أصحاب نبي الإسلام “محمد” وأولئك الذين عاشوا أسلوب حياته واستمعوا إلى تعاليمه, فهم فقط من يستطيعون نقل الرسالة الحقيقية.
وفي خضم هذا التنافس الذي تعود جذوره إلى العام 632 ، فقد جعلت المؤامرات الإقليمية من طهران المدافع والمثل الأعلى لجميع الأقليات الشيعية المضطهدة في المنطقة, وبما في ذلك الأقليات الشيعية في اليمن.
وفي نهاية المطاف، تلعب تجارة النفط والأسلحة دوراً مركزياً والتي تضم أيضا الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها السعودي, والتي تتعارض في نفس الوقت مع طهران.